وزارة الصحة بالخرطوم.. والمزاوجة بين الترغيب والترهيب مع شركات التدخين
i.imam@outlook.com
استوقفتني الاعلانات المتكررة لوزارة الصحة في ولاية الخرطوم، المتعلقة بتحذيرالوزارة للمصنعيين والموردين والتجار الذين يبيعون للمستهلك منتجات التبغ دون وضع الصور والمحاذير الصحية، كما جاء في قانون مكافحة التبغ لولابة الخرطوم لسنة 2012، سيعرض نفسه للمساءلة القانونية. والوزارة تستند في ذلك على حكم قضائي تستعين به في تنفيذ القانون ارغام شركات التبغ لانفاذ نصوص القانون المتعلقة بوضع الصور والمحاذير الصحية على منتجاتها. فعكفت على قراءة هذا القانون ولائحته، ومن ثم رأيت أن أكتب هذه العُجالة في تبيان ضرورة انفاذ هذا القانون من أجل صحة المواطن والوطن.
ومما يُحمد لوزارة الصحة ولاية الخرطوم أنها في اطار حملة مكافحة التدخين من خلال اجازة المجلس التشريعي لولاية الخرطوم لقانون مكافحة التبغ لولاية الخرطوم لسنة 2012، حرصت على المزاوجة بين أساليب الترغيب والترهيب لانفاذ نصوص هذا القانون على شركات التبغ، تصنيعاً واستيراداً وتجارةً، حيث قامت بتنظيم ندوات وسمنارات وملتقيات حول مضار واضرار التدخين، مستصحبة في ذلك المناسات والفعاليات الوطنية والعالمية المتعلقة بهذا الشأن، اضافة الى عقد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات مع أصحاب ومسؤولي شركات التبغ لتوضيح أهمية الالتزام بقانون مكافحة التبغ لولاية الخرطوم لسنة 2016 الذي لم تتم اجازته من قبل المجلس التشربعي لولاية الخرطوم الا بعد جهد جهيد بذلته الوزارة في سبيل اصدار هذا التشريع. وبالفعل بعد قرابة أربع سنوات من المجاهدات تمت اجازته، لذلك أرادت الوزارة أن تستخدم أسلوب التدرج في تطبيقه، ترغيباً لأصحاب ومسؤولي هذه الشركات من أجل توفيق أوضاع شركاتهم، تفادياً للخسائر المالية مع مراعاة الأضرار الصحية الناجمة عن سياسات هذا الأسلوب التدرجي الترغيبي، وان كان في مقدور الوزارة انفاذ نصوص القانون فور اجازته، ولكنها حرصت على اتباع المزاوجة بين الترغيب والترهيب في انفاذها من أجل صحة المواطن.
التدخين – يا هداك الله - عملية يتم فيها حرق مادة والتي غالباً ما تكون التبغ، وبعدها يتم تذوق الدخان أو استنشاقه. وتتم هذه العملية في المقام الأول، باعتبارها ممارسة للترويح عن النفس عن طريق استخدام المخدرات، حيث يَصدر عن احتراق المادة الفعالة في المخدر، مثل النيكوتين مما يجعلها متاحة للامتصاص من خلال الرئة، وأحيانا تتم هذه الممارسة كجزء من الطقوس الدينية لكي تحدث حالة من الغفوة والتنوير الروحي وهناك آلاف من المواد الكيميائية التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي. وتُعد السجائر هي أكثر الوسائل شيوعاً للتدخين في الوقت الراهن، سواء كانت السيجارة منتجة صناعيا أو ملفوفة يدويًا من التبغ السائب وورق لف السجائر. وهناك وسائل أخرى للتدخين تتمثل في الغليون، والسيجار، والشيشة، والبونج "غليون مائي". وفي الوقت الحاضر، يُعد تدخين التبغ من أكثر أشكال التدخين شيوعاً، حيث يمارسه أكثر من مليار شخص في معظم المجتمعات البشرية.
يذهب البعض الى أن مكافحة التدخين عن طريق انفاذ قانون مكافحة التبغ لولاية الخرطوم لسنة 2012 سيفقد موازنة الدولة وليس الولاية، مصدراً مالياً مقدراً تتحصل عليه من خلال فرض ضرائب باهظة على شركات التبغ. فلذلك ان هذا القانون سيؤدي الى ضرر بليغ في موازنة الدولة، ويفقدها مليارات الجنيهات، لكن الأخ البروفسور مأمون محمد علي حُميدة وزير الصحة في ولاية الخرطوم له رأيٌ آخر في هذا الصدد، عبر عنه في حفل الوزارة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التدخين يوم الأحد 5 يونيو الحالي في فندق كورال (هيلتونى سابقاً) بالتأكيد على أن انفاذ هذا القانون بتطبيق نصوصه، سيؤدي لا محالة الى خفض ميزانية العلاج بنسبة 50 في المائة. وتحدث الأخ البروفسور أحمد محمد سُليمان مدير جامعة الخرطوم في الحفل نفسه، عن أن دراسة حديثة لاحدى عشر ألف عينة أثبتت وجود زيادة مضطردة في معدل الاصابة بالسرطان، حيث مثلت الاصابة بسرطان الثدي 12.4% ثم سرطان الفم 9.4%. فهكذا يتضح لنا جلياً مخاطر التدخين صحياً، وأضراره مادياً، على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.
أما أسلوب الترهيب الذي استخدمته وزارة الصحة بولاية الخرطوم، يتمثل في اشراك المواطن في مواجهة شركات التبغ المخالفة للقانون، اذ أن الوزارة لا تتحمل وحدها جهد مكافحة التدخين، بل أحدثت شراكة فاعلة مع المواطنين الذين تُنافح من أجل صحتهم، وذلك بأن يسارعوا الى الجهات المختصة للابلاغ الفوري ضد أية شركة لا تلتزم بكتابة المحاذير ووضع الصور التحذيرية على منتجات التبغ كافة.
أخلص الى أنه من الضروري، المساهمة المجتمعية في مراقبة انفاذ قانون مكافحة التبغ لولاية الخرطوم لسنة 2012 عبر مراحله المختلفة، وعلى شركات التبغ توفيق أوضاعها، وفقاً للمواقيت الزمانية المتفق عليها مع وزارة الصحة بولاية الخرطوم.