ويسألونك عن مشروع سندس الزراعي … بقلم: هاشم بانقا الريح

 


 

 

hbrayah@yahoo.com

 

 

الوصول إلى منطقة جبل أولياء، حيث تسجيلات أراضي مشروع سندس الزراعي، ليس سهلاً خاصة لمن كان مثلي يأتيها من أم درمان و"يمتطي" المواصلات العامة ذات التعرفة الرخيصة، والحركة السلحفائية، والتوقف المستمر الممل، لكن على أية حال كان لابد من الوصول إلى مجمع محاكم جبل أولياء حيث يقبع قسم التسجيلات الذي منه يمكن الحصول على شهادة البحث الخاصة بقطع أراضي مشروع سندس الزراعي، هذا المشروع الذي كاد أن يبلغ العشرين عاماً من عمره ، وما تزال أحلام مالكيه تراوح مكانها رغم ذهاب إدارة المهندس الصافي جعفر واستبشار المالكين بأن العهد الجديد سيحمل لهم مفاجآت لاسيما بعد أن رأوا على شاشات التلفزيون الرسمي ما قيل أنه "بشريات" المشروع، وربما قرأوا أن الفرج آتيهم وأن السنين العجاف التي قضوها ستعقبها أعوام فيها يغاثون ويعصرون، لكن يبدو أن أمام مالكي أرضي مشروع سندس الكثير قبل أن يزرعوا سنين دأبا، وقبل أن يفكروا في  تسويق ما يحصدون.

نسيت أن أقول لكم أنه قبل هذه الزيارة لتسجيلات أرضي جبل أولياء كان لابد من القيام بزيارة لإدارة المشروع للوقوف على آخر المستجدات. والحق يقال أن الإخوة في إدارة الإعلام وكذلك المستشار القانوني كانوا لطيفين في التعامل رغم أنهم لا يملكون معلومات كافية عن تطورات المشروع وكان حري بهم أن يكونوا ملمين بكل صغيرة وكبيرة، وألا يكتفوا فقط باحالتك إلى الموظف المختص في موقع المشروع.

 بعد مضي ما يقارب العشرين عاماً بعد قيام أول دفعة من مخضرمي مشروع سندس الزراعي من دفع ثمن أراضيهم بالدولار الأمريكي، بعد مضي هذه المدة الطويلة، ربما تتوقع هذه الفئة أن يكون تعامل الإدارة معها مختلف، ولكن الأمر ليس كذلك أبداً أبداً. 

داخل قسم تسجيلات أرضي جبل أولياء والساعة قد تجاوزت الثانية عشر من ظهر يوم الأحد الحادي عشر من شهر يوليو 2010م، كنت الوحيد وكنت أعرف أن عليّ أن أدفع رسوم قال لي موظف بإدارة المشروع قبل نحو أسبوعين أنها سبعين دولاراً أو ما يعادلها.. نعم سبعين دولاراً.. ليست ديناراً ولا جنيهاً سودانياً.. فتأمّلوا!!

ذهبت إلى هناك وأنا أفكر في كيفية حساب ما يعادل هذه السبعين دولاراً بالعملة المحلية التي سأدفع بها، هل سأدفع بسعر صرف بنك السودان، أم بالسعر السائد في السوق التي لم تعد تسمى سوداء بعد أن تم تقنينها بوجود الصرافات المنتشرة بصورة واسعة والتي يزيد سعر صرفها عن السعر الرسمي.

فاجأني موظف تسجيلات الأراضي بأن طلب مني الذهاب إلى السوق وإحضار جريدة ليعرفوا سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني حتى يتم تحديد المبلغ الذي سأدفعه مقابل تسجيل قطعة الأرض وبالتالي استلام شهادة البحث. لا أخفي عليكم أنني غضبت غضبة مضرية وصحت في الموظف: (أجيب جريدة أنا ليه؟ إنتو إدارة حكومية المفروض إكون عنكم جرايد، ليست المشكلة سعر الجريدة ممكن أدفع سعر أكثر من جريدة، لكن المشكلة عدم وجود نظام.. أنا لا أدافع عن نفسي ولكن عن كل الذين سيطلب منهم ذلك.) وطلبت مقابلة رئيس المكتب، ولكن لم تتم الاستجابة لطلبي، وطلبوا مني أن أنتظر على كرسي.. وقالوا لي (نحن حا نجيب الجريدة ولكن إنت حا تتأخر)، فقلت لهم ما مشكلة. المهم بعد فترة طلبوا مني أن أذهب للمحاسب ودفع الرسوم التي كانت 171 جنيه (أي 171 ألف بالقديم الذي ما يزال يستخدم على نطاق واسع).

أخيراً استلمت شهادة البحث التي كُتب عليها في الجزء الأيمن العلوي: (أورنيك تسجيل الأراضي نمرة 18) ، وفي المنتصف: (شهادة بحث – قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لعام 1925م)، وفي الجزء الأيسر العلوي تحمل شهادة البحث  شعار القضاء السوداني، ومختومة مرتين بختم مكتب تسجيلات أراضي جبل أولياء. لكن المشوار المثير لم ينته بعد أيها القارئ الكريم وبينكم – لاشك- ممن يهمه أمر مشروع سندس الزراعي. بعد استلامي لهذه الشهادة مباشرة اتصلت بالسيد عبدالحفيظ الذي لا أعرفه شخصياً ولكن إدارة المشروع عندما زرتها قبل أسبوعين زودوني باسمه وتلفونه وقالوا لي أنه متواجد في موقع المشروع للتسليم على الطبيعة وتوفير المعلومات عن موعد الزراعة. اتصلت بهذا الأخ الذي طلب مني الاتصال برقم موبايل آخر خاص بشخص آخر اسمه (هيثم) على ما أظن، ولا أدري إن كان موظف في المشروع أم في جهة أخؤى، فكل شيئ هنا جائز. اتصلت بهذا الهيثمبه، وبعد أن طلب رقم القطعة، قال لي: (ما حا يكون في زراعة في الخريف دا لكن ممكن في الشتاء.) قلت له شهر كم يعني، قال شهر حداشر. وطلب مني أن أحضر قبل ذلك أي حوالي شهر عشرة للتأكد من ذلك ودفع رسوم الاستلام التي حددها بخمسمائة جنيه ( أي خمسمائة ألف جنيه). فوجئت تماماً وربما يكون بعض المالكين قد فوجئوا مثلي من كثرة هذه الجبايات التي لا تتوقف، وهي لم تعد مستغربة من جهات تطلب منك شراء الجريدة لمعرفة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه حتى تدفع لهم بناءً على ذلك.

تأمّلت الجباية الجديدة المتمثلة في نصف المليون جنيه، التي تنتظر من يودون استلام، ولم أقل استغلال، أراضيهم في مشروع سندس، إذ ربما تظهر المزيد من الرسوم التي لم تكن مطروحة من قبل، وهي رسوم وقتيه تفرضها الإدارة بمزاج غريب وحسب الظروف. إذ كيف يُعقل أن يظل من دفع آلاف الدولارات قبل ما يقارب العقدين من الزمان يجهل أي معلومة عن هذا المشروع، ويظل غير مستفيد مما دفعه طوال هذه المدة، وبدلاً عن الاعتذار له والتعامل معه بطريقة تمسح بعض ما لحقه من حيف وجور، نجد غياب تام للمعلومة، وتسويف ونكث بالوعود، ومع ذلك المزيد من الجبايات!!  

 

لقد أمنت إدارة المشروع أي تحرك من جانب المالكين، ولذا تمادت في عدم الوفاء بوعودها، وهي وعود ظلت تتكرر منذ ما يقارب العقدين من الزمان. ولا أظن أن المالكين في وضع يمكنهم من التحرك الجماعي لانتزاع حقوقهم، ولذا يظل أي شيئ يقدم لهم يستقبلونه بالكثير من الرضاء والغبطة وكأنه هبة جاءتهم من السماء، و"مكرمة" تفضلت بها عليهم إدارة المشروع، ونسوا، بل تناسوا، أنهم دفعوا من حر مالهم شقاء السنين ومدخرات أولادهم على أمل أن ينعموا بشيء من الاستقرار في وطنهم.     

 

آراء