ووقعت الواقعة في مصر !
د. على حمد إبراهيم
13 July, 2013
13 July, 2013
كاتب هذه السطور مقيم فى قاهرة المعز لدين الله الفاطمى منذ عام ونيف . وقد اتاحت له هذه الاقامة ان يكون مراقبا عن قرب لكثير من التطورات العلنية والخفية التى عبر عنها بكثير من الخوف والاشفاق : الخوف على الكنانة وعلى شعبها الشقيق الممراح ، وعلى ثورتها التى تبنى عليها الاجيال العر بية الصاعدة الكثير من الامال . وبهذه الخلفية سكب كاتب هذه السطور كثيرا من المداد فى الشهور القليلة الماضية نبه من خلالها الى خطورة اتساع دائرة التنازع والكراهية بين الكتلتين السياسيتين الاكبر فى المجتمع المصرى واعنى بهما الكتلة الليبرالية والكتلة الاسلامية . وسود كاتب هذه السطور صفحات كثيرة تحدث فيها عن عن النذر المخيفة التى اخذت تتبدى للعيان فى المجتمع السياسى المصرى جراء تمدد حيز الكراهية المتبادلة بين هاتين الكتلتين الكبيرتين الى خارج الحدود المقبولة. ونبه كاتب هذه السطور بصفة خاصة الى خطورة مسعى المعارضة الليبرالية الى اسقاط الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى ليس عبر الوسائل الشرعية التقليدية المتاحة فى المجتمعات الديمقراطية من برلمانات واستفتاءات بعيدا عن ما عرف فى مصر فى الشهور الماضية بشرعية ميدان التحرير التى كثيرا ما صعب على المراقبين ان يفرقوا بينها وبين شرعية اخذ القانون فى اليد وتطويعه حسب رغبات واهواء المتنازعين . لقد نعى كاتب هذه السطور على المعارضة الليبرالية اكثر من مرة رفضها تقديم بعض التنازلات الضرورية للرئاسة ، ورفض هذه المعارضة التعامل مع الرئاسة بالاحترام الامثل باعتبارها رئاسة جاءات بارادة شعبية انتخابية نزيهة . ونعيت عليها كذلك الاسراع الى اساليب التحدى والعنف اللفظى ضد الرئيس المنتخب والتحريض على الخروج عليه بشتى السبل والوسائل غير الديمقراطية . بل وتعمد تجريحه واهانته بالفاظ و صفات مقذعة وغير لا ئقة الامر الذى استفز الرئاسة المصرية وحملها على ان تستجيب للاستفزاز بصورة خرجت فيها فى بعض الحالات عن الحدود الديمقراطية المقبولة مثل اعتقال الصحفيين وسجنهم بتهم الاساءة الى شخص الرئيس . المعارضة الليبرالية كانت عاجزة عن الحاق الهزيمة السياسية بالرئاسة المصرية فى الميادين المشروعة مثل اقناع الشارع الشعبى و تحريكه باعداد كبيرة الامر الذى دعاها للتحريض على الرئيس باساليب كثيرا ما خرجت عن الحدود القانونية و صارت اقرب الى التفلتات التى يحاسب عليها القانون منها الى الخلاف السياسى المشروع . و كان ممكنا للرئاسة منذ وقت مبكر اخذ الحيطة والحذر ضد تلك التفلتات المخالفة للقانون ايقافها فى وقتها بالطرق القانونية . ويمكن ذكر بعض ممارسات المعارضة الليبرالية المتفلتة التى كان يمكن ان يحاسب عليها قانونيا الذين مارسوها ، مثل الدعوات التى كانت توجهها جماعات ناشطة سياسيا الى وزير الدفاع تدعوه من خلالها الى اعادة تدخل الجيش فى العمل السياسى . وقد وصلت تلك المجموعات فى شططها السياسى المتفلت درجة جمع توقيعات علنية فى هذا الخصوص قدمت الى وزير الدفاع تدعو لعودة الجيش للحياة السياسية فى مخالفات مفتوحة للقانون وللأسس التى ارتضاها الشعب وثورته لمستقبله السياسى . كثيرون فسروا عدم ايقاف وزير الدفاع لتلك الممارسات بصورة حاسمة بأنه نوع من الاضواء الخضراء الكاشفة . كاتب هذه السطور كتب فى حينه منتقدا تلك الدعوات . واستغرب عجز الرئاسة المصرية فى التحرك الفورى الحاسم ضد تلك المجموعة المتفلتة . ونبه الى أن النار تأتى دائما من مستصغر الشرر. اعتبر كاتب هذه السطور دعوة الجيش المصرى للانغماس فى الحياة السياسية دعوة بئيسة .
الآن وقعت الواقعة . وحدث ما حذر منه الخائفون من ان يتسع خرق الممارسة الديمقراطية على الراتق . لقد قدمت الرئاسة المصرية بعجزها مبررات الاطاحة بها لخصومها فى صحاف من ذهب . الامر الذى ادى الى تدخل الجيش المصرى المهنى واطاحته لرئيس منتخب انتخابا ديمقراطيا حقيقيا لأول مرة فى تاريخ مصر منذ عهد مينا الأول وحتى يومنا هذا . ويخشى المشفقون على مسيرة الديمقراطية المصرية ان تكون خطوة اطاحة رئيس منتخب ، والغاء نتائج انتخابات شرعية صحيحة هو تكرار للسناريو الجزائرى فى اوائل تسعينات القرن الماضى الذى لن تسقط من الذاكرة العربية صور انهار الدماء التى سالت فى ارض المليون شهيد عندما الغى الجيش الجزائرى نتائج انتخابات شرعية صحيحة وافتتح على الفور ابواب جهنم على الشعب الجزائرى الذى ما زال يعانى من آثار تلك الجراح الغائرة حتى اليوم . الصدامات الجارية الآن بين مؤيدى الرئيس المقال وبعض الاطراف العسكرية تدق ناقوس الخطر . ولكن يبقى الأمل فى ان تقدم جماعة الاخوان المسلمين موقع مصر على موقع االرئيس. موقع الرئيس قد يعود الى الجماعة فى يوم من الايام ، ولكن موقع مصر فى عيون العالم لن يعود كما كان اذا سمح ابناء مصر ، لا قدر الله ، لتلك الصورة ان تهتز . العظة الكبرى التى قدمتها وتقدمها الاحداث الجارية فى ارض الكنانة تقول ان فلسفة التمكين التى نفذها الاخوان بشغف معتوه فى السودان لم تنجح لا فى السودان ولا فى جارة السودان و شقيقته الكبرى . ففى السودان نتج عنها تمزيق وطن كان بحجم قارة و فى ام الدنيا نتج عنها طرد اول رئيس منتخب فى تاريخ وادى النيل . ولا يجادل احد ان النتيجتين كانتا بائستين ، وباعثتين على الشماتة والتندر !
Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]