وفد (السفارة) بين الاخلاق والسياسة !!

 


 

بثينة تروس
1 August, 2022

 

انهيار الخدمة المدنية في السودان واقع مأساوي، تسببت فيه سياسات التمكين، التي قننت للمحسوبية والفساد علس أساس الولاء الديني، والانتماء لجماعة الاخوان المسلمين، بلغ الحد الذي اجتهد فيه الفقهاء وعلماء السلطان لتحليل سلوك الفاسدين، والمرتشين، وسارقي المال العام (بفقه التحلل)! وللأسف اختلت موازين العدالة في دواوين الحكومة، وطال الموظفين الظلم من جراء تلك السياسات الممنهجة، وانعكس ذلك في معاشهم، ومستوي الحياة الكريمة لأسرهم، وترقيهم في السلم الوظيفي وكافة حقوق الخدمة، حتى عجزوا عن القيام بدورهم الوظيفي المرجو، وتلاشت المسئولية الوطنية، وسادت اَفات التسيب، وعدم الانضباط، وانعدام قيمة الوقت، واحترام ساعات العمل، وأصبحت المطالبة بالرشاوي وتبادل المنافع بين الوسطاء والسماسرة، سلوك يومي مرتبط بالخدمة المدنية! بلا ضبط او محاسبة! بل أصبح نوع من أنواع الشطارة، والتباهي، والتنافس بين المواطنين، صاحب الواسطة الكبرى هو الأكبر مقاماً وأكثر مهابةً، والاسرع قضاءً للحوائج.
جميع ذلك أضر باقتصاد البلاد، وخلق تفاوت طبقي حاد في المجتمع ما بين ثراء فاحش وفقر مدقع. وثورة ديسمبر في سعيها لتحقيق التغيير، وإزالة فساد تمكين الثلاثين عام، يقتل خيرة شبابها بالرصاص الحي، والضرب المبرح والتعذيب، والاعتقالات في كل تظاهرة مليونيه من اجل المساواة في خدمة مدنية متكافئة.. لذلك ليس هنالك وجه حق او عدالة، في ان يهلل السودانيين بكندا لقدوم وفد من داخلية السودان! خصيصاً لتيسير امر استخراج الأوراق الثبوتية المدنية من ارقام وطنية، وجوازات، ومستندات ثبوتية! في الفترة ما بين (13 يونيو-16 نوفمبر) بحسب سفارة جمهورية السودان باتاوا - 8 يونيو 22
المسالة هي أخطر من تبسيطها في انها خدمات هوية مواطنة مستحقة، بل تعد تواطؤ مع العسكر لتمرير أجندة مخالفة لشعارات الثورة في اسقاط الحكم الانقلابي! كما انه جانبها الصواب في اختيار التوقيت، واستعجال تلك الخدمة في ظل دولة بلا حكومة تماماً، حكومة انقلب فيها الجنرال البرهان علي الحكم الانتقالي، وفشل في تحقيق الأمن والسلام، وفقدت حكومته الاعتراف والاحترام الدولي، وظلت بلا رئيس وزراء، ودبلوماسية اجتمع سفرائها في عمل وطني مشرف ادانوا فيه الانقلاب، من ضمنهم سعادة السفير بكندا طارق حسين أبو صالح، وفي المقابل أبت نفس الجنرال البرهان الا وافساد ما تبقي من دبلوماسية، بتعيين خمسة من ضباط الشرطة والجيش المتقاعدين، من بينهم ( خبراء استراتيجيين للانقلاب)! كسفراء في وزارة الخارجية تمهيدا لابتعاثهم لعدد من دول الجوار.
أما من الناحية الخدمية، فهو عمل جانبه التوفيق حيث اتيته، اذ كيف يعقل ابتعاث وفد في ظل دولة منهارة اقتصادياً، لكي يتمتع السودانيين بكندا بتيسير الإجراءات مجاناً، او برسوم رمزية ان وجدت! يتنقل الوفد لمكان اقامتهم بالولايات في دولة مترامية الأطراف، من اجل تمليكهم الأوراق الثبوتية، مع ان غالبيتهم لديهم أوراق ثبوتية في الدولة الديموقراطية، التي ينعمون فيها بكافة حقوق المواطنة المتساوية، والأوراق التي بسبيلها يتحصلون على العلاج المجاني، والتعليم المجاني، وكافة حقوق الانسان، في برنامج ونظم إدارية خدمية، لدولة تيسر لهم استخراجها بعدالة التساوي مع السكان الأصليين للبلد، دون ذل الصفوف، او تفرقة عنصرية، واستعلاء جهوي وديني، ولا تدفع بهم للانحراف الاخلاقي في ممارسة الفساد والرشاوي!
الشاهد ان التعامل مع برنامج الوفد، والخدمات (الفاخرة)! التي يقدمونها، يساهم في إطالة عمر الباطل والظلم، في حكومة مختلة الموازين، تمايز بين مواطني الداخل والخارج، توفر خدماتها لغير المحتاجين، من أبناء الجاليات السودانية من الذين ولدوا بكندأ، في الوقت الذي تمنعها وتقيم العقبات في سبيل الحصول عليها امام شباب بأعمارهم، يموتون غرقاً في البحار، تلتهمهم حيتان المحيطات، بحثاً عن العيش في بلدان يجدون فيها الحرية، والعدالة الاجتماعية، مثل كندا، فراراً من جحيم تلك الأوضاع!
يواجهون غول الفساد الذي وقف في وجه التعليم المجاني، والصحة المجانية في البلاد، ينتظرون في الصفوف بالإيام والشهور، بتكاليف لا يطيقونها ولا يجدون (لرسوم الرشاوي) والوساطات سبيلاً! فالجواز الذي يستخرجه الوفد في كندا للسودانيين مجاناً، في السودان تجارة رابحة للرتب العسكرية، بعد ان تلاشت خدمات وزارة الداخلية، ونهش سرطان الفساد مفاصلها! وتقف حادثة انعدام ورق طباعة الجوازات المفتعلة، من الازمات التي لم تشهد البلاد مثيلها، والتي انفرجت مباشرة بعد انقلاب البرهان في اقل من أسبوع. وهي فترة استعلي فيها فساد أصحاب الرتب العسكرية، من الذين يستخرجون الجوازات للخاصة على طريقة (توصيل خدمات منزلية)! تلك الازمة التي لم تحد من سفر الاخوان المسلمين، ومنتسبي النظام البائد الي تركيا وماليزيا، بل حتى كندا!!
والحكومة الانقلابية العسكرية في سيرها بالكيل بمكيالين، تمارس خبث سياسات النظام السابق في العبث بالدبلوماسية، وشق وحدة صفوف المعارضة بالخارج، وشراء ذمم الموالين للنظام البائد، فحين فشلت في ترسيخ دعائم الاستقرار، والانسحاب من كراسي الحكم، ومحاسبة الفاسدين، حرصت علي تسهيل مهمة وفد تحت دعاوي تقديم أوراق رسمية لمواطنين خارج اراضيها، قدموا لتلك البلدان فارين من هجير الحكومة الإسلامية البائدة، لاجئين من عسفها، من نزيف الدماء في حروبها، والاعتقالات، وبيوت الاشباح، والفصل لصالح التمكين! ارتضوا المنافي التي تقف ضد التمييز والمحسوبية، وتحترم الشعوب.
ثم ماهي قيمة ارقام وطنية في بلد لا يعني بحقوق الانسان! ولا يحترم القانون والمؤسسات الدستورية! يعيش شعبه في خوف وعدم أمان؟ ان واجب المواطنة لسكان المنافي لا يقف عند حدود المساهمة المالية في درء الكوارث البيئية والصحية، وانما بدعم تطلعات الشعب السوداني في الديموقراطية والمدنية، حتي ينال حظة في حياة مماثلة لحياة الذين يعيشون في كندا...

tina.terwis@gmail.com
///////////////////////////

 

آراء