وفجأة نذرف دمعتين.. لأننا ندفن من نحب مرتين .. بقلم: د . احمد خير/ واشنطن

 


 

د. أحمد خير
19 August, 2010

 



رحل عن دنيانا الفانية فارس الدبلوماسية والكلمة الدكتور/ غازى القصيبى . ذلك الرجل الذى دخل عالم السياسة فى صمت إلى أن أصبح وزيرا فى السعودية فى فترة تولى الملك فهد " رحمه الله " وفى تلك الفنرة سخر قلمه ليصبح صوتا لمن لاصوت لهم . تناول عدة قضايا ماكان أحد غيره يجرؤ للإقتراب منها فى ذلك الوقت. منها قضية العاملين الأجانب فى المملكة العربية السعودية وفضل أولئك على تعليم وتدريب السعوديين . الشئ الذى فى إعتقاده يتوجب إحترامهم وتبجيل ماقاموا ويقومون به . ذلك المقال الذى كتبه فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى جلب له الكثير من المتاعب ولكنه إستثمر تلك المتاعب لصالحه فأصبح رائداً إجتماعيا بحق  تمكن من تحريك المياه الراكدة وبدأت حركة التغيير فى المجتمع السعودى . ذلك التغيير لم يتوقف عند الحق الإنسانى للأجنبى بل تعداه إلى حقوق أخرى تمثلت فى قضايا الشباب والمرأة وحقوق المستضعفين .
كتب الشعر ومن خلاله إستمر فى نسج خيوط التغيير الإجتماعى . كلماته لم تعمل على كشف المستور فى المجتمع السعودى فحسب ، بل تعدت الحدود إلى بقية الدول العربية .
ما أصعب أن تكون البادئ فى أى عمل . لأن البداية دائما ماتكون صعبة ، ولكن ذلك لم يوقف التيار الذى غرسه الدكتور غازى القصيبى  وما أجمل أن تلتقى قلوب الشيب مع الشباب . والدليل على ذلك أن كاتبة سعودية شرعت فى نشر رواية لها ولكنها كانت  متردده بسبب مافيها من كشف للمستور فى المجتمع السعودى فتقدم القصيبى " أبو الفوارس " وكتب لها المقدمة برغم ما فى تلك الرواية من مايعد من المسكوت عنه . وهو القائل:
مضغ القفل لسانى
وأنا أحلم باليوم الذى أنطق فيه
دون أن أخشى رقيباً
دون أن يرجمنى ألف سفيه
ما الذى يفعله الشاعر فى وجه البنادق
وهو لايملك إلا قلمه
وهو لايحمل إلا ألمه !

 الراحل لم يكن من أولئك الذين يصمتون  من أجل الإبتعاد عن مايعتبره البعض مناطق خطرة أوعن المخاطر . نجح الراحل فى كل الأدوار التى أوكلت إليه . وضع بصماته عندما كان وزيرا للصحة ويشهد الحميع بالطفرة التى شهدتها المرافق الصحية فى المملكة فى فترة توليه الوزارة . وكذلك عندما تولى حقيبة الكهرباء . هذا قليل من كثير.
عن الموت والفراق كتب الدكتور القصيبى قصيدة بعنوان رقم الهاتف قال فيها:

وعندما يرحل عنا واحد من صحبنا
 يموت بعض قلبنا
ثم نعود بعد أن يجف دمعنا لدربنـــا
للضجر اليومى والرغبة والإعياء
وفجأة فى دفتر الهاتف يطفو اسمه أمامنا
ونلمح الرقم على الصفحة
 مغموراُ ًبماضى حبنا
وباليد المرتجفةُ نشطب رقم الهاتف الصامت من دفترنا
المسكون بالضجة والأحياء
نودعه ذاكرة الأشياء
وفجأة نذرف دمعتين
لأننا ندفن من نحب مرتين!
----------------------------------------------------
وهكذا الحياة ، ندفن فيها من نحب مرات ومرات. ولكن ذكراهم تطفو فى جميع الملمات فتتجدد الحياة حتى بعد الممات. وما فعله الدكتور غازى القصيبى وما بذله من أجل التغيير سيخلد ذكراه ليس فى المملكة العربية السعوودية وحدها ، بل فى كل مكان يتواجد فية عشاق الكلمة والتغيير .ومالنا اليوم إلا أن نترحم على المفكر ، الشاعر، الأديب ، الدبلوماسى ، ورجل الدولة المغفور له بإذن الله الدكتور /غازى بن عبد الرحمن القصيبى الذى رحل وترك للإنسانية رصيد معرفى نحن فى أمس الحاجة إليه .
                  
    
   

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]
 

 

آراء