وطن الكذا وثلاثين مليون سياسي!!
د. ابوبكر يوسف
23 March, 2014
23 March, 2014
لقد حبا الله هذا الوطن العزيز بميزة لم يتميز بها شعب غيرنا، وعلينا أن نسجد سجدة شكرٍ لله على ما منّ به علينا وفضلنا بها على شعوب العالمين، فالسوداني منذ لحظة الصرخة الأولى لميلاده يولد سياسياً - شدّ الله من أزره - اللهم إلا القلة القليلة ولدوا كورنجية وفي أفواههم صفارة الحكام ، وبالطبع أينما يوجد ساسة يكثر الحديث عن الديمقراطية ، مخطيء من يعتقد أن السودان دولة لا ديمقراطية فيها، بل إن الديمقراطية تكاد تخلق عندنا، ونحن هنا في السودان نلقن دروسا للامة العربية في أسس الدمقرطة وطريقة الحياة السودانية الفريدة !!
فالكل و لله الحمد يزايد وينتقد ويكايد الكل - في إطار ديقراطي طبعا- ، فبراعم ساستنا المولودون لتوهم يتحدثون بإسم الكل ، فنيابة عن الغني يسب الفقير ونيابة عن الجاهل يلعن جد المتعلم الأول!.. تضميناً أو تصريحاً ، على صفحات الجرائد والمحطات الفضائية وحتى في غرف الشات .. بل إن السوداني –أعزه الله - يتعلم ألف باء السياسة قبل أن يتعلم نطق الحروف، ولذلك يبدأ بتعلم المكايدة والمزايدة والحديث عن التهميش منذ نعومة أظفاره، فيبدأ بانتقاد أبويه ماداما يمثلان مظهرا من مظاهر السلطة، ويتمرد عليهما إن إقتضى الأمر، ويسخر معلميه وأساتذته فيما بعد، وبعد أن يكبر قليلا ويتشبع أكثر من مفاهيم الديمقراطية التي تملء مبادئها قنوات الاخبار وعناوين الجرائد وموجات الردايو يتعلم أن السخرية من الإدارات والحكومة وربما في هذه معه حق إن لم يكن كل الحق!!
واليوم بالذات أفقت مذعورا حين تملكتني حاجة ماسة إلى شتم أحدهم -بشكل ديمقراطي طبعا- !! خاصة أني قضيت الليلة السابقة بأكملها أتشبع أنا الآخر من خيرات الديمقراطية! وكالعادة خرجت من بيتي مباشرة نحو أول مقر ست شاي - كمقر ديمقراطي- صادفته في طريقي، وكالعادة أيضا طلبت قهوة الصباح حتى تحلى القعدة - وفتحت صحيفتي التي أتلهف كل صباح لقراءة أخبارها المطمئنة بأن الاحوال والحمد لله عال العال .. وهي بالتأكيد عكس ذلك!!
ولا يمكن أن يبلغ بي سوء الطالع قدرا أسوء من هذا، لأنك حين تخسر كل شيء لا يبقى لك شيء لتخسره، والحمد لله أننا لم يبق لنا شيء يستحق البكاء عليه، حتى أنني فكرت ودبرت أن أحذو حذو قادة أحزابنا السياسية المعارضة التي حينما لا يكون الأمر على هواها ومشتهاها ، تهدم المعبد على من فيه عملاً بالمقولة " يا فيها واللا أخفيها: ، ومادمنا لم نستفد من خيرات بلادنا بطريقة أو أخرى فمن الأفضل أن لا يستفيد منها أحد – وهذه قاعدة من قواعد الديمقراطية!!
وعندما فتحت الجريدة على عجل لأعرف ماهي أبرز مزايدة أو مكايدة -ديقراطية- لليوم! ولكن أسقط في يدي والغريب في الأمر وعلى خلاف الأيام الماضية، كان الجميع سعداء وكأن البلاد بأكملها بخير! والصحف اليوم كانت هي الأخرى راضية مرضية، كل الاخبار تتحدث عن العلم والعلماء والأبحاث والتجارب والتقدم العلمي والصناعي الذي يشهده الوطن، وعن الخيرات التي تملء أراضينا، والقدر الوافر الذي منه الله علينا من الامطار، ومحصول الحبوب والخضر الذي يتوقعون أن يدخل بقوة للمنافسة على الأسواق العالمية نتيجة النهضة الزراعية التي أرسى دعائمها المتعافي بجلب أروع المخصبات و المحسن المُحصّن من التقاوي، فصار حجم حبة البطاطاس أكبر من البطيخة، فتم تسجيل هذا الانجاز بإسمهودخل موسوعة غينيس!! .. فلا أحد يتحدث عن أخبار الزيت الذي أصبح أثمن من ماء زمزم! ولا احد يتحدث عن حجم الخبز ولا عن الخبازين، بل وإختفى الحديث عن ندرة الغاز ، ولا حتى عن الحلاقين الذين استوردناهم بعد أن هجر السودانيين هذه المهنة فأصبح القادمون يتقاتلون على رأس هذ المواطن أيها يحلقه أولا!!
قال لي أحدهم ليس كلنا يولد سياسياً ، بل منا من هم كورنجية ، ويوم حل موعد نهائيات كأس أفريقيا وسألته عن الفريق الذي يتمنى أن يصل إلى النهائي: إن لم نحصل نحن على الكأس فمن الأفضل أن لا يحصل عليها أحد!!.. بس خلاص، سلامتكم،،،،،،
zorayyab@gmail.com
نقلاً عن جريدة الصحافة