… ولعلهم يتفكرون: تطور الجنين بين العلم والدين
علي يس الكنزي
4 February, 2014
4 February, 2014
نوافذ واطلالات
alkanzali@gmail.com
(٤ـ٧)
أطوار الخلق
في رحم الأم من الناحية العلمية
لنواصل تَفَكُرِنا ورحلتنا في غياهب رحم الأم، ولننتقل للوجه الآخر من مقالنا لنرى ما أثبته علماء الأجنة في عصرنا الحاضر.هنا أطلبُ منك يا قارئ القرآن أن تجعل من تلكم الآيات السابقات نقطة انطلاق نحو ما سنبينه من (علمتطور الجنين في رحم الأم) مستصحباً تلكم الآياتفي رحلتنا التعبدية والتأملية والتي لا تحتاج منا لعظيم جهد، وكثير عناء لفهم مدلولها. فقد صارت آيات خلق الجنين في رحم الأمفي متناول يد كل راغب يريد بذل أدنى جهد في التفكر والتأمل في خلق الله.
فلتبدأ قارئ العزيز في التفكر والتدبر في نفسك التي بين جنبيك (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) آية ٢١ من سورة الذاريات، وتلكم الأخرى التي تسكن إليها أو تسكن إليك (من آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجاً لتسكنوا إليها) آية ٢١ سورة الروم. ولكن قبل لحظة الإنطلاق يتوجبُ عليَأن انبهك بأن لا تنخدع وتظنن أن للكنزي له في علم الأجنة باع، وفي معرفةكتاب الله زراع.فأنا ولله الحمد والمنة، لا أملك من هذا العلم ولا ذاك حتى اليسير منهما،وما أنا إلا بناقل لما قرأت في علم الأجنة وما تدبرتفي كتاب الله. لهذا سأبقى معك ولا أبرح عنك شبراً حتى نبلغا سوياً مجمعما بينهما، أي بين العلم والقرآن، لنرى برزخ آيات ربنا الكبرى.فغاية مقالي كما بينت هيأن استعرض معك من الناحية القرآنية والعلمية كيف جئنا نحن (أنا وأنت وهو وهي) لهذه الحياة الدنيا. وبعدها لنحكم علىما قصه علينا محمد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم قرآن يُتلىقبل أربعة عشر قرن ونيف من الزمان هل هو الحق من ربنا، أم هو من عند غير الله؟
وبديهيٌ أن أطرح عليك سؤالاً وهو:”هل تعلم بأنك في يوم من الأيام كنت خلية قبل أن تصل إلى رحم أمك لا يتعدى حجمها حبة القمح المتناهية في الصغر؟ وأن هذه الخلية انفلقت في متتالية عددية، لأثنيتن،فأربع، ثم ثمانية، ثم لستة عشر، ثم تضاعفت الأعداد، ثم بعد خمسة أيام اتخذت شكلاً كروياً كما يظهر في الصورة أدناه، وهي المرحلة التي تمثل بداية الخلق في الرحم وما يُعْرَفْ بحدوث الحمل لدى الأنثى.
•
ثم تبدأ تلكم الخلايا في تبديل مواقعها لتأخذ شكل اسطوانة وهي ما عرفها القرآن بالمُضْغة كما يظهر في الصورة أدناه.
•
حيث تنمو وتتضاعف خلية الحمل أو الجنين في حجمها لتصل لأكثر من مئة بليون مرة عند إكتمال خلق الإنسان، مقارنة بحجمها الأول عندما التقى الحيوان المنوي للرجل ببويضة الأنثى، ويتضاعف وزنها لستة بليون مرة عن ما كانت عليه عند النشأة الأولى؟
أوضح لنا علماء الأجنة أن الجانب الخارجي للأسطوانة يمثل المشامة التي تصبح سياجاً منيعاً لحماية الجنين وتغذيته. أما الداخلي منها فيتحول لشكل شريط يشبه في هيئته مبهم طفل صغير، وهي مرحلة المضغة التي تسبق مرحلة العظام، حيث تتشكل هيئة الإنسان.
الصور أدناه تظهر لنا كيف أصبحت المضغة عظاماً لتكون الخطوط الأولى للهيكل الإنساني.
الصورة تعبر تعبيراً صادقاً عن الآية
(... فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً)
فمن علم محمداً هذا؟! علمه شديد القوى
(٥ـ٧)
وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟
إنها معجزة خلق الإنسان التي انشغل عن الوقوف عندها وهي تجري امام عينيه كما يجري الليل والنهار. فقليل منا من تدبر أو تفكر كيف يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً؟ عندما نزلت الآية الدالة لمعجزة تعاقب الليل والنهار، قالت أمنا عائشة في الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً، قالت: “ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلتها قام الليل فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى بلَ لحيته، ثم سجد فبكى حتى ابتلت الأرضُ، ثم أضجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح، قالت فقال: “ يارسول الله ما يبكيك وقد غفر الله ذنبك ما تقدم منه وما تأخر؟” فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ وما يمنعني أن أبكي وقد نزلت عليَ في هذه الليلة: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لاآياتٍ لأُلي الألباب)”. عندما تمرُ أنت على هذه الآية هل أبكتك، أو تدبرت فيها، أم هل تدبرت كيف يتكون السحاب المسخر بين السماء والأرض؟أو كيف تنبتُ الأرض زرعاً مختلف أكله وطعمه والوانه؟ فورب السماء والأرض إنها لآيات لنا ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فنحن نتعامل معها كظواهر طبيعية تتكرر أمام أعيننا بصفة نحسبها رتابة، لذا ليس هناك ما يدفع للبحث عن ما وراء هذه الرتابة فيغيب عن أفهامنا ما يستوجب التوقف والتفكر فيه؟!
المبيض والبويضة وقناة فالوب والمني
معجزة خلق الإنسان تبدأ في رحم الأم حيث تنزل البويضة من مبيض المرأة مرة في كل شهر لتأوي إلى الرحم بعد تخصيبها قاطعة رحلة طويلة عبر قناة فالوبfallopian tubeصولاً إلى الرحم حيث الخلق والنمو.
لو توقفنا وتدبرنا هذه الرحلة فحسب،وسألنا أنفسنا كيف استهدت البويضة للهبوط من المبيض والوصول لقناة فالوب، وكيف سعت داخل القناة لتستقر بداخله إنتظاراً لحيوان منوي يلقحها ثم بعدها تُكْمِل رحلتها نحو الرحم وتستقر فيه ليكون خلق الإنسان، لكان من أمرها عجباً،ولسجدنا لربنا ولن نشرك بعبادة ربناأحداً.فبعد سقوط البويضة أو قل خروجها من المبيض نراها تهتدي لقناة فالوب لتلج فيها، ثم تمشيأو قل تسعى بداخل القناة بدون قدمين أو جناحين ولا زحفاً، ولكن هيأ الله لها نظاماً دقيقاًجعل من بلايين الخلايا المتواجدة بقناة فالوب في شكل شعيرات دقيقة ترقد على طول القناة لتوظف نفسها للعمل على حماية البويضة والأشراف علىخدمتها وحملها ودفعها للأمام حتى تبلغ منتهاها وتسكن مأواها؟ فكل شُعيرة أو خلية سمها كما تشاء، تقوم بالمهام الموكلة إليها في نظام دقيق لا يقبل الخطأ. ولو أن شُعيرة واحدة من هذه البلائين تخلفت عن أداء وظيفتها،أو أسرعت، أو ابطأت، أو عملت في الإتجاه المضاد لمسار البويضة، فإن البويضة لن تبلغ مستقرها ومستودعها، ولن يكون هناك حمل!
تتمتع البويضة بالحياة بقناة فالوب لأربع وعشرين ساعة تترغب فيها مُخصب واحد من الحيوانات المنوية التي يصل عددها لميئتين وخمسين مليون حيوان منوي عندما يقذفها الذكر وهو يغشى الأنثى. فإذا بتلكم الخلائق الوافرة العدد (ما يعادل ربع سكان الصين) تنطلق في قناة فالوب متجهة نحو البويضة في تنافس حميم كل يريد الفوز بحياة آخرى بتلقيحه لها.وكل حيوان منوي يحمل في داخله ثلاث وعشرين وحدة من الكروموسومchromosomeتحتوي على البيانات الوراثية المتعلقة بالذكر. وما أن تمضي دقائق معدودات حتى تبدأ الحيوانات المنوية في التساقط والموت الجماعي الذي يحصدها بعد ساعات قلائل ولا يبقى منها إلا القليل ينفذ بجلده (حوالي مئة) ايصل للبويضة حيث يشتد وطيس التنافس والتسابق وكل ينادي أنا لها.
بلطف من الله وتدبيره يهتدي الحيوان المنوي إلى الطريق المؤدي إلى البويضة التي لا يزيد حجمها عن ذرة تراب،ذلك لأن البويضة عندما تحس بدنو الحيوانات المنوية منها (مسافة خمسين سنتمتراً) تبدأ في إرسال إشارات كميائية رادارية في أتجاه الحيوانات المنوية المتنافسة على ودها، لتدلهم على مكانها وتجذبهم إليها. وسرعان ما تستجيب الحيوانات المنوية لذلكم النداء وتلكم الإشارات الكيميائية، فتتجه صوب البويضة لتبتدئ معركة البقاء الأخيرة وهي السعي للولوج لداخل البويضة وتلقيحها.وهنا تعمل الطبقة الخارجية الملتفة حول البويضة كحصن منيع لا يسمح إلا لواحد منها بالولوج.
الصورة أعلاه تعكس تنافس الحيوانات المنوية للفوز بالبقاء بإقتحام حاجز البويضة والولوج لداخلها وتلقيحها.
عند ولوج حيوان منوي واحد لداخل البويضة يتم تلاحم الكروسوم الذكوري مع مثيلها الانثوي لتصبح في مجملها(٤٦) كروموسوم، وهي البذرة الأولى لخلق الإنسان، حيث تمتزج وتتلاحم المعلومات الوراثية للذكر والأنثى لتصبح خلية واحدة،وهنا يحدث الحمل. وهو ما اشار إليه القرآن (بالنطفة)، وهو الحمل الخفيف الذي اشارت إليه الآية ١٨٩ من سورة الأعراف ( ... فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به ...)والله أعلم.
شبه علماء الاجنة انطلاق الحيوانات المنوية نحو البويضة في سباق محموم كل يمني نفسه بالفوز، شبهوه بقارب السباق المائي الصغير المنطلق بسرعة صاروخية على سطح مياه النهر، أو بالصاروخ حامل المركبة الفضائية المنطلقة إلى كوكب آخر لترسو فيه. أتعجبون من أمر الله قارئ العزيز؟ ألم يجعل الله لكل شئ قدراً؟ المعجز حقاً أنه عند حدوث التلاقح والتحام للكروسوم الذكوري مع مثيلها الانثوي يبدأ اخلق الإنسان كما أشرنا سابقاً، وفي هذه الساعة بالتحديد قال علماء الأجنة أنها ساعة الإعجاز التي تحدد فيها كل ملامح الإنسان من وجه، ولون بشره وعيون وشعر، وهيئة جسده عامة وذكر كان أم أنثى. ليس ذلك فحسب، بل كلما يتعلق بأدق تفاصيل جسده ومظهره من السنة السابعة من العمر وحتى السبعين منه. هذا ما قاله علماء الأجنة.
لنواصل غداً إن شاء الله مع الحلقة الأخيرة،