وعادل .. هل يرمي بدرر؟ (2-2)

 


 

 

 

كتب الأستاذ عادل الباز في عموده اليومي ثلاثية في الأيام 18،19 و20 أبريل الجاري بعنوان: رباح ترمي بشرر، وقد ابتدرنا الجزء الأول من مقالنا هذا بالاعتذار عن أي شرر أصاب أستاذنا وقلنا إننا لن ننجر للدفاع عن نفسنا من الشرر البازي المضاد، إذ ابتلعنا ما جاء  منه في حلقته الثالثة من أوصاف مسيئة، بنعوت ماجدة أثبتها الأستاذ عادل نفسه تمحوها بأثر رجعي وردت في مطلع ثلاثيته، وتحدثنا عن ثلاث نقاط ونواصل اليوم بثلاث نقاط أخرى:

الرابعة: صحيح كانت الأمانة تقتضي ذكر أن الأحداث أولت الانتخابات اهتماما لم يوجد وسط رصيفاتها، وأن وفد حزب الأمة الذي زار عادلا (والمكون من الأستاذة سارة نقد الله وشخصي) وجده مهموما بالأمر وقد عقدت مؤسسته عدة دورات تدريبية، وكانت الصحيفة قد أفردت صفحة للانتخابات من الأرشيف كانت ممتعة ومفيدة في آن ومنعشة لذاكرة الانتخابات الحقيقية وهذا جميعا محط إشادة. وقد فعلنا ذلك في مسودة مقالنا ذاكرين زيارتنا له ثم طالته يد الاختصار بعد أن وجدنا المقال طويلا وتذكرنا تحذير الأستاذ عادل نفسه منبها للمقالات الطويلة، فحذفنا التفاصيل وأثبتنا النوم لصحف لم نقل إن الأحداث منها. وزبدة الأمر أننا لم نكن نريد رمي الأحداث بقدر ما أردنا إثبات جديتنا في أمر الانتخابات! ولكن الأستاذ عادل حينما ينفي عن نفسه يرمي الآخرين ولذلك ربما توجس مما قلنا (أنظر حديثه عن أنه لم يؤد القسم للاتحاد الاشتراكي أو المؤتمر الوطني ليوصف بالشمولية، في إشارة لأن السيد الصادق المهدي أدى القسم أمام الاتحاد الاشتراكي، وقد فعلها في حزمة شروط للتحول الديمقراطي ثم تحلل من القسم وكفّر عنه واستقال بعد شهرين لما تأكد أن الوعود لن تتحقق) لكل امرئ من دهره ما تعودا، وقد تعودنا المباشرة فيما نقصد بشكل ربما هو الذي ساق ويسوق لنا كل مرة تهم الشرر، ووصف قلمنا بالحربة، وغيرها من نعوت، في بلاد تسود فيها عادات التوسل للمقاصد بالإشارة!

الخامسة: متأسفون لو ظهر بمقالنا خلط بين موقف الباز وبين المفوضية. ومقالنا (قاطعوها فإنها منتنة) المنشور بيوم الاقتراع، أصلا كان لانتقاد مواقف المفوضية المخزية من خلال تتبع مقالاتنا الثلاثة الأخيرة قبل الاقتراع، وجاء ذكر الأستاذ عادل لأننا رأينا أنه عقب على إحداها (بثلاثة فقط خضها يا حزب الأمة) وهو يتحدث عن حزب الأمة، وكذلك لأنه في مقال أسبق نشره بمارس الماضي وقف معضدا موقف المفوضية في الاستخفاف بمطالب الأحزاب. والحقيقة أن الأستاذ عادل وإن لم نرض عن (استنكاره) المغلظ للضحية وصمته عن (الجلاد)، إلا أنه حاشاه الاندغام في المفوضية التي بلغت نهايات الدرك الأسفل من السوء! إنما كنا نرى الأحرى بالانتقاد المفوضية التي جعلت عدم الاستماع للأحزاب من جهة والبصم على تأشيرات المؤتمر الوطني من جهة أخرى عرفها السائد، فتسببت بهذه الكارثة الوطنية التي أجهضت حلمنا بانتخابات (معقولة) وكانت النتيجة هذا العبث الذي لا يوصف!

ولعل الأستاذ عادل الباز يجد في مثل هذا الاعتذار ما يدفع عني تهمه التي أرسلها من أنني وددت من وصفي لكتابته بالمؤتمروطنجية إصابة ثلاثة أهداف أولها التشكيك فيه وثانيها شتمه وثالثها أن ألبسه كل الاتهامات التي أدمغ بها المؤتمر الوطني بكل يسر!! وقال عادل كذلك إنني هدفت لشيطنة المؤتمر الوطني والتخويف من الاقتراب منه! والحقيقة إنني تعجبت من هذه الحلقة الثالثة التي وردت فيها هذه القراءات أيما تعجب، وكنت حضّرت ردي منذ الحلقة الثانية وأكدت أن نيراني لأستاذ عادل ونيرانه كذلك يمكن اعتبارها (صديقة) حتى وقفت على هذه القراءة!.. دعك عن التناقض بين هذه القراءات ذاتها فإما أنني أخوف عادلا من الاقتراب للمؤتمر الوطني أو أنني بالفعل دمغته وشتمته وألبسته كل اتهامات المؤتمر الوطني بيسر يجعله يسير نحو المؤتمر الوطني سير القائل: الممطورة ما بتبالي من الرش! الشاهد، إن كل التاريخ البازي بالنسبة لنا سواء على صعيد شخصي أو عام لا يمكن أن يقود لأي من مثل هذه الخصومة والتربص! فلا أحد (سياسي) يمكن أن يسعى لخصومة شخص كعادل الباز وقف دائما مع المهنية وبعيدا عن التصنيف حتى وإن كان في بداية أمره (مع الجماعة)، وهو بعد رئيس تحرير صحيفة محترمة بحق (وإن قيل إن عداوة الشعراء بئس المقتنى، فكذا الصحفيين) ناهيك عن أن السيد الباز رئيس تحرير الصحيفة التي أكتب بها، بل هو نافذتي إليها! صحيح وصفت قراءته بالمؤتمروطنجية، ولا أزال أرى أنه في مسألة الانتخابات هذه يقف معضدا لرؤية المؤتمر الؤطني، والمؤتمر الوطني حزب يحترمه الأستاذ عادل كبقية الأحزاب كما قال وليس ببعيد عنه أن يقف معضدا لرؤيته في أحد المواقف، وها هو يفعلها الآن ويرى أن الموقف الصحيح كان خوض الانتخابات بدون اشتراطات ونحن نراها مجرد طبخة منتنة للمؤتمر الوطني! ومع انتقادي المستمر والمتكرر للمؤتمر الوطني فقد ظللت أستسخف فكرة شيطنة المؤتمر الوطني مطلقا وعدم التعامل معه، ولي مقالات عديدة يمكن الرجوع إليها بهذا المعنى ليس آخرها: (نجلس إلى المؤتمر الوطني بدون لحمة ريدة، بلحمة وطن!) أقول: ألا يحق لي وصف التباين البالغ بين القرائتين المذكورتين، وقد انقسم المجتمع السوداني كله لفسطاطين إزاء الانتخابات بينهما برزخ لا يبغيان، ألا يحق لي وصف موقفه بأنه يعبر عن قراءة مؤتمروطنجية سافرة، إلا إذا كنت أريد التشكيك فيه وشتمه (عديل) ثم إلباسه كل تهم المؤتمر الوطني؟ ولماذا عساي أفعل ذاك يا ربي؟ حتى الحزبية (الضيقة) التي رماني بها الأستاذ عادل لن تشكل سببا كافيا لمثل هذا القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لشخص مثل الأستاذ عادل الباز لم أجد منه إلا كل خير، فهل أقول مثلا إنه بالأحداث –والأستاذ وائل محجوب والأستاذ محمد لطيف بالأيام والأخبار- نشروا لحزبنا دعاية ترويجية للتسجيل بدون مقابل؟

السادسة: وهي أهم نقطة برأينا، بل هي التي دعتنا بالأصل لصد نيران كنا حتى الحلقة الثانية من ثلاثية عادل نعدها صديقة، وهو حديث الأستاذ عادل معترفا بأنه لن يفرق بين ما أكتب ومنشورات الحزب. وأصل القصة أن الأستاذ عادل كان قال وهو يستنكر شروط حزب الأمة الثمانية (هل يمكن خلال أربعة أسابيع حل المفوضية واستبدالها وتأجيل الانتخابات وإعادة طبع بطاقات الاقتراع بملايين الدولارات وخارج السودان؟) وقد أثبتنا أنه أدخل حل المفوضية هذا من عنده، ثم أدخل إعادة طبع البطاقات من عندنا لا من عند حزب الأمة الذي لم يقل بذلك أصلا، ثم عقبنا بأن عادلا كان يضع عينه على مقالنا ويتحدث عن حزب الأمة!

 قال عادل مؤكدا صحة تحليلنا ومصرا على موقفه: (تطالبنا رباح أن ننظر لمواقفها بشكل مستقل فنفرق بين ما تكتب وبين منشورات الحزب ومواقفه، يا سلام) وطفق عادل يذكر كيف أتصدى للحزب ومواقفه (بشكل أصبح من العسير الفصل بين كتاباتها وبيانات الحزب ومنشوراته الصحفية).

إذن، هذا اعتراف صريح بأن الأستاذ عادل الباز، رئيس تحرير صحيفة الأحداث، وصاحب عمود "في ما أرى" كان في مقاله (المهزلة الضحك والنسيان) ينتقد حزب الأمة القومي ورئيسه بناء على ما قرأه في مقالي (بثلاثة فقط خضها يا حزب الأمة). يا للأسف! إنني أستاذي عادل الباز أرفض بشدة ليس عدم اعتباري مستقلة فأنا أعلن انتمائي الحزبي في كل زمان ومكان، وهذا ليس بابا للمغالطة أو المراجعة. ولكني أرفض تماما أن يحمل أي شخص فرد، كما أرفض أن تحمل أي مؤسسة أنتمي إليها (حزب أو كيان ديني أو مؤسسة مدنية أو حتى هذه الأحداث) جريرة ما أكتب! فأنا أكتب من رأسي لا من رأس الصادق ولا رأس حزب الأمة ولا هيئة شئون الأنصار ولا عادل! وأعتقد أن أقل إنصاف أطالبه ألا يقتبس أحدهم/ إحداهن كلامي ثم يحمّلها لكائن من كان! لقد كتبت مقالي (بثلاثة فقط خضها يا حزب الأمة) وأنا أخاطب المكتب السياسي لحزب الأمة الذي كان على أهبة أن يناقش الأمر، وقد صرح بعض قادته بأن الشروط الثمانية حزمة واحدة يجب الاستجابة لها جميعها، وحاولت في المقال أن أرافع لتخفيف هذه الشروط من جهة وللتأكيد على تفاصيل لم يبحثها حزب الأمة ولم ترو عنه خاصة فيما يتعلق بضوابط الاقتراع وبطاقاته من جهة أخرى، فالحزب لم يكتب في أي من منشوراته ولا ناقش في اجتماعات مكتبه السياسي السابقة مسألة إعادة طباعة بطاقات الاقتراع ومثل هذه التفاصيل التي كنت أرى أنها ضرورية وضرورية جدا، إنها من بنات أفكاري (أنا) فكيف يؤاخذ الأستاذ عادل بها حزب الأمة، ولما أطلبه بألا تنسب هذه النقطة لحزب الأمة وأنا أجزم بأن (فضلها) يعود لي وكذلك (ذمها) ولم يخض الحزب فيها، كيف يصر عادل هذا الإصرار العجيب على هذا التماهي بيني كفرد ما أنزل الله به من سلطان، وبين مؤسسة لها أسماؤها ذات السلطان؟!

لا يذكرني موقفه الحالي إلا موقف كاتب مرموق (رميته بشرر) فشكاني للإمام الصادق المهدي بخطاب مروّس تابع للمنظمة التي يديرها!! وحمّل كلماتي فوق ما تحتمل وقال إن مقالي هد سمعة بناها في عشرات السنين: مقالي أنا رباح الصادق، كاتبة صحفية عادية في إحدى الصحف العادية، وأنا أجرب الكتابة وأتعلم منها مثلما أشرك الآخرين معي في الأفكار! هل أستطيع أن أكون بهذا الحول؟ هل يمكن أن أكتب أنا، مجرد رباح، (على وزن مأمون التلب ساي!) فيظن قارئ، بل يصر رئيس تحرير قائلا: قال حزب الأمة، بجلالة قدره؟!! ..يا سلام؟!!!

هذا كثير ومثير وخطر، ومرفوض، ويستحق شرر كالقصر، أستاذي عادل، فتراجع عن تحميل حزب الأمة أو أية جهة أخرى وزر كتاباتي وهذا ليس رجاء، إنه شرط لأن تقرأني –وقد تكاثرت الشروط هذه الأيام- فإن كنت لا تستطيع أن تقرأ ما أقول إلا ككلام من حزب الأمة (وليس ككتابة لإحدى كاتبات حزب الأمة الحرات فيما يكتبن) فلا تقرأني أبدا، وحول مهامك التحريرية لمن يقرأني أنا وليس حزب الأمة.. وهذا الشرط مسحوب على كل القراء الكرام والقارئات الكريمات! أصلا يقيد قلمي كوني امرأة، ويقيده اسم العائلة الذي مهما حذفته يعشعش في ذهن كثيرين (والاسم مرفعين سيدو).. ولست مستعدة لقيد جديد أنني أكتب فيؤاخذ حزب بأكمله!

وفي نهاية هذا التداخل أعتقد أنني حتى لو كنت رميت بشرر فإن عادلا قام بنفس الشيء وصرنا (درون)، وبما أن البادئ أظلم فقد محوت ذلك الظلم باعتذاري.. اللهم إلا إذا كان شرر الأستاذ عادل في نظره رمي بدرر وليس رمي بشرر! وهنا سنحتاج لتأكيد أننا لا نفكر بذات طريقة الأستاذ عادل الباز فقط نناور أو نعبث، بل إننا بالفعل نعتبر ما رمى به هو شرر كالقصر، كأنه جمالات صفر!

وليبق ما بيننا

 

 

 

 

نشرت بصحيفة الأحداث في يوم الاثنين 26 أبريل 2010م

Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]

 

آراء