ورحلت الشريفية شموم سيدة نساء الأرض فى الأرض
بسم الله الرجمن الرحيم
قال تعالى " وبشر الصابرين الذين أذا أصابتهم مصيبة قالوا أنا لله وأنا اليه راجعون " صدق الله العظيم
رحلت عن دنيانا الشريفية شموم الشريف عبد الرحيم الشريف يوسف الهندى صباح يوم الأحد الموافق 3 مارس 2019م بمستشفى أكسفورد أثر علة لم تمهلها طويلاً عيدا عن كل ما كانت تشكو منه من أدواء وتتعدد الأسباب والموت واحد. وقد حضر تشييعها جمع كبير من السودانيين المقيمين بأنجلترا وبعض افراد الجاليات المسلمة والعربية بأكسفورد وتمت صلاة الجنازة عليها بمسجد أكسفورد المركزى وتمت مواراة جثمانها بمقبرة السودانيين بأكسفورد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 5 مارس.
وللحديث عن الشريفية شموم وخصايصها ومناقبتها تعجز الكلمات ويعجز قاموس اللغة العربية عن التعبير وأحتواء مناقبها ولكن لابد لنا نحن عارفى فضلها وسيرها ومسيرتها بين الناس أن نقول فى حقها كلمات تأبين ووفاءاً لمن عطر حياتنا فى بلاد الغربة والهجرة بعطر دماثة الأخلاق وجميل الفضايل. وأن كنت قدمت لها بسيدة نساء الأرض فى الأرض فهى بأذن الله سيدة نساء أهل الجنة فى الجنة بعد جدتها فاطمة الزهراء بنت نبينا محمد المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ونسأل الله أن يتقبلها القبول الحسن ويشملها بشآبي رحمته وأن يوردها حوض جدها ويبعثها فى زمرته أنه كريم ومجيب السؤال والدعاء. فقد كانت بيننا كالنسمة وذهب مننا كالنسمة وان كان قد تركت فى أنفسنا قصة وحزناً نسأل الله أن يصبرنا على فراقها.
لقد جمعت المرحومة شموم كل خصايص ومناقب جدتها فاطمة وأبنها الشريف حسين مروراً بجده الشريف يوسف لتكتمل وتتجمع كل خصايل ومناقب السدة الأشراف عندها والتى تمثلتها قولاً وفعلاً ومشت فيها بين الناس مما جعل الجميع لها شاكرين وقد كانت هذا واضحاً فى النساء الثكلى عليها والرجال الذين لم تفارق أعينهم الدموع. وهنالك من الجمتهم الفاجعة فصاروا فى تهويم وهم بين الناس وكأنهم ليسوا بين الناس سارحين فى ذكرياتهم معها ومتمثلين صورها الحية معهم وكأنها حية تتخاطب معهم.
لقد كانت المرحومة الشريفية شموم كريمة حد الكرم ما يكون وكانت أماً وأختاً للجميع منذ أن وطيت قدماها أنجلترا فى الهجرة من أجل الوطن مع عمها المناضل الشريف حسين الهندى وزوجها صديق من قبل أن تأتى النساء لحاقاً بأزواجهن مع الشريف حسين. وكانت هى الحضنة لكل نساء المناضلين الذين كانوا مع عمها تنير لهن الطريق وترتب أمورهن حتى يعرفن ويتعلمن طرق المعيشة فى هذه البلاد الغريبة عليهن. وأكثر الناس معرفة بأفضالها هم الذين خرجوا مناضلين ضد نظام نميرى مع عمها الشريف حسين. وقد كان بيتها تكية بمعنى تكية جدها الشريف يوسف وتخدمالجميع وعلى وجهها البتسامة العريضة لا تكل ولا تمل ولا أخفيكم القول رغم كثرة الأعداد والخدمة الكل يقول لك لم أتذوق طعاماً أشهى من طعام شموم وكانت اجابتى دايماً أنها تعطيكم طعاماً مخلوطاً بروحها ونفسها الذكية وهذ ما جعله أشهى طعاماً لأن المكونات الأخرى للطعام هى نفس المكونات ولكنها أختلطت بالنفس الذكية والراضية والمطمينة فصار أشهى طعاماً. وتحاول أن توفر لكل من يأتيها ضيفاَ ما يحب وعندما علمت أننى أحب ملاح الويكاب فأذا قلت أنى زايرهم فى اليوم الفلانى وأخبرها صديق بذلك أول ما أجد على طاولة الطعام ملاح الويكاب والعصيدة والكسرة. بل زادت على ذلك متى ما عرفت أن صديق سيلتقينى أو أتت هى لنا الآ وجاءت فى معيتها ملاح الويكاب.
كانت شموم دايماً فى حالة أبتسام وعندما تلتقيك تسلم عليك بكل الشوق والتحنان والبتسامة حتى لو كنت غبت عنها يوماً واحداً. فهى لا تتكلف ولا تتصنع وأنما على سجيتها وهذا ديدنها مع الكل لأن أى فرد من معارفها يشعر بأنها تخصه هو أكثر من الآخرين ولكن الحقيقة هى حبها الدافق للجميع تعطى أقصاه للكل دونما فرز فالكل عندها حبيب وقريب. ولم تكن شموم فى حياتها طعانة أو فاحشة أو بذيىة فقد كانت تقابل الجميع بطيب وحسن القول ولم تعادى أحداً قط بل كانت دايماً تسعى بين النساء لتؤلف بينهن وتجمع بينهن وتكرهن أنهن فى الغربة يحتاجن لبعضهن البعض فلا يفسدن حياتهن فى الغربة. لقد كافحت وجاهدت فى حياتها مع أخينا صديق الهندى ما لا أعتقد أن هنالك أمراة قدقامت به فى أرض الغربة. فقد كان الأخ صديق مشغولاً بالدراسة والعمل العام مع عمه الشريف حسين فقد كانت هى لوحدها القايمة بكل أعباء المعيشة وتربية الأولاد ومراعاة زوجها وأستقبال الضيوف وخدمهم خاصة ايام العطلة السبت والأحد من كل اسبوع. ولم تلهث وراء المال فقد تفرغت تفرغاً تاماً لتربية ذريتها وكل النجاحات التى أحزوها فى حياتهم بفضلها من بعد فضل الله سبحانه وتعالى. ولكرمها الفايق لم تدخر ما يساعدها لأن يكون لها منزلاً يأويها ويأوى أبناءها وعندما رجعت للسودان بعد رجوع زوجها صديق الهندى مع عمه الشريف زين العابدين الهندى تسكن باليجار وبعد أن رجعت الى لندن وراء العلاج لم يكن لها منزلاً ملكاً لها يأويها ويأوى أبناءه وأحفادها وتسكن فى بيوت الحكومة البريطانية بالجرة الى أخذها الله الى رحابة فى حين كثيراً من السودانيين الذين لجأوا الى بريطانية يمتلكون منازلاً خاصة بهم قاموا بشرايها ألا الذين أنشغلوا بالعمل العام والنضال والذين انفقوا ما تحصلوا عليه بعرق جبينهم عملاً شاقاً فى الغربة فى العمل العام وأحتضان اللاجيين وتسهيل امورهم الى أن توفق أوضاعهم وقد كان هذاما جعل الأخ صديق الهندى وحرمه المرحومةيضحوا براحتهم وراحة اولادهم من أجل الآخرين. وهذا ينطبق على كثير ممن تصدوا لقيادة العمل العام.
كانت المرحومة الشريفية شمومصلتها بى وبأسرتى صلة وثيقة فيها من الحب والتوادد والأحترام ما فيها وكانت تتعامل مع ابنايي كأنهن لينا للبنات وكانهم أبراهيم وحسين وعبد الرحيم لبنايي خالد وخباب. وكانت عليها رحمة الله تعتبرنى أخاها الأكبر وتستشيرنى فى كل شي وتشكو لى كل هم أو غم يهمها برغم أنها من الصبورات على المكاره والكتومات ولكن دايماً ما يحتاج الأنسان لمن يبثه شكواه وهذا لا يحدث الا مع من تحب وتحترم وتعتبره كأخيك ابن أمك وهذا ما جعلنى اضعها فوق راسي وفى علا وعليين. كانت عليها رحمة الله متفايلة بالحياة لآخر وقت من قبل أسبوع من وفاتها عندما ذهبنا لزيارتها أنا وأبنتى آمال ووجدناها فى الغسيل وحكت لنا ابنتها لينا بتفاؤلها ووعد الأطباء لها بزراعة كلية بغد أن أصابها الفشل الكلوى وقد كانت تذهب للغسيل الكلوى ثلث مرات فى الأسبوع.
ألا رحم الله احتنا وحبيبتنا وغرة عيوننا الشريفية شموم وأدخلها فسيح جناتة مع الصديقين والشهداء وحسن أؤليك رفيقاً. وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة وأن ينقى حطاياها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأن يجعلها فى سدر مخضوض وطلح منضود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وأن يلهمنا ويلهم ذويها الصبر الجميل والسلوان وأن يجعل البركة فى ذريتها وعقبها من بعدها أنه نعم المولى ونعم النصير ونعم المجيب وأنا لله وأنا اليه راجعون.
mohamed.z.osman1950@gmail.com
///////////////