وعد مصطفى عثمان حول حلايب .. وعد من لا يملك لمن لا يستحق

 


 

سارة عيسى
5 November, 2009

 

 

       في مقالات سابقة تطرقت لوصول الدكتور مصطفى عثمان إلى هذه المنزلة العظيمة  في حكومة الإنقاذ ، فالرجل بدأ حياته المهنية مغموراً ، كان همه الأوحد الأكاديميات والتحصيل العلمي ، وهو يختلف عن بقية رموز الإنقاذ بأنه لا يستند على سند جهوي قوي كحال كل من د.نافع أو علي عثمان ، كما أنه بعيد أشد البعد عن الأجهزة الأمنية بمكوناتها المختلفة ، وعندما نشبت حرب الجنوب وأكلت بكلكلها كل من عبيد ختم ، أحمد علي الريس ، د.محمود شريف ، كان الدكتور مصطفى عثمان بعيدً عن هذه المقصلة التي قضت على أخيار الحركة الإسلامية ، لم يرتدي زي الدفاع الشعبي ،و لم ينضم للمتحركات العسكرية ، فالجيش كان في حاجة لأطباء يضمدون الجروح  الناتجة عن الرصاص أكثر من متخصصين في طب الأسنان ، عاد الدكتور مصطفى عثمان من لندن  وهو يتأبط جواز سفر بريطاني ، ومعه شهادة التصويت القديمة لتنظيم الإتجاه الإسلامي في جامعة الخرطوم  ، كان الدكتور حسن الترابي  يعقد الجلسات الإيمانية في منزله من أجل بناء دولة المشروع الحضاري للأمة ، كان  الدكتور مصطفى عثمان من أكثر الحضور إنتظاماً ولم ينقطع عن مجلس الشيخ ليلة واحدة  ، أنها  قصة نبي الله شعيب مع موسى عليه السلام ، بعد عشر حجج تم تعيين الدكتور مصطفى عثمان كأمين عام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية ، هذا الكيان تم تأسيسه على أنقاض وزارة الخارجية السودانية ، وكان الغرض من تأسيسه التواصل مع الشعوب وليس مع الحكومات ، ومفردة الشعوب كانت تعني الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي ، آل الحكيم في العراق ، عبد الرسول سياف من أفغانستان ، عمر عبد الرحمن  من مصر ، كان الترابي يسعى لتأسيس مملكة إسلامية على نسق العثمانيين ،و أن الدكتور مصطفى عثمان كان رقماً مجهولاً في الحركة الإسلامية قامت وسائل الإعلام الحكومية بالترويج له في الصحف والراديو والتلفزيون ، في شهر رمضان كانت الإذاعة السودانية قد عرضت جائزة قدرها خمسون ألف جنيه لمن يتعرف على إسم مجلس الصداقة الشعبية العالمية ، كل مستمع أعطى الإجابة الصحيحة تمكن من إستلام الجائزة من غير شروط بيروقراطية ، لم تكن هناك قرعة على السحب ، ولم يكن هناك غشاً أو تزوير ، فقد يدرك المتأني بعض حاجته ، وجد الدكتور مصطفى عثمان نفسه في دنيا جديدة ، من حيطان عيادات الأسنان إلى فضاء لا يحده حدود ، مضى الدكتور مصطفى عثمان في بناء عرشه الشخصي ، كما مضت وسائل الإعلام الحكومية في التطبيل له حتى وصفته بأنه أفضل وزير خارجية مر على السودان ، وأعتبره البعض بأنه هنري كيسنجر السوداني الذي تمكن من إعادة علاقات السودان مع الدول العربية ، هذا الزخم الإعلامي دفع سعادة السفير للكتابة في الصحف العربية ، فأصبح  يحلل ويقارن ويتنبأ بالأحداث ، ومثلما فعل شيخه الدكتور حاول الدكتور مصطفى عثمان تسلق أسوار الفضاء العربي ، حاول أن يتوسط بين العراقيين ، ثم زاود في الأزمة بين سوريا ولبنان ،لكنه خرج من كل ذلك بلا نتيجة ، فوسائل الإعلام اللبنانية كانت تسميه " الوسيط السوداني " من دون ذكر إسمه ، وأحيانه يتهمه بعض فرقاء أزمة لبنان بأنه منحاز لتيار حزب الله ،  ويزعم الدكتور مصطفى عثمان أنه تربطه علاقات شخصية مع كل من أمين الجامعة العربية عمرو موسى ووزير الخارجية المصري  أحمد أبو الغيط ، ولا أعلم كيف نشأت هذه العلاقة الشخصية ؟؟ ..هل في مقاعد الدراسة أيام الجامعة  ؟؟ أم في أثناء أداء الخدمة العسكرية  في أيام حرب إكتوبر ، " فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً " بهذا الرد خاطب الرسول (ص) رجلاً أستفاد من منصبه وقبل الرشوة على أساس أنها هدية  ، لكن الدكتور مصطفى عثمان لم يهدي المصريين شاة تيعر أو بقرة لها خوار ، أنه أهداهم إقليم في حجم القطر اللبناني ، وهو يسرق دعاية الراحل قرنق التي كان يسوقها أمام المصريين : وحدة من نمولي ألى الأسكندرية ، فالدكتور مصطفى عثمان يؤمن بالوحدة مع المصريين ولكنه لا يؤمن بالوحدة مع جنوب السودان ، و ما فعلته مصر في حلايب ليس وحدة طوعية بين شعبين أرادا كسر الحواجز التي صنعها التاريخ  ، بل هو أمر فرضته مصر بقوة السلاح ، قتلت أفراد الشرطة السودانية في حلايب  وطردتهم من المنطقة ، والإنقاذ وقتها لم ترد على الهجوم المصري  لأنها كانت منغمسة في حرب الجنوب ، يقول الدكتور مصطفى عثمان ، وهذه إحدى نظرياته الجديدة ، أن السودان سوف يواجه قضايا الخلاف الحدودي مع دول الجوار عبر تحويل المناطق المتنازع عليها إلى مشاريع تكامل ، هذا مشروع طيب ، فالحرب هي سلاح الأغبياء ، ولكن طالما أن الدكتور مصطفى عثمان بهذا الكرم الحاتمي ...لماذا لا يتم تجيير هذه النظرية لأهل الداخل ، فحزب المؤتمر الوطني ينازع الحركة الشعبية حول بضع كيلومترات داخل منطقة أبيي ،فلماذا لا  تكون منطقة أبيي هي مشروع تكامل بين كل أبناء السودان؟؟ بل حتى الجنوب يجب أن لا يفلت من ايدينا ، نستطيع أن نجذبه للوحدة عن طريق التكامل الأخوي وليس عن طريق فرض الوحدة عليه بقوة السلاح ، إذاً أن عطايا الدكتور مصطفى عثمان مقتصرة فقط على المصريين دون سواهم من أبناء السودان ،فالرجل يركب طائرة سودانية ، ومن مال سوداني ، تطأ قدماه مطار مصري فيقول : أنا لم أتي  هنا لتناول قضية حلايب !!! ، بالفعل صدق المرحوم الطيب صالح عندما قال : من أين أتى هؤلاء الناس  ؟؟ ومن الأساس أن ً مصر حسمت قضية حلايب بقوة السلاح  وأعتبرت أن مجرد النقاش حول ملكيتها  خط أحمر لا يمكن تجاوزه  ، ولو تعثر لسان الدكتور المستشار وقال أنه أتى من أجل التفاوض حول حلايب لطردته مصر من أرضيها شر طردة ولحظرته من الدخول إليها إلى الأبد ، لكن لماذا تفعل مصر ذلك  ونظام الإنقاذ يخضع لها بالكامل ؟؟ تفعل ذلك لأنها تعلم أن نظام الإنقاذ في اضعف حالاته الآن  ، كما أنها توفر ملاذاً للرئيس البشير كلما أراد السفر  وتغيير المناخ ، فمعظم زيارات الرئيس البشير التي تتحدى بها أوكامبو كانت لمصر ، ليس هناك شي ء ببلاش كما يقول المصريون ، فالمصريون يعرفون أن بقاء الرئيس البشير في السلطة وهو ملاحق دولياً يعني أن السودان سوف يكون ضعيف في المحافل الدولية ولا يستطيع إسترجاع حلايب عن طريق الأمم المتحدة ، ولاحظوا أيها القراء أن مصر لم تسلبنا حلايب في أيام حكومة الصادق المهدي على الرغم من إدعاء الجبهة الإسلامية أن حكومة الصادق المهدي كانت ضعيفة ، فقوة الدولة لا تنبع فقط من جيوشها ، بل من الشعب الذي أختارها ، ومن إيمان دول العالم بشرعية حقها في الدفاع عن حدودها .

سارة عيسي

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء