ومضات عن الأغنية الكردفانية (3)

 


 

 

gush1981@hotmail.com
يقول الموسيقار وعازف الساكسفون المعروف الأستاذ عبد الهادي محمد نور إن الأغنية الكردفانية هي من أغنى وأثرى ألوان الغناء في أقاليم أو ولايات السودان المختلفة، وذلك من حيث تنوع إيقاعاتها ومقاماتها، علاوة على الغناء أو الأداء ذي الإيقاع المفتوح والانسيابي غير المقيد "بالرتم" كأغاني الدوبيت مثلاً وأغاني الحكامات "المشكار"، والقوقاي والواوي والشاشاي التي يستخدمها ويحدو بها رعاة الإبل، والهداي في ديار البقارة، وكل هذه شكلت الخلفية التي انبثقت عنها الأغنية الكردفانية التي نتناولها في هذه الومضات. وباختصار شديد نستطيع القول إن الأغنية الكردفانية بتنوع واختلاف إيقاعاتها وضروبها ومفرداتها وطرق أدائها هي في واقع الأمر ثروة فنية هائلة تستحق البحث والدراسة والاهتمام؛ لأنها سجل حافل بنشاط الإنسان في كردفان وثقافته وتراثه. من جانب آخر يضيف الدكتور عوض إبراهيم عوض، الإعلامي البارز والشاعر المطبوع قائلاً: إن الأغنية الكردفانية تمشي على ساقين؛ هما السلم السباعي واللسان العربي لدى كثير من أهل كردفان؛ خاصة في البوادي والريف. فعلى سبيل المثال غنى الفنان الراحل إبراهيم موسى أبا وعبد القادر سالم بالسلم السباعي في كثير من أغانيهما، ومن حيث المفردة يلاحظ طابع البساطة المباشر بلهجة عربية هي أقرب للفصحى من العامية. وكذلك تخلو الأغنية الكردفانية من تلك العبارات والإيحاءات الموغلة في الرومانسية كالتي نجدها في أغنية الوسط الحديثة، كما تخلو من الوصف الحسي الذي تتميز بها أغنية الحقيبة. وأغنية كردفان تميل في الغالب إلى وصف أشياء وأحداث ترتبط بالبيئة الكردفانية مثلما هو الحال في أغنية صديق عباس مطر الرشاش حيث يقول: ﻣﻄﺮ ﺍﻟﺮﺷﺎﺵ ﺍﻟﺮﺷا في ﺩﺍﺭ ﻛﺮﺩﻓﺎﻥ ﺍﻟﻬﺸا ﺃﻧﺎ ﻋﻘﻠﻲ طار ﻭﻃﺸا ﻭﺭﻯ ﺍﻟﻤﺮﺍﺡ ﺍﻟﻨﺸا السايرات ﻮﺭﺍﻩ ﻧﺎﺱ عشة ﺑﺖ ﺍﻟﺘﻠﺐ ﺃﺑﻮ ﻛﺸﻪ ﺃﺧﺖ ﺍﻟﻨﻤﻮﺭ ﺍﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺨﺸﺔ ﺟﺎﺕ ﻻﺑﺴﻪ ﺍﻟﺴﻮﺍﺭ ﺃﺑﻮ ﻧﻘﺸﻪ ﺑﻲ أحلى ﺍﻟﻌﻄﻮﺭ ﻣﺘﺮﺷﺔ ﺯﻳﻨﺔ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ ﻳﺎ ﻋﺸﻪ ﺭﺣﻤﺎﻙ ﺑﻲ ﻋﻘﻴﻠﻲ ﺍﻟﻄﺸا ويلاحظ أن جميع الصور التي وردت في هذه الأبيات هي من واقع حياة الناس في كردفان. ومن الأشياء التي ورد ذكرها كثيراً في الأغنية الكردفانية اللوري؛ لأنه لم يكن فقط وسيلة نقل ومواصلات بل هو الذي ينقل الحياة بمعناها الواسع إلى مناطق لم يكن الإنسان ليبلغها إلا بشق الأنفس، فاللوري هو الذي يحمل الحبيب وكل ما هو جديد من شتى بقاع الوطن. ومن نماذج الأغنية الكردفانية التي ورد فيها ذكر اللوري: اللوري حل بي دلاني في الودي جابني للبرضاه العمري ما بنساه حبيبي سيد الناس ويبقى لي وناس ومن تلك الأغنيات ايضاً نجد ما تغنى به الفنان الراحل صديق عباس: بركب اللواري وبطارد القماري وبزور الحاج اللين عشان الشاغل بالي ونلحظ كذلك الأثر الصوفي في الأغنية الكردفانية حيث يريد الشاعر الوصول إلى شيخه المعروف بالحاج اللين في تلك القرية التي تحمل اسم ذلك الرجل الصالح. وذكرت الأغنية الكردفانية أسماء سائقي اللواري مثل كباشي واندريا، وإن اختلفت الآراء حول الاسم الأخير. ومن الأغاني الكردفانية التي ظهرت في الآونة الأخيرة وورد فيها ذكر اللوري، رائعة المطربة الشابة هدى عربي من إيقاع الجراري التي تقول فيها: سواقها قام النيسان من النهود للحمرة يباري فج القيزان ساق السميح القمرة شابه فوقي النيران اللهيب بي جمرة شوق الشتيل الرندل المي من السمرة وهذه الكلمات الرقيقة فضلاً عن أنها تذكر اللوري فهي تعرج أيضاً على ذكر الأماكن وتصوير حالة الشاعر العاطفية بمفردات من صميم اللهجة الكردفانية القحة التي هي أقرب ما يكون للعربية الفصحى. وهذا ما يعجل نقول إن الأغنية الكردفانية متفردة من حيث الكلمات والارتباط بالبيئة والإيقاع والأداء. وقد ساهم برنامج ربوع السودان في تسليط الضوء على التراث الكردفاني والأغنية الكردفانية من بعد، ومن الأغاني التي سمعناها عبر ذلك البرنامج أغنية أم بادر: الليلة والليلة دار أم بادر يا حليلها الزارعنو في البورة واطاتو ممطوره زولا سمح صوره بالفاتحة مندوره بريد زولي زولا سرب سربه وختا الجبال غربه ادوني لي شربه وخلوني نقص دربه ولقد استفاد مطربو كردفان من ذلكم التراث الكردفاني بعد إضافة اللزمات الموسيقية مثلما هو واضح من أغنيات ذائعة الصيت مثل: يا بخيت أحلبلي لبن أم زور طايبلي داك براقاً قبلي فوق عربي وفوق إبلي ويضيف الدكتور عوض إبراهيم متحدثاً عن الأغنية الكردفانية بأنها تعد سجلاً حافلاً عن وصف البيئة الكردفانية وأنشطتها البشرية ولوعة فراق المحبوب. وتحفل الأغنية الكردفانية كذلك بوصف السعية مثل أغنية الفنان صلاح محمد الحسن: جقلة أم ضهرا ميلا أم ضيلا بي خنتيلا جن واردات الليلة زي بنوت السيرا وهنالك ذكر متكرر للأماكن كالذي نجده في أغنية البلوم التي شدا عبد الرحمن عبد الله: امشي بارا وديك أم روابة والنهود الآسر شبابها والأبيض غرد حبابها دره رايعه وحايزة الكمال هذه الحلقات أجابت على الشق الأول من أسئلتنا فيما يتعلق بوجود الأغنية الكردفانية وإيقاعاتها والعوامل الجغرافية والبشرية المؤثرة فيها.

 

آراء