سوف يتم غدا دفن شمعة افريقية لا يزال وميضها يشع ، لا ادري كيف سيتحمل التراب وميضها وكيف يقدر صمت الموات على الصهيل!!! لو كان الموت استكانة كما الضفادع ، لأنتفضت مثل هذه بعد شتاء الاستكانة ثانية ، لتعلم الناس معنى النضال ومعنى الوطن !!! منذ وصولي لجنوب افريقيا في 1996 ، كنت مشغولا وشغوفا بمتابعة قبس بدالنضال الجنوب افريقي في شخوص ابطاله الأحياء واتحين اللقاء كما يتحين العاشق معشوقه، وكنت اتتبع الاثار على الأمكنة واحضر كل لقاء يسير لأتابع مشغوفا أخبار المناضلين الجنوب أفريقيين ، وبنفسي شيء من الدهشة والتقدير لنضالهم الطويل منذ 1652 حينما دخل المستعمر الهولندي لمنطقة الوسترن كيب على سفن شركة الهند الشرقية في طريقها الى مستعمرتها النائية الهند. والشغف نفسه منذ نعومة أظافري ومنذ ان تأثرنا في الثانوية في السبعينات واسرتنا رائعة آلان بيتون ، المناضل الأبيض ، والتي عبر بها عن جمال وقمة الانسانية، عندما يعبر الانسان حدود اللون ، وحواجز الأنا ، والتوجس من الاخ، الى حال تلبس اوجاعه ووجدانه ، يبكي معه ويألم له ويدافع عنه في كل انحاء العالم برائعته (cry the beloved country ، إبك يا وطني الحبيب ) ، حتى تلبسنا نحن وجدان ألن بيتن ونحن نتوهد مع دكتور خومالو بين وهاد الايلوفو في أقليم الناتال حتى ضاحية الاكساندرا وصوفيا تاون في ضواحي جوهانسبورج . عرفنا حينها كيف ان هذا القطر الافريقي الشقيق والحبيب كيف عانى اهله وكيف ظلم الانسان فيه ، ظلم لم يحكى عنه الا القليل ، فأعجبنا بحراك المناضلين الجنوب افريقيين ودورهم اعتبارا من القائد الأفريقي في منطقة الكوازولو ناتال ، شاكا زولو ، ومؤسس حزب المؤتمر الوطني الافريقيى ،بيكسلي كا ايساكا ، واوليفر تامبو ، وولتر سيسولو، قوفان امبيكي ،استيف بانتو بيكو، نيلسون مانديلا ،كريس هاني ومناضلتنا المظلومة ويني مانديلا ، والمناضلين البيض ايضا،جيمي كانتور (محامي مانديلا )، جورج بيسوز (الذي زار السودان بصحبة مانديلا وسكنا في القراند فيلا 1962 )، جو سلوفو ، الان بيتون (صاحب كتابة ابكي يا وطني الحبيب )، هيلين جوزفن، هيلين زيلي ، هاري ابونيمر ، والكثير منهم وكان شد ما يثيرني هو نضال البيض ضد ابناء جلدتهم ،والخروج بالنفس من الانا ومن العصبية الى رحاب الانسانيات التي انسابت لنا مثالا و ادبا كما ورد في ايقونة ابكي يا وطني الحبيب ، واعجبت ايضا بالمناضلين الهنود، عبدالله عبدالرحمن ، د. يوسف دادو ، احمد كاترادا ، فاطمة مير ، ومهاندس المهاتما غاندي والذي علم العالم من هنا ، رمزية جديدة من النضال تمثلت في المقاومة السلمية passive resitsance ، والتي بدأها في منطقة الناتال يوحد ويقود الهنود والسود ضد الفصل العنصري في جنوب افريقيا وعينه على الهند ، وكيف ضرب هذا الرجل مثالا كان بمثابة قبس وقبضة من أثر الانبياء والرسل ، في الصبر والاناة وبذل الإقتداء النبيل . لكن ويني الزنبقة السمراء الشارفة في القوة والجمال والفتوة والنضال ، السامقة المثال للمرأة الافريقية والإنسان الجنوب أفريقي ، كانت دولة لوحدها وكانت جيش لحالها وكانت استثنائية في كل شيء ، لم يغرها جمالها ولا مكانتها من مانديلا ولا قيادتها ولم تجبن وترتعد امام اكبر قوة غاشمة في العصر الحديث بعد هتلر بل كانت أقسى منه في كل شيء ، الناس ممن هم دونها في النضال كانوا يقتلون ويطحنون ويفرق رمادهم ويذرى في المحيطات وويني تعلم ذلك ولا تهاب ، الذين دونها يسحلون ويسحبون على بطونهم لمئات الاميال وهي تدري ولا تبالي ، بل نالت نصيبها من ذلك في سجن بريتوريا بأقسى ما يكون وما ونت ولا لانت. الكثير من الناس يربطون شخصية ويني مانديلا على انها ضلع من زوجها نيلسون ويظنون انه اذا لم يك مانديلا لم تك ويني بطلتنا العنيدة ، و ان شعلة ويني انما اشتعلت بعد زواجها من مانديلا ، وقد كونت الكريزما التي تتحلى بها لعلاقتها به ، الإ ان الفراشة السمراء والمرأة الافريقية الحديدية التي كانت شخصيتها وقوتها تطغى على مانديلا نفسه في كثير من الاحيان ،، وقد وقفت ضده في كثير من المواقف ، وقفت ضده في منبر خطابي في المانيا، عندما تحدث سلبا عن الزولو ، ووقفت ضد خياره في المصالحة مع البيض والتي افضت للاتفاقية التي اخرجته من السجن ، واوجدت جنوب افريقيا في شكلها الحالي ، على ان كل الاتفاقية ظلم وان البيض ما زالوا يستولون على مقدرات البلاد وان السود ما زالوا هم المستضعفين في بلادهم وان الاتفاقية ليست جديرة بالاحترام لانها وطنت الظلم الابيض وقننته ، واختارت هي النضال قائدة للشباب وللنساء ومشعلتة الثورات في كل مكان منذ ثورة يونيو في سويتو والتي اجبرت البيض للتنازل رويدا رويدا والى نادي مانديلا الرياضي المتحد والذي ثأرت من خلاله لجنوب افريقيا في كثير من البيض وفي السود الذين يمالئونهم . وقفت الزمبقة السمراء امام لجنة الحقيقة والمصالحة في 1998 والتي سعدت بحضور جلساتها ، وكانت دواخلي حينها تختلج بالخوف لادانتها ومسح كل صفحات نضالها البيضاء ، لكني كنت انعم ايضا برؤية تلك المرأة المدهشة وهي تترافع عن دورها في نادي مانديلا الرياضي المتحد واعضاءه ، ذلك النادي الذي أسسته لجمع الشباب لتحريكهم للنضال ضد الأبارتايد ، وترأسه في حي اورلاندو في ضاحية سويتو جنوب غربي جوهانسبورج ، وقد خرجت بجرأتها ورباطة جأشها من تحقيقات لجنة الحقيقة والمصالحة دون ادانة بقتل بعض الشاب استومبي وغيره ، الذين كانوا عينا للبيض على النضال ، فدس البيض عليها وحاكوا حولها الشائعات والاكاذيب والتي اتضحت عندما حضرت أم الشاب استومبي نفسها في عزاء ويني وهي تنفي مقتل ابنها على يد مناصلتنا الجسورة . وكثير من الناس يرمي انفصال مانديلا عنها على انه خانته مع المحامي الشاب دالي مفويو ، لكنها كانت لا تخفي علاقتها معه وكان ذلك على علم السيد مانديلا نفسه باعتبار ان السجن الذي حال بينهما لمدة 27 عاما لا يمكن ان تتحمله وحدها وتتحمل اعباء كل شيء ، وباعتبار ان مانديلا حتى خروجه من سجنه كان يتقرب اليها ويعذرها وقد حضر معها كثير من المحاكم وكأن شيئا لم يك ، ولا نبريء البيض ايضا من الدس والتشويه لهذا الأمر ، حتى لا يلتقي مانديلا بويني بعد السجن الطويل وبعد ان يستلم الحكم بويني المناضلة الجسورة حتى لا تفسد على البيض الاتفاقية التي اخرجت مانديلا وهي لا ترتضيها. في كتابه ملحمة الحرية the Odyessy of freedom بين المناضل والمحامي جورج بيزوص والذي كان صديقا لصيقا بها وبمانديلا ، أكد بما لا يدعو للشك بأن شخصية ويني القوية واعتدادها برأيها ومخالفتها لمناديلا في كل ما ذكر أعلاه هي المآخذ التي حدت الى الفراق بينهما وانه لا يستطيع أن يلجم رسن مهرة لا تعرف الرسن ولا القياد. سيشق وهج ويني حجارة القبر ثانية ، وسيعود صوت قائد يقود الناس في الشوارع ثانية ، حينما يكتشف الجنوب افريقيين ان مناضليهم قد اخرجوا من اقبية الزنازين ومن سجن ضيق وحرمان الى سجن واسع مفتوح بسبب الظلم المستدام بسبب ثغور الاتفاقية التي اعطتهم الحكم والمصغبة ، واحتفظت بالاقتصاد للبيض، بمثل ما ترفضه ويني وتأباه. الرفيع بشير الشفيع نائب رئيس منظمة سوكارا جنوب افريقيا 2018/4/7 rafeibashir@gmail.com