وقائع محاكمة المتهمين بقتل الشهيد محجوب التاج: شهادة بسالة موثقة لمحجوب ووسام مستحق لوكيل النيابة

 


 

 

استمعت وشاهدت التسجيل الكامل لوقائع الجلسة التي قدمت فيها قضية الاتهام ممثلة في افادات المتحرين الاثنين من الشرطة والنيابة بالاضافة للعرض الكامل لفيديو المقدم من المتحري ومن المعامل الجنائية. والوقائع المعروضة تثبت جرأة جهاز الامن في القتل بدم بارد. فبعد قتل الشخص يحملون الجثمان الى مستشفى جهاز الأمن (الأمل) والتبليغ على انها واقعة وفاة في ظروف غامضة. وهذا بالفعل ما حدث في مقتل الشهيد محجوب التاج، أبلغ جهاز الأمن الشرطة بانهم قد وجدوه ( واقع على الارض جوار جامعة الرازي من الناحية الغربية) لكن المفارقة في هذه القضية فجرها وكيل النيابة احمد عمر عوض مصطفي، قطاع الخرطوم، حيث ذهب لمعاينة مكان الحادث فانتبه الى أن هناك كاميرا مثبتة على البنك الزراعي بالقرب من موقع الحادث وسعى بمهنية عالية للحصول على محتويات الكاميرا، متحركا بسرعة بين ادارات البنك وفروعه حتي حصل عليها من مسؤول الإدارة الالكترونية للبنك، وبذلك حول مسار القضية بتضيق مسار الاشتباه نحو المبلغين أنفسهم، لأن أقوالهم تعارضت مع ما رصدته الكاميرا التي اشارت الى أن الشهيد قد تم ضربه عند الساعة 10:55 وأفاد الطبيب انه أجري رسم قلب الساعة 11:45 وكان قد فارق الحياة، ولكن ذكر أفراد جهاز الأمن انهم وجدوه ملقيا على الارض عند الساعة العاشرة وحملوه لمستشفى الأمل، وبذلك تعارضت أقوالهم مع ما التقطته الكاميرا التي أوصحت ان من حملوا الشهيد من موقع الجريمة كان مباشرة بعد ضربه وسقوطه على الارض، وبالتالي كانت اقوالهم التي أدلوا بها تنم عن اطمئنان لانهم لم يدركوا ان هناك كاميرا رصدت الجريمة بتفاصيلها وبالتالي حولتهم من مبلغين الى متهمين.
على الرغم من أهمية الإنتباه لحصافة وكيل النيابة ومهنيته العالية خاصة وأنه كان يطارد جرائم جهاز الأمن في تلك الظروف الخطيرة. فقد عكست الكاميرا هجوم منظم لاكثر من خمس سيارات دفع رباعي على ظهرها ما لا يقل عن خمسين شخص مدججين بالاسلحة والهراوات، وقد احاطوا بطلاب لم يظهر منهم أي شكل من اشكال المقاومة، وقد اوسعوا اولئك الطلاب ضرباً، وبعد أن سقط الشهيد محجوب التاج على الأرض كان الضرب مستمر بطريقة يظهر القصد منها القضاء عليه، وبالفعل أشار الطبيب انه قد وصل الى المستشفي وقد توقف النبض.
لا بد من الاشارة الى أن ما رشح من شهادات أصدقاءه وزملائه بأن محجوب قتل وهو يدافع عن زملاءه فقد انصفته الكاميرا محققة تلك الشهادات وعكست بسالة هذا الشاب اليافع وهو يقف بهدوء ويتحرك بثبات بينما كان الكل يحاول الفرار لحظة هجوم هذه القوات.
ولأننا لا نريد أن نعلق على وقائع القضية بأكثر من وصف الوقائع الثابتة حفاظا على حق المتهمين في أن يعاملوا على أنهم أبرياء حتى تثبت ادانتهم، لكن من المهم الحديث عن قصور عمل النيابة المتمثل في مطاردة الجنود وترك القادة على الرغم من أن القانون الجنائي ينص على أن الهجوم واسع النطاق من القوات النظامية الذي يسفر عن القتل يمثل جريمة ضد الانسانية، لكن سارت النيابة في نفس المسار الخاطيء الذي اتخذته في ملاحقة جنود قوات الدعم السريع في مجزرة الابيض بترك قادة هذه القوات دون مساءلة.
هذا الهجوم الذي حوصر فيه الطلاب وسط ما يعرف في استراتجيات العمليات العسكرية بـ (صندوق القتل kill-Box) بقصد الإعتداء على مدنيين عزل وأدى الى قتل واحد منهم وجرح آخرين والحاق الأذي البدني بهم، يمثل بكل المقايسس هجوم منظم ضمن مفهوم الجرائم ضد الانسانية الوارد في المادة (186) من القانون الجنائي السوداني، وكان على وكيل النيابة أن يتحرى عن الواقعة على هذا الأساس، فهذا العدد الكبير من القوات التي كانت تظهر في نطاق الكاميرا لا يصعب تحديد هويتها وقيادتها. وإذا وجه الاتهام لقيادة الجهاز فإما أن يقدموا المعلومات كاملة أو يطالهم الاتهام. وحتى من مثلوا أمام المحكمة الآن فإن من مصلحتهم أن يكشفوا عن الحقيقة كاملة وتوضيح أسماء وهويات كل من ظهر في نطاق الكاميرا، وتأخذ العدالة مجراها بتحديد من قاموا بالضرب الذي أفضى الى القتل والآخرين الذين ساهموا في الهجوم ومن لم يكن لهم دور مباشر في تسبيب الموت وبالتالي يعاقب كل من ساهم في هذا الهجوم بقدر ما يستحق وفق مستوى الاشتراك الجنائي.
النيابة مازالت لديها فرصة للاستفادة من هذا التسجيل الذي يجعل من مصلحة المتهمين التعاون لكشف كل أفراد القوة وشرح وقائع الفيديو كاملة لأنهم بالمقابل يتحملون وحدهم مسؤولية كل أفعال المجموعة. وربما كانت النيابة في ذلك الوقت لا تستطيع توسيع نطاق الاتهام وملاحقة الآخرين. لكن يمكنها الآن أن تفعل ذلك بتحريك اجراءات موازية لهذا البلاغ، فهذه جريمة موثقة يجب أن لا يفلت من توفرت ضده بينة بهذا الحجم. فمنهم المتوحش الذي انهال عليه ضربا وهو يلفظ اخر انفاسه وذلك الجبان الذي هرول بطريقة متعمدة عند بداية الهجوم نحو فتاة وجرها من بين زميلاتها.
في يوم 7 اغسطس 2021 استضيف النائب العام المكلف في لقاء مع رابطة المحامين والقانونيين السودانيين في بريطانيا، عن طريق (الزوم) قال في اللقاء انه بصدد عقد ورشة للنظر في كيفية إعمال المادة (186) المتعلقة بالجرائم ضد الانسانية، وأشار الى القصور في هذه القضية بالذات، والحقيقة أنها لا تحتاج الى ورشة، ففي هذه القضية وفي كل القضايا الشبيهة يصدر من موقعه أمر بالتحري عن قيادة هذه القوات وتقديمهم للمحاكمة وان منشور جنائي يعمم لوكلاء النيابة بالتحري في الوقائع التي تشكل جرائم ضد الانسانية وفق مسؤولية القادة المعروفة بتوجيه الاتهام للقادة والكف عن مهزلة ملاحقة الجنود وحدهم، فهذا الأسلوب الشامل هو ما سيضمن تحسين سلوك هذه الأجهزة حينما يدرك قادتها أنهم مساءلون عن أفعال مرؤسيهم.

aliagab@yahoo.com
////////////////

 

آراء