ورحيل ابدى لرجل آخر من الرجال المحترمين فى السودان
هلال زاهر الساداتي
25 November, 2011
25 November, 2011
ماعادت ايامنا تزورها الفرحة ، وماعادت ليالينا تغمرها البهجة ، واصبحت دوحة السودان يتساقط منها ثمارها اليانعة بعد ان استوت وطاب اكلها ، وطالت يد الردى البقية الباقية من خيرة رجالنا وهم قليل ، ولكن نرجع ونقول ان لكل اجل كتاب وان لكل بداية نهاية ، فلم اصدق ان جرحى اندمل بفقد الصديق النبيل والرجل الصنديد محجوب عثمان ، حتى نكأ الجرح ثانية بموت رجل صنديد آخر مناضل أبى وانسان شريف نقى هو اليتجانى الطيب بابكر والذى وهب عمره المديد لخدمة وطنه وشعبه ، ولنصرة الكادحين مبتغيا اقامة مجتمع العدل والكفاية والكرامة ، وانفق جل عمره فى معتقلات وسجون الطغاة فى السودان ومصر وفى ملاحقتة ومطاردتة ، ومع كل ذلك لم ينثنى ولم يتغير ولم يتبدل فظل واقفا كالطود الاشم لاتهزه ولا تحركة الرياح.
ترجع معرفتى بالفقيد الى اواخر الاربعينات من القرن العشرين الماضى عندما كنت صبيا فى المرحلة الثانوية وكان هوشابا غض الاهاب فى بداية تعليمه الجامعى بالمدارس العليا (جامعة الخرطوم لاحقا ) وكان ديوان منزلنا بالموردة ملتقى يؤمه الشباب المتحمس الواعى فقد كانت الحركة الوطنية فى اوج اشتعالها وكنا نحن الطلاب فى الثانويات والمدارس العليا نتاجج حماسة وتصميما فى مقاومة الاستعمار بالمظاهرات والاضرابات وكان ابى له اصدقاء ومعارف من جميع الاتجاهات السياسية يجتمعون عندنا فى صفاء ومودة فى ذلك الزمن الجميل وكان الوالد لا يبخل عليهم بما يودون من كتب فى مكتبته الكبيرة وكان الحضور يضم طلبة جامعيين شيوعيين ، واتحاديين ،ومن حزب الامة وصحفيين فى بداية اشتغالهم بالصحافة اذكر منهم طيب الذكر محمد احمد السلمابى والذى اصبح فيما بعد رئيسا لجريدة صوت السودان اليومية ثم رئيسا لمؤسسة السلمابى الخيرية ،ومن قادة الاتحاديين د.سيد احمد عبد الهادى ،ومن الاساتذة الاستاذ حسن الطاهر زروق ، ومن الطلبة عبد الخالق محجوب والتيجانى الطيب وعثمان محجوب الشقيق الاكبر لعبد الخالق والذى تزوج د. خالدة زاهر والتى زاملت كل الذين ذكرتهم فى الجامعة كأول فتاة تلتحق بالجامعة وكلية الطب . وكان الوالد نفسه فى حزب الاشقاء وعضوا فى اللجنة الستيينية لمؤتمر الخريجين وختميا مع ان والده انصارى حارب فى كررى وعطبرة واستشهد مع الخليفة عبدالله فى ام دبيكرات .
وكرت السنون والتقيت التيجانى ثانية فى القاهرة وقد صرنا كهولا واشتعل شعر الراس باللون الرمادى والابيض . وكان التيجانى عضوا فى اللجنة العليا لقيادة المعارضة السودانية ممثلا للحزب الشيوعى وكان عضوا فى لجنتة المركزية ، وكنت اجد نفسى عندما ازوره دوما فى شقتة بمدينة نصر واكون مرتاحا فى معيته فهو بسيط وخفيف الظل والروح واضح وصريح فى ابداء رأيه وشجاع مع اتساع ثقافتة ، وللغرابة لم نكن نخوض فى السياسة كثيرا بل يجمع بيننا رحاب الوطنية وذكريات مدينة ام درمان فانا لم اتشيع لطائفة او التحق بحزب سياسى لقناعة خاصة بى منذ كنت طالبا ، ولقد خبرت فى التيجانى زهده وتجرده وايمانه المطلق بمبدأه واخلاصه لشعبه وبلده السودان ، فلم تغره الدنيا وزخرفها ولم يسع لمنصب ولم يجر وراء مغنم ، فقد رايته يركب المواصلات العامة فى القاهرة، ويسكن فى شقتة ملك لاخيه المهندس احمد الطيب وكنت احسب ان الحزب يؤجرها له ، كما تذهب زوجته الفاضلة السيدة فتحية الى السوق لتشترى الخضار ومتطلبات البيت اليومية .
ولقد خبرت هذا التجرد والعفة لمنسوبى الحزب الشيوعى فهم فقراء فى المال اغنياء فى النفوس واحسب انه الحزب الوحيد الذى يعتمد فى تمويله على اشتراكات وتبرعات اعضائه ، وان اعضاءه المحترفين المتفرغين يعيشون على حد الكفاف ، فقد كان المرحوم شقيقى الاكبر الحبيب انور زاهر وهو عضو منذ نشأة الحزب الشيوعى وصار عضوا فى اللجنة المركزية يتقاضى عشرين جنيها شهريا ، وكنت انا اوفر له الكساء .
واما زعيم الحزب الفذ عبد الخالق محجوب فقد اشترى له الحزب عربة صغيرة سكند هاند ماركة مورس ماينر والتى كانت مخصصة لمفتشى الغيط فى مشروع الجزيرة لتحركاته فى شئون الحزب .
احر العزاء للسودان وبخاصة للحزب الشيوعى السودانى ، واحر العزاء لاشقائه المهندس احمد والاخ زميل الدراسة مختار الطيب ورفيقة دربه المكلومة السيدة الفاضلة فتحية ولابنته الاستاذة عزة والاخ خالد ولكل الاسرة فى هذا الفقد العظيم وغفر الله للتيجانى ورحمه رحمة واسعة ،(وانا لله وانا اليه راجعون) ،
helalzaher@hotmael.com zaher [helalzaher@hotmail.com]