ومضات عن الأغنية الكردفانية (7)
محمد التجاني عمر قش
29 May, 2022
29 May, 2022
تناولت الحلقة السابقة إيقاع الجراري والدلوكة ونخصص ومضة هذا الأسبوع لإيقاع المردوم وتجربة عبد القادر سالم والمطربة شادن حتى نسلط الضوء على بعض الأغنيات الكردفانية لهذين المبدعين . أما المردوم فهو إيقاع مرتبط بالبيئة البدوية في الجزء الجنوبي من كردفان كما هو الحال في بعض أغاني الفنان عبد القادر سالم ومنها أغنية (اللوري حلّ بي، دلاني في الوِدَيْ)، وهو إيقاع سريع يحاكي سير الأبقار أو ما يعرف عند الرعاة بأم "جاعورة" وتشتهر به القبائل التي ترعى الأبقار، مثل المسيرية والحوازمة وكنانة وغيرهم من مكونات تلك المنطقة. وإيقاع المردوم يمتاز بقوة الحركة والحيوية وهو راقص جداً ويشارك فيه الجنسان من الشباب والشابات. ويعود الفضل في ذيوع هذا الضرب من الإيقاع إلى الفنان القامة عبد القادر سالم الذي أخرجه من إطاره المحلي ليبلغ الآفاق، داخل وخارج السودان. ولعل أروع مثال لهذا الضرب من الإيقاع هو أغنية نجوم الليل التي تقول: نعد نجوم الليل نار الغرام ضايق حال البريد مشغول ما تقولوا عاد فايق الفي العمر ملحوق غير ريدو كان حايق الليلة غاب تومي خلوني ياخلايق صبراً بجيب الخير للنارو ما طايق حبل الصبر ممدود بالخير بجيب سايق الليلة غاب تومي خلوني يا خلايق يا سلام خلوني يا خلايق ومن أغنياته بهذا الإيقاع "حليوة يا بسامة" التي تقول كلماتها: حليوة يا بسامة الفايح نساما الريدة في قلوبنا الله علاما طالبين سلاما ما تبقى ظلاما يا خيا الدنيا دي معدودة أياما أما أغنيته ذائعة الصيت اللوري حلا بي فهي التي تعد من بواكير انتاجه فهي أيضاً على إيقاع المردوم الذي اشتهر به هذا المبدع وأوصله إلى المستمع في أرجاء الوطن كافة حتى حسب كثير الناس أن كردفان لا يوجد بها إلا إيقاع المردوم. ولكن عبد القادر سالم قدم أيضاً أغنيات رائعة بإيقاع الجراري منها "المريود" و"قدار ما قلت نغني" من تراث قبيلة دار حامد: قدار ما قلت نغني جراحك ما بخلني رميت الخط قابلني بشاير خيرك جني التوب الما هدا ولا بنشال في عجا كلما قلت أترجا نارك تاخد وجا ولعل القارئ يلاحظ بساطة هذه الكلمات وثيقة الصلة بالتراث الكردفاني الأصيل، وقد اضفى عليها عبد القادر سالم ألقاً ورونقاً بحسن أدائه وجمال صوته وتمكنه من التوزيع الموسيقي فجعلها من الأغنيات التي لاقت رواجاً منقطع النظير مقارنة مع غيرها. في واقع الأمر لم يكتف عبد القادر سالم فقط بإيقاعات كردفان بل استخدم كثيراً من الإيقاعات السودانية الشائعة وغنى باللغة العربية الفصحى وبالسلم السباعي وهذا ما يجعلنا نقول إن: "عبد القادر سالم قد ساهم في لفت الانتباه لتراث قمين بالسماع، وفي ذات الوقت لم يفشل في التأليف على نسق الأغنية القومية. وربما وازن عبد القادر بين التراث، والمعاصرة، بصورة لم يسبقه أحد. فهو، وعبد الكريم الكابلي، من أكثر الذين عالجوا الأعمال التراثية بخلفيات موسيقية نقلته إلى دائرة الاستماع القومي العريضة". وهذا ما يجعلن نعتقد أن عبد القادر سالم قد جسد المزيج الصحراوي والأفريقاني الذي ميز الأغنية الكردفانية ومنحها طابعاً مرتبطاً ببيئة هذا الإقليم وسبل كسب العيش فيه. يضاف إلى ذلك أن الدكتور عبد القدار قد صقل موهبته بدراسة الموسيقى وعلم الصوت الأمر الذي أهله لأداء اغنياته بشكل متميز وجد قبولاً واسعاً في الأوساط الفنية ولدى النقاد الفنيين وساعد ذلك في نشر إيقاع المردوم على نطاق واسع جداً، سيما وأن هذا المطرب الفذ قد تعامل مع كوكبة متميزة من شعراء كردفان منهم فضيلي جماع وعبد الله الكاظم وغيرهم كثير، وبحث في التراث وأخرج لنا مشاركات خالدة بدون تحيز إلى جهة ولا مجموعة بعينها؛ لأنه كان يخدم الفن والإبداع فصارت أغانيه مثل الليموني، ومكتول هواك يا كردفان وليمون بارا على لسان كل متذوقي الإيقاعات الكردفانية والموسيقى الحديثة على حد سواء. وسار على نهج عبد القادر سالم مجموعة من المطربين الشباب الذين مزجوا بين إيقاعات مختلفة من التراث الكردفاني، منهم على سبيل المثال لا الحصر المطربة شادن حسين، القادمة من غرب كردفان، أي من ديار المسيرية، موطن المردوم الأصلي، ولكنها أضافت إلى تجربتها ألحان راقية من أيقاع الجراري مثل أغنيتها: إلبل عملن جوطا سيدهن جرجر سوطا إلبل ليهن راعي سارح بيهن واعي إلبل سرحن غادي هبن لب الوادي وقد أدت شادن هذه الأغنية بضرب من إيقاع الجراري يعرف لدى الموسيقيين بالهودج ويتضح ذلك من اللحن الذي يميل إلى الإيقاع الثقيل لأن جمل "العطفة" عادة ما يسير ببطء ملحوظ. وقد اعترض بعض النقاد على عبارة "إلبل عملن جوطا" لأن الإبل في واقع الأمر لا يحدث منها ما يمكن أن نصفه "بالجوطة" ولكن طالما أن حديثنا هنا عن الإيقاعات الكردفانية نستطيع القول بأن شادن كمطربة شابة قد استطاعت أن تقدم مساهمة معتبرة في مجال الأغنية الكردفانية؛ نظراً لتنوع ألحانها التي يغلب عليها المردوم.