وها قد جاءت الطامة!! فكيف المخرج؟! … بقلم: د. النور حمد

 


 

 

elnourh@gmail.com

           

            وصلت حالة الشد العصبي السياسي في البلاد، وقد تبقى للإنتخابات حوالي الأسبوعين، مرحلةً بالغة الشدة. وكعادة القوى السياسية السودانية، علت النبرة العاطفية، وتراجعت الحكمة، وتراجع نور العقل، وتقدمت الأجساد! ساد الهياج والتشنج، وطفح الغضب العارم، الذي يعمي صاحبه، وأُحضرتِ الأنفسُ الشُّحَّ، وأصبحت البلاد كلها زعيقاً، وأفواهَ صادحةً بالهتاف، وأوردةً منتفخةً، وعصيِّاً مرفوعةً في الهواء!، بل وبلغ الأمر مدى جدع أنوف، وتقطيع أدي ورقاب أهل المنظمات الدولية، لمجرد أن بعضها قال أن الجاهزية للانتخابات ليست تامة! في مثل هذه الظروف بالغة الحرج، ينبغي أن تعلو قامات القادة، ويتراجع حظ النفس، ويتقدم الحظ العام، ويعلو صوت العقل، والحكمة. ولكن، من يفعل ذلك لدينا؟! ومتى كان لنا قادة من هذا الطراز الرفيع، وهذا العيار النادر؟! فالقيادة في السودان لم تأتينا، إلى اليوم، سوى عن طريقين اثنين، لا ثالث لهما: إما الإرث الطائفي، أو فوهة البندقية!! ولا مؤهل غير هذين المؤهلين يمكن أن يأتي بمقاليد القيادة لأحد من السودانيين، بالغاً ما بلغ من العلم، ومن الحكمة، ومن الخلق. إنه وضعٌ عويصٌ مزمن، ولا تباشير تلوح في الأفق تنبيء بدنو ميقات الخروج منه، ولا أدرى إلى متى ستلفنا هذه الدوامة المهدرة للطاقات؟!

             

أمضى الرئيس البشير، حتى الآن، واحداً وعشرين عاماً في الحكم. ومع ذلك، فهو لا يزال يطلب المزيد، بل، وبحماسٍ منقطع النظير! فأعين الرئيس مصوَّبة، في اللحظة الراهنة، على ما يرفع رصيده في الحكم، إلى ما فوق ربع القرن! ولكن، ما الغرابة؟! أليست هناك نماذج حية، في دول الجوار تقول إن هذا ممكنٌ، وربما مقبولٌ جداً؟ ألم يمض الرئيس الليبي معمر القذافي، في سدة الحكم، فوق الأربعين عاماً؟ والرئيس المصري حسني مبارك، ما يقارب الثلاثين عاماً؟ إذن، ما الذي يمنع الرئيس البشير من أن يطلب المزيد، خاصةً، وأن فترة حكمه أقل بكثير من فترتي حكم هذين الجارين؟!

 

لقد وقعنا في السودان، ومنذ وقتٍ ليس بالقصير، في وهدة إتباع السالب، والسالب جداً، في تجاريب محيطنا الإقليمي. قضينا على التعددية المعلولة، بالانقلابات العسكرية المتكررة. والعجيب أن أحزابنا التي لا تنفك تتباكى على الديمقراطية، كانت مشاركة، حيناً، ومبارِكةً حينا آخر، في كل الانقلابات التي جرت. ابتداءً بانقلاب الفريق، إبراهيم عبود، ومروراً بانقلاب المشير، جعفر نميري، وانتهاءً بانقلاب المشير، عمر البشير! بسبب انقلاب نميري وقعنا في قبضة الناصرية، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. مات ناصر فجأةً، فماتت معه الناصرية، فجأةً، أيضاً، وبلا كثير مقدمات. وحين خرجنا من تخدير ناصر الخطابي لنا، عرفنا أنه لم يكن سوى "ديماجوجٍ" مفوَّهٍ، يحرث في البحر، وجدنا أن الشمولية ونظام الحزب الواحد قد تمكن منا واستفحل فينا. خرجنا من "المولد المايوي"، الذي عَمَّره، وقرع طبوله الشيوعيون، والقوميون، سوى بتركة الشمولية المثقلة، وتخريب البنى، والهياكل السياسية، والاقتصادية الوليدة، وبمسخٍ عجيبٍ اسمه، الاتحاد الاشتراكي "العظيم". ثم ما لبثنا أن أدخلتنا مايو، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، في نفق ما سمي "تطبيق الشريعة الإسلامية". وهو نفق لم نعرف كيف نخرج منه إلى اليوم. وحين منَّ الله علينا بالخروج من شمولية مايو، وظننا أن آثار مايو، وقوانين مايو، سوف تُكنس، كما قالوا لنا، فوجئنا بأن كل شيءٍ يبقى على حاله. لم يتم كنس عقابيل مايو، كما كان الوعد. واستمرت المماطلة، ودخلنا بسرعةٍ بالغةٍ في دوامةٍ من العجز، والتفكك. وسرعان ما اهتبل الفرصة الإسلامويون، وعاجلونا بشموليةٍ ثانيةٍ، أقبح من سابقتيها. ووقعنا كرةً أخرى في فخٍ تضليلي جديدٍ، اسمه، المؤتمر الوطني. وعموماً فإن تاريخينا السياسي، يقول، وإلى حدٍ كبير، أن ما تؤول إليه الأمور في مصر، هو ما يحدد سقفنا العقلي، وهو ما يحدد مدى تطلعاتنا. فالذين اختاروا لنا هذه الوجهة العروبية، الإسلامية، الأحادية عقب الاستقلال، دون وعي بالتعقيد الذي يكتنف تركيبتنا الثقافية، والوجدانية، هم الذين جنوا علينا بالسير في هذا الطريق المقفرٍ، الذي لم يفض بنا إلا من تيهٍ إلى تيهٍ أكبر منه، ومن خرابٍ إلى خرابٍ أعظم منه.

تصريحات قرايشن:

            خرج علينا في اليومين الماضيين، المبعوث الأمريكي سكوت قرايشن ، بما بدا وكأنه قول جهيزة، التي قطعت قول كل خطيب. ويبدو أن الأمريكيين، يخرجون نواياهم فيما يتعلق بمستقبل السودان على أقساط، وفي تؤدةٍ، وثقةٍ. هذه التؤدة، وهذه الثقة، تقول إن الخطة المرسومة للسودان، والتي اشتركت في رسمها أذرعٌ ومصالحُ مختلفة، إحداهن ذراع الصهيونية العالمية القوية، تسير صوب غاياتها، كأفضل ما يكون السير. ولا أريد أن أطفف هنا من مبلغ الخطر المنطوي في تصريح قرايشن الأخير، بالقول بأن ليس كل ما تريده أمريكا هي بالضرورة محققته. فأمريكا رغم أنها ليست في أفضل أحوالها، الآن، ورغم أنها تجاوزت القمة القصوى في الانجاز، الذي تسمح به طبيعة نظامها الرأسمالي الكلوب، وأخذت تتجه شيئا، فشيئاً، صوب المنحدر، إلا أن الاستهانة بقدراتها يمثل خطأً قاتلاً. يجب ألا أن ننخدع، ونظن أن أمريكا قد صارت أسداً عجوزاً تساقطت أسنانه. فهي لا تزال منتشرة في كل يابسة وبحار الدنيا، ولا تزال قادرة على تغيير الخرائط، وارباك مسارات الواقع، حيث تضع يدها. ولذلك، فإن على القوى السياسية السودانية مجتمعةً، خاصةً القوى الشمالية، أن تأخذ تصريحات قرايشن الأخيرة هذه مأخذ الجد. وعلى الجنوبيين أيضاً أن ينتبهوا ـ إن حق لنا أن نكون لهم من الناصحين ـ إلى أين يُراد لهم أن يوضعوا في خطط الهيمنة الأمريكية، طويلة المدى. فإنهم لا محالة مأكولين يوم يؤكل الثورُ الأبيض.

 

يقول بيت الشعر الشهير: ((ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسبابُ والموتُ واحدُ))!! فمن رقائق السياسة السودانية، ولطائفها، المضحكة، المبكية، تطابق رغبة قرايشن، مع رغبة الحكومة في إجراء الانتخابات في ميقاتها المرسوم لها!! يُضاف إلى ذلك أن الحركة الشعبية أفصحت بقوة عن انضمامها إلى ركب إقامة الانتخابات في ميقاتها. فقد أعلنت الحركة الشعبية، أول أمس، من مطار الخرطوم، على لسان السيد ريك مشار، العائد لتوه من الجنوب، أن الحركة تريد أن تقوم الانتخابات في مواعيدها!! وأستبعد أن يكون تصريح السيد ريك مشار، الذي جاء بعد يومٍ واحد، فقط، من تصريح قرايشن، قد كان بمحض الصدفة وحدها. تريد الولايات المتحدة أن تجري الانتخابات في مواعيدها، وكذلك يريدها المؤتمر الوطني، ولكن الغرضان وراء الحرص على الميقات المرسوم، غرضين مختلفين تماماً. فقرايشن دعا إلى إقامتها، في ميقاتها، لأنها، حسب قوله، تمثل الخطوة القاعدية، للخطوة التالية الأهم، وهي قيام الاستفتاء في موعده. ورجح قرايشن، ولأول مرة، أن الاستفتاء سوف يقود إلى طلاق الجنوب من الشمال، سلمياً. إذن، فإن أمريكا قد دخلت مرحلة الوقوف على الأمشاط انتظاراً لهذا الطلاق المفرح!!

محو كل عارٍ قديم!!

أما سبب الحكومة في الإصرار على قيام  الانتخابات في مواعيدها، فيكمن في كونها قد جهزت نفسها لها، أفضل ما يكون التجهيز. فهي قد حسبتها حساباً إحصائياً، ووسعت من فرصها هي فيها، في حين ضيقت على الآخرين. كانت الحكومة هي الجهة الوحيدة التي تعرف ما تريد بالضبط في مرحلة التسجيل. وكما ردد الكثيرون، فإن الانتخابات القادمة هذه، قد تم كسبها منذ مرحلة التسجيل، وما يلي ذلك لن يكون سوى تحصيل حاصل. بالفوز في هذه الانتخابات، تستطيع الحكومة أن تمد لسانها لقوى المعارضة، بـ "قوة عين"، وتستطيع التبجح بأنها قد أصبحت حكومةً شرعية، أتت عن طريق صندوق الانتخابات! ولا مجال، من ثم، للتندر عليها، أو وصمها بالشمولية، أو بأنها سبق أن اغتصبت كرسي السلطة!! إنها إذن، الانتخابات "اللقطة" التي سوف تمحو كل عار قديم، وتنقل اللعبة الممجوجة القديمة إلى أفقٍ جديدٍ تماماً! ولكن ما جدوى كل ذلك، والبلاد تسير لكي تكون جزراً متقطعة، وشظايا متناثرة، وملعباً لعراك المصالح الكبرى، وقطعة في شطرنج الاستراتيجيات الدولية، طويلة المدى؟! ويبدو أن الإنقاذ قد وصلت إلى حدٍ من انغلاق أفق الرؤية جعلها غير قادرة على النظر، حتى تحت قدميها. إنها تسير بنفسها، وبالبلاد إلى كارثة، وهي تترنم بالألحان الشجية، تعبيراً عن نشوة الفوز بانتخابات غدت غايةً في ذاتها!! والعمى "خشم بيوت"!! إن حال الإنقاذ اليوم، وحصيلتها من حيث الكد الطويل، غير المنتج، الذي لا ينفك يعيد الأمور إلى ما قبل المربع الأول، لحالٌ يحكيها، أفضل ما تكون الحكاية، قول الشاعر: ((وقد طوَّفتُ في الآفاق حتى، رضيت من الغنيمة بالإياب))!! لم تخرج الإنقاذ من كل الحرب الفظيعة في الجنوب، وفي الشرق، وفي جبال النوبة، وفي جنوب النيل الأزرق، وفي دارفور، ومن كل القتل، والتعذيب، والتشريد للناس، ومن كل ما اعتور ذلك من التجريب الاعتباطي، بسوى ما لا يتجاوز (سلامة رويحتا). ويا لها من سلامة!! سلامةٌ بلا  جنوب، وربما بلا دارفور، وبشعبٍ مثقل القلب كسير الخاطر، وبلادٍ مهددةٌ بالتقطيع، والتعويق المستمر،  ورئيسٍ لم يعد يفعل أكثر من شراء الوقت، بغير هدف.

أمريكا الواقفة على أمشاطها!!

أحسست من تصريح قرايشن أنه يحاول أن يستبق شيئاً لا يريد له راسمو السياسة الأمريكية، أن يحدث، في الحالة السودانية القائمة. فلربما لا تكون الحركة الشعبية مع  الانفصال قلباً، وقالباً، وربما لا تكون مبيِّتةً النية لتحقيقيه. ولربما تكون الحركة ـ وهذا في تقديري احتمال ضعيف ـ لا تزال تحفتظ لنفسها بهامش حقيقي للمناورة، يمكن أن يفضي إلى وضعٍ يُبقي القطر موحداً، ويضعه في وضعٍ أفضل، لكلٍّ من الجنوبيين والشماليين. غير أن هذا الاتجاه لا يكون، في تقديري، محبذاً، حقيقةً، لدى الأمريكيين. فهو لا يحقق رغبتهم، في إعادة النظر في وضعية الصين، وتمددها المتنامي في القارة الإفريقية. أيضاً، لن يرضى من بقاء القطر موحداً، سدنة المشروع الصهيوني، الذين يرون أن يسير السودان في مسار التفكيك. وهذه خطة ينفذها نيابةً عن الإستراتيجية الأمريكية في أفريقيا، ونيابةً عن القوى الصهيونية الدولية، قادتنا نحن، قصيرو النظر، وعلى رأسهم أهل الإنقاذ. فالخطة المتعلقة بتفكيك السودان، قد ظلت تُطبخ على نارٍ هادئة، وظل الواقع يجسد تجلياتها، كل صبحٍ جديد. حكومة السودان الحالية ظلت مستهدفةً بسبب ما أسفرت عنه، منذ أيامها الأولى، حين كان على رأسها الدكتور الترابي، من نزعةٍ إسلاميةٍ، راديكاليةٍ، كوزموبوليتية. فهي قد ظلت تبدي تعاطفاً كبيراً، مع القوى الراديكالية الإسلامية، المناوئة للمشروع الصهيوني في المنطقة. وهو تعاطفٌ فجٌ غير منتج. فالسودان ليس دولة مواجهة مع إسرائيل، ولا هو رأس الرمح في حمل أعباء ما تسمى القضية العربية، وليس هو الدولة التي يشار إليها بالبنان، وسط العرب. كل ما نلناه من هذا التعاطف الفج، هو العزلة المطبقة، والشلل، والسير الحثيث في طريق الانهيار. نعم، يمتلك السودان طاقاتٍ ضخمةً كامنةً، يمكن أن تجعل منه قوة إقليمية كبيرة. ولكن، ليس هذا ما وضعه في مرمى مدافع الصهيونية. ما وضعه في مرمى مدافع الصهيونية، والمصالح الأمريكية في المنطقة، إنما هي "شلاقة" قادته، ضعيفي الإعداد، ضعيفي التجربة السياسية.  أصبح تحطيم السودان أولويةً مُلِحَّةً، بعد أن ظهر كبؤرةٍ للتطرف الديني. فالغربيون لم ينسوا الثورة المهدية، ولا هم ممن ينسون أبداً. وقد تقدمت أولوية السودان في التحطيم بعد أن نجحت جهود إخراج العراق من المحور الراديكالي العربي المزعج لأمن إسرائيل.

 

يعرف سدنة المشروع الصهيوني، وربما بأكثر مما نعرف، أن طاقات السودان الكامنة، طبيعياً، وبشرياً، لا بد أن تتفجر في يوم من الأيام، وتجعل من السودان قوةً إقليميةً، يُحسب له ألف حساب. هم، باختصارٍ شديدٍ، لا يريدون لتلك الطاقات أن تصبح سلاحاً في أيدي الراديكاليين الإسلاميين، الذين يتم استئصال شأفتهم، الآن، في كل مكان، وفق خطة طويلة النفس. لقد جنت الإنقاذ على نفسها، وعلى البلاد، وعلى الإقليم بانعدام الرؤية القاتل، وبالعوز من المفكرين الرؤيويين، وبإدارة البلاد، وسوقها بالعاطفة الفجة، (رزق اليوم باليوم)، وبالدعاوى العريضة، والخيلاء العقدي الأجوف. والآن، كما نرى جميعاً، فقد انحصر نظر الإنقاذ في هذه الانتخابات، وفي كسبها بأي ثمن. ولكن، هناك احتمال كبير جداً أن تجد نفسها، بعد أن تكسبها، مجرد "عمدة بلا أطيان"!!

 

في مقابلة سريعة، أجرتها قناة الجزيرة مع الصحفي المرموق، فيصل محمد صالح، على أثر تصريحات سكوت قرايشن الأخيرة، ذكر فيصل إن هذا هو أول تصريحٍ، يدلي به مسؤول أمريكي، وهو لا يزال على رأس وظيفته، ثم يرجح فيه انفصال الجنوب عن الشمال! ولقد فهمت من إشارة فيصل تلك، أن التوقيت، والقوة التي جاء بها التصريح، تقول، وبأعلى صوت: إن وراء الأكمة ما وراءها، وأن وراء التوقيت ما وراءه. ولو قرأنا هذا التصريح، مصحوباً بما تردد في الأنباء، قبل فترة وجيزة، من أن شركة تويوتا اليابانية، عرضت على حكومة الجنوب، تشييد أنبوبٍ لنقل النفط المستخرج في جنوب السودان، عن طريق موانئ شرق إفريقيا، على المحيط الهندي، وترحيب كينيا بالمقترح، لتكاملت لدينا قطع المعضلة، المبعثرة، ولتبدت، بجلاءٍ أكبر، خطة القوة الأعظم، وتصميمها على طرد الصين من المنطقة، والاستيلاء على حصتها، من غير أن تدخل معها في نزاع مباشر. كما أن علينا أن نقرن كل ما تقدم، بتصريحات القادة الجنوبيين، أنفسهم، حول نيتهم ـ في حالة الانفصال ـ مراجعة اتفاقيات النفط التي أبرمتها الحكومة السودانية في الشمال، مع الجهات العاملة في استخراج نفط السودان. والمعني هنا، على وجه التحديد، إنما هو النفط المستخرج من أراضي الجنوب، وما يتعلق به من اتفاقيات، كانت حكومة الشمال، قد أبرمتها مع الصينيين وشركائهم، في وقتٍ كانت فيه الحركة الشعبية، بعيدةً من موقع القرار السياسي.

أمريكا جاهزة لكل الاحتمالات!!

الأخطر في تصريح قرايشن هو قوله، "إن الولايات المتحدة جاهزة لكل الاحتمالات". هذه العبارة تعني، إن قيلت وهناك اتفاق مسبق مع الجنوبيين، أن الجنوب سوف يكون محروساً أمريكياً عقب الانفصال. وإن قيلت بلا تنسيقٍ مسبقٍ مع الجنوبيين، فهي تتضمن رسالةً إلى الجنوبيين بأن: سيروا في طريق الانفصال، ولا تلتفتوا للتهديدات، فلسوف نحميكم عسكرياً من أية تغولاتٍ عسكريةٍ، مستقبليةٍ، يمكن أن تأتيكم من جهة الشمال. ورغم أن قرايشن دعا إلى الانفصال السلمي، وأنه لا ضرورة للحرب، إلا أن العبارة القائلة أن الولايات المتحدة "جاهزة لكل الاحتمالات"، عبارةٌ منتقاةٌ بعناية، وهي عبارةٌ مشحونةٌ، وقد قيلت في وقت يفرض علينا قراءتها بعناية فائقة.

 

الشاهد أن الصورة غائمة، والسيناريوهات كثيرة، وكلها قابل للحدوث. إن الطرق المتشعبة، والنوايا والأجندة المختلفة، قد أخذت تلتقي اليوم على أرض السودان. فللولايات المتحدة استراتيجيات طويلة المدى، تتعلق بإفريقيا، وبتأمين الطاقة لنفسها. بوصفها الاقتصاد الأكبر، في العالم. وما من شكٍ أن مصير أكبر اقتصاد في العالم، لا يمكن أن ُيترك للصدف. وإنما يُحمى بالخطط التي يعرف أصحابها، كيف يبلغونها هدفها. أما حكومتنا، فهي غارقة حتى أذنيها في عبادة ذاتها، تتطلع بنشوةٍ عارمةٍ لانتصاراتٍ هلامية، في انتخابات بلا أفق، ولا هدف، قلنا عنها أعلاه أنها انتخابات أصبحت غاية في ذاتها. أما المعارضة، فلم تبرح ألاعيبها القديمة قيد أنملة. فالطامة على الأبواب، وقامات قادتنا بالغة الضآلة، ونحن جميعاً مجرد "بطَّةٍ جالسة"، في انتظار أن يصوب عليها الصياد. فهل أنا متشائم، ويائس؟! لا وألف لا!! إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فالسودان ظل عبر تاريخه بلاداً تصنع المفاجآت، بل، والمعجزات. والأمل في حدوث معجزةٍ جديدةٍ تخرجنا من هذا الحجر المظلم، قائمٌ، وما ذاك على الله ببعيد!!

 

آراء