وسط كسلا بين التكسير والتعمير
بحصافة
استضافتني قناة الخرطوم الفضائية عبر برنامجها اليومي "الصالة"، التي يقدمها الأخ الصديق خالد ساتي أول من أمس (الخميس)، لكي استعرض معهم أهم القضايا، وبعض المؤشرات المهمة التي صدرت في صحافة الخرطوم يوم الخميس الماضي، واستشراف بعض الأحداث التي من المزمع أن تغطيها الوسائط الصحافية لعدد أمس (الجمعة). وبالفعل كانت حلقة ملأى بالأحداث والقضايا، تطرقنا خلالها إلى المشهد السياسي الآني، وتوقفنا بكثيرِ تأملٍ على نتائج امتحانات مدارس الأساس في ولاية الخرطوم، تقويماً وتحليلاً، مع مقاربات تتعلق بنسب إحصائية شهدتها نتائج هذا العام في هذه الولاية الممتدة جغرافياً، وكثيفة السكان بشرياً.
أحسبُ أنّ المداخلة التي تقدم بها أحد مواطني كسلا، منتقداً الأخ الصديق عبد المعز حسن، وزير التخطيط العمراني في ولاية كسلا بدءاً، وحكومة الولاية انتهاءً، بحُجية أن الولاية قامت بتكسير وسط المدينة في غير رأفةٍ أو تخطيطٍ، وأن الوزير، استسهل بيع أراضي كسلا، مما جعلها أغلى سعراً من أراضي الخرطوم ولندن. وأظنُ – وليس كلُّ الظنِّ إثماً- أن الأخ المتداخل من مدينة كسلا لا يعرف الكثير عن ارتفاع الأسعار الجنونية في أراضي الخرطوم، ولا يعلم علم اليقين أن أراضي لندن زادت أسعارُها في الربع الأول من العام الحالي 33.7%، مما كانت عليه في الوقت ذاته من العام الماضي. أما أراضي الخرطوم، فحدث ولا حرج، فقد بلغت الزيادة في أسعارها أكثر من 30% كل ثلاثة أشهر، مما جعل أسعارها فلكية الأصفار، وصعبة التعداد. وقد رددتُ عليه في تلكم الحلقة التلفازية بشيءٍ من التوضيح والتعليل، ولكن لما كان زمن الحلقة محدوداً، والقضايا المطروحة فيها شتى، رأيتُ أن أطرح في هذه العجالة بعض الإيضاحات والتعليلات، عسى ولعلّ تستبين الرؤية، وتتضح الرُّؤى لمثل هذا المواطن الكسلي، لأن تناول مثل هذه القضايا بالتجزئة أو الابتسار فيه كثيرُ تضليل، ناهيك عن التغليط، وإيراد جزئية في غير سياقها العام، لتحدث ربكة وارتباكاً في الفهم والمفاهيم، كاستشهاد أحدهم بقول الله تعالى: "لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ"، دون الإتيان بتتمة الآية الكريمة: "وَأَنْتُمْ سُكَارَى"، قاصراً عن معنى فهم التدرج القرآني، ليبلغ منتهاها في قول الها تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
أريد أن أبسط القول في أن التكسير وسط كسلا ليس هو هدفُ الأخ الصديق محمد يوسف آدم، والي ولاية كسلا، ولا غاية حكومته، ولكن كان التكسير وسيلةً من الوسائل الناجعة في إحداث التعمير، وتحقيق التغيير في وسط هذه المدينة الفتية، التي عُرفت بالخُضرة والماء والوجه الحسن.
أحسبُ أنه غاب عن الأخ المواطن الكسلي (نسبة إلى كسلا، لأن كسلا ينسب إليها المرء بكسلي وليس كسلاوي، والمعنى واضح كما يقول أستاذي العلامة الراحل البروفسور عبد الله الطيب - تتنزل عليه شآبيب رحمات الله ومغفراته-)، وقد غاب عنه الهدف الواضح للتعمير، والاستهداف البيِّن للتغيير، في مداخلته التلفازية تلكم.
وفي رأيي الخاص، أن التكسير الذي حدث في وسط مدينة كسلا أحدث تغييراً ملحوظاً، مبنىً ومعنىً، في هذه المنطقة من المدينة. فقد أصبحت المدينة بسياسات التعمير الجديدة تتنفس هواءً نقياً في تلك الميادين الفيحاء، والخضرة التي تسر أعين الناظرين، وفي الشوارع المرصوفة التي تغري المُشاةَ قبل سائقي السيارات على ارتياده. وأحسبُ أنه قد غاب عن الأخ الكسلي أن هذه السياسيات لم تكن سياسية الأخ محمد يوسف آدم الشخصية، بل كانت سياسات مؤسسية انتظم في تأييدها الجهاز التنفيذي مع الجهاز التشريعي، وقد تسنى لي شخصياً التأكد من هذا الأمر، عندما أُتيحت لي جلسة مع الأخ الرئيس عمر البشير، والأخ محمد يوسف آدم والي الولاية، والأخ أحمد حامد رئيس المجلس التشريعي في ولاية كسلا، ورهط من المسؤولين، سواء من ولاية كسلا أو المركز، بمنزل الوالي، حيث تحدث الأخ رئيس المجلس التشريعي بولاية كسلا في زهوٍّ وافتخارٍ إلى الأخ الرئيس عمر البشير، لتأكيد دعم الجهاز التشريعي، ومن خلفه الكثير من مواطني كسلا لسياسات تعمير وسط المدينة، وتغيير معالمها، لتواكب أحدث المعالم الحضارية من مبانٍ وحدائقٍ وممرات وطرق.. الخ.
أخلصُ إلى أن من الضروري أن يدرك الأخ الكسلي أن هذه السياسة وجدت دعماً وتشجيعاً من الأخ الرئيس عمر البشير في مبتدئها، وتأكد هذا الدعم الرئاسي مؤخراً، عندما شرف الأخ الرئيس عمر البشير احتفالات ولاية كسلا بمهرجان عُرس الشهيد الثاني والعشرين يومي الأربعاء والخميس 23 -24 أبريل الماضي، حيث تحدث الأخ الرئيس في اللقاء الجماهيري في ميدان الجمهورية بكسلا، عن دعمه وتأييده لعمليات التعمير والتغيير التي يقودها الأخ الصديق محمد يوسف آدم والي ولاية كسلا في وسط المدينة، وزاد في تأكيد هذا الدعم الرئاسي في اللقاء الخاص الذي انتظم صباح الخميس 24 أبريل الماضي في منزل الأخ الوالي، حيث جدد الرئيس دعمه وتأييده لعمليات تاتعمير، وإحداث التغيير في مدينة كسلا. ومن هنا ينبغي أن نتفهم هذه السياسات، بأنها لم تعد سياسة خاصة بالوالي، بل هي سياسة لحكومة ولاية مدعومة من جُلِّ جماهير كسلا، اشرئباباً لغدٍ أفضل، ومستقبلٍ مشرقٍ، لتكون كسلا بحق وحقيقة جنة الإشراق.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
وقول الشاعر السوداني الراحل توفيق صالح جبريل:
كسلا أشرقت بها شمس وجدي فهي في الحق جنة الإشراق
كان صبحاً طلق المحيا نديا إذ حللنا حديقة العشاق
نغم الساقيات حرّك أشجاني وهاج الهوى حنين السّواقي