يا أهلى فى الجنوب: سوف يورق الزهر يوما وينمو البرتقال !! … بقلم: د. على حمد ابراهيم

 


 

 


   المؤتمر  الذى  دعا  اليه  الامين العام  للامم  المتحدة  فى   الرابع  والعشرين  من سبتمبر  الماضى  فى نيويورك  للتفاكر  حول  موضوع  استفتاء  تقرير مصير  جنوب  السودان  اتى  بنتائج  عكسية  لدعاة  استمرار الوحدة  بين  طرفى  البلد  ،  وشجع  فى المقابل  العناصر  الانفصالية  فى كل  من الجنوب  والشمال  لكى ترفع  عقيرتها  الانفصالية  بجرأة اكثر  ،  بعد ان تأكدت  هذه  الجماعات كيف أن  مؤتمر  الامم المتحدة _  فى  حقيقته- ما هو إلا  مؤتمر تسيير وتسهيل  وتوضيب  لمشروع  انفصال  يسميه الذين  تداعوا  لحضور ذلك المؤتمر استقلالا   وليس انفصالا باعتبار  الشمال كيان مستعمر  للكيان  الجنوبى  اكثر  منه  لأى شئ آخر !  فعلى  كثرة  المتحدثين  ،  وكثرة  تنوعهم  السياسى ،  والجغرافى ، والثقافى ،  لم  يفتح  الله  على  واحد   منهم  ،  و  لا  لمرة  واحدة ،   بأن  ترد  كلمة   الوحدة   على لسانه !  كان  هم   كل  قادة العالم  الذين  تقاطروا  على ذلك  المؤتمر  البدعة  هو  فقط  الالتزام   بتاريخ  التاسع   من يناير القادم  المقدس  ، الذى  حددته  اتفاقية  نيفاشا  موعدا  لتصويت  شعب  جنوب  السودان  لتقرير  مصيرهم  السياسى – هل  يبقون   فى   السودان الموحد   ام ينفصلون  فى دولة جديدة .  وقد  جعل  قادة  العالم  الذين  حضروا  ذلك  المؤتمر  - جعلوا  تاريخ  التاسع  من يناير  تاريخا  مقدسا  ، يبدأ به  الكلام  وينتهى  عنده  الكلام ! حتى  لم   يعد  يخفى  على   كل  من استمع  او  شاهد   مؤتمر الزينة  ذاك  ، الذى  حشد  له  الامين  العام  للامم المتحدة  كل  قادة   العالم  فى  صحى  نيويورك  الصاخبة – كما حشد  رمسيس الأول ، فرعون موسى عليه  السلام الناس فى ضحى يوم الزينة لكى يشهدوا السحرة  ويتبعوهم ان هم قهروا النبى الكريم بسحرهم . نعم ، لم يعد  خافيا  عليهم  ان    اجتماع  الزينة ذاك ما هو الا  اعتراف  مبكر بدولة  الجنوب  الجديدة  حتى  قبل  ان يذهب  شعب  الجنوب  الى صناديق  الاقتراع   ليقول  الكلمة  الفصل . وربما يكون ما دار فى نيويورك هو  الذى  قد  حفّز  رئيس  حكومة  الجنوب  لكى يبلغ مستمعيه الامريكيين بأن شعبه سوف يصوت باغلبية  كبيرة  للانفصال لما تولد لديه من احساس وقناعة بأن الأمر قد  قضى بالفعل  . بالطبع  تصريحات السيد سالفا كير تلك هى خروج مباشر عن نصوص      اتفاقية  السلام التى تلزم شريكى الحكم بأن يقدم  الحديث عن الوحدة  على  ما عداه  من حديث .  ولكن  الرجل  رأى  حميمية  الجمهور الدولى   الذى  جمعه  الامين العام  للامم  المتحدة على  عجل -  حميميته   المبطنة  للانفصال فقرر ان يقولها على رؤوس الاشهاد انشعبه سوف يختار الاستقلال كأنه يؤيد الايحاءات المبطنة التى توحى بأن الجنوب كان مستعمرا من قبل الشمال اكثر من كونه كان جزءا من وطن واحد لاكثر من قرن من الزمن .    لقد  كان مؤتمر  الامم المتحدة   فى  نيويورك مؤتمرا  امريكيا  ومؤتمرا  اوروبيا مع ملحقات افريقية ، و يهودية .  و منظمات عالمية  متعددة الجنسيات والاتجاهات  والأهواء  والاغراض  وهى تتلمظ  وتنظر فى شراهة  فى حال ومآل  البلد القارة الذى اصبح بقدرة قادر فلاة خلوية غاب ذووها فاصبحت  مطروحة على الشيوع الدولى  . بعض الجهات والمنظمات ذات الاغراض  والاهواء والاهداف االبعيدة  تمنى نفسها  بوليمة  الفرح  الكبرى على انفاض دولة غالبية  سكانها  يموج  فى  صدورهم  هوى  الثقافة  العربية  وتتجذر  فى   افئدتهم  العقيدة  الاسلامية .  واخذت تعد العدة للخطوات   التالية   فى  دارفور  والشرق وكردفان  بعد  ان تأكدت من وقوع الفأس على الرأس الشمالى فيما يختص بالجنوب . سوف يشعللون دارفور  وكردفان     فى  المرحلة  القادمة  ليقيموا  سرادق  العزاء  الكبير  فى  البلد  الكبير  الذى  هيأ لهم  قادته كل  الفرص  لانجاح  مخططاتهم  بحروبهم  الجهادية  ضد بعض شعبهم !  واقصاء كل شعبهم عما يدور فيه  وعما يحاك حوله من امور .  وبانفرادهم  بأمر  البلد القارة  الممتد  فى  الماضى  السحيق  مثل مسارات  ومسارب التاريخ !  لقد  أقصوا  الجميع   قسرا  الا من رحم  ربك  أو  توالى  من تقية  و من عوز .   ويمموا  وجوههم  شطر  الخارج  يبتغون  عند ه النصح  والمشورة و الولاية  والهداية . وهرع  اليهم  الخارج  فرحا  بالنطيحة الموقوذة  المتردية  التى جاءتهم  وفى  جنباتها  فتوق  وجروح  اتسح  عوارها  على  الطبيب  المداوى ،  على  كثرة  ما انبهل  اليها  من  المداوين  الهواة ،   تنزلوا  عليها  فى  ليل  بهيم  نامت فيه  نواطير  البلد  القارة  من نعاس  ومن  رهق  ، حتى  الفى الوطن القارة  نفسه  و قد  ضاقت جنباته من كثرة ما  توافد عليه  من   هواة التجريب  والباحثين  عن الشهرة    وعن  امجاد  يتصيدونها من  خارج  حدودهم !
 لقد  فتح  مؤتمر  نيويورك  عيون  أهل الانقاذ  لترى  الأسوأ القادم  بعد حين .  ولأن اللوحة من  وضوحها  لا تحتاج لعيون زرقاء اليمامة ، فقد  هرع  القوم عائدين  الى ديارهم ، وهم يتخافتون أمرا ،  وقد  خلفوا  وراءهم  كل  احلامهم  التى  جاءوا بها  الى  مؤتمر  الزينة  الأممى .   نائب  الرئيس على  عثمان  طه  يبح  صوته  ،  و هو  يستجدى  موقفا رمزيا  من مؤتمر الزينة الأممى  لصالح  وحدة  بلده  التى فرط  فيها  قومه  بالأمس  القريب بالغرور  الأصنج   وبالجشع  السلطوى  الغشيم  ، يريد انقاذ  ما  يمكن انقاذه  هو  من  براثن  المستحيل .   و لا  بد  أن  نائب الرئيس  ، و هو  رجل  لمّاح  يعترف  له خصومه  قبل  اصدقائه ،   وكاتب  هذه السطور  احدهم ، يعترفون  له   بحسن الدراية   والقدرة  على  التدبير  الحسن  ان اراد ،  لا بد  انه قد  عرف  من مجريات  مؤتمر الزينة  الأممى  فى  نيويورك أن الخرق قد  اتسع   على الراتق . بل ويريد  كثيرون  رمى  كل  الخرقة  فى  سلة المهملات . والخرقة  التى اعنى  هى  وحدة  بلد محجوب شريف الحدادى المدادى حمانا الله من محنة نعيه  للملأ بعيون مقروحة من الأذى والأسى . ربما عرف نائب الرئيس انه  قد اقبل  على نيويورك   فى الوقت الخطأ . و أنه جاء  يطلب العون من  المكان الخطأ .  فقد  رأى  نائب الرئيس  كيف  أن  القوم قد  صموا  وعموا ثم صموا وعموا .  ربما  لأن  طلبه كان عزيزا  ، و لا  يقدرون على انجازه .  ربما  لأن  قطار  الوحدة   قد غادر  المحطة   منذ  زمن  ليس  بالقصير ،   و لم  يعد  فى   الامكان  اللحاق   به  ،  او  توقيفه و هو  ينطلق  بسرعة  تايوتا  هيبرد  لا   كوابح   لها !  هل ادرك  نائب الرئيس او تذكر   قول القائل المحتار الشاكى "  كلما  حاولت  التسديد  حولوا قوائم المرمى "  فأمريكا  التى دنا  عزابها  ذات يوم  لا تريده  ان  يسجل  فى  المرمى  بعد  أن أقصى جبهته الداخلية   ، و  ربعه  وعشيرته  الاقربين  من استصغار  وازدراء  و جاءهم فردا  ميمما  شطر  فلاة  لا نقع  فيها لظامئ للوحدة ،  و لا  برد, !  لقد  اسفت  على  الرجل المأمول  الذى  كنت اعرفه  فى  الحبيبة  ام الجامعات ، اسفت عليه وهو  يتيه  فى  أكمة  المهرجين  ! ان تهديد الجنوبيين بالطرد  من  الشمال  حال اختيار  الجنوب  للانفصال  أو منعهم  من  التداوى  فى   مستشفيات  الشمال   ولو بحقنة  واحدة  ، يعنى  ان  الغضب   المضرى  سيطال حتى  الجنوبين  الوحدويين  الذين  سو ف  يتعذر  عليهم  ان  يضعوا  علامات على  وجوهم  تثبت انهم لم يصوتوا  للانفصال !
لقد  بدا  الآن أن  القوم  الذين سافروا  بالمئات   لحضور مؤتمر  الزينة  الاممى على حساب  دافع الضريبة السودانى الذى  يخر جيبه   المثقوب  من العدم ، بدا  انهم  عادوا  من  مؤتمر  الزينة  وقد اختلجت  صدورهم  من غضب مضرى ومن فحيح  دونه فحيح كوبرا  سامة  ، اخرجها  السموم  من جحورها . فاخذت تلدغ يمنة  ويسرة   وتلقفت  العصبة  الانقاذية ذات  الاستعداد  الفطرى للصدام  كيفما  . و تلقفت جحافل  المهرجين  العتاة  موجة  الغضب   المضرى  القادمة  فى  جعبة  العائدين  من   مؤتمر  الزينة . رئيس  البرلمان  الاتحادى  ،  الذى  عرف فى  ازمنة الدراسة  بأنه  رجل  واسع  الصدر ،   قليل  الكلام ،  يفكر  طويلا  قبل  ان  يتفوه  ، و  لا  يرى   الا  متبسما  فى  وجه قبيله . هذا الرجل نقل عنه وصفه لأخوانه الجنوبيين بأنهم مواطنون من الدرجة  الثانية . ياويح  بلدى الحدادى  المدادى ، كيف ينتظر أن تكون  طريق  وحدته جاذبة  ،   يبدو  ان المكوث  فى  وظيفة  واحدة ،   ولمدى تجاوز العقدين ، يبدو انه  قد جلب  الملل والسأم  والضيق  الى رئيس البرلمان   فى  عقر داره .  عندما  نقل  لى  الناقل  هذا  الكلام  امسكت على  قلبى  الذى  ضاقت  شرايينه  من مرض  أعى الطبيب  المداوى ! امسكته من جزع   حتى    لا ينفطر  من الأسى  . وسألت نفسى :  هل  تبدل  السلطة الناس  وسلوكياتهم  بهذا القدر  .  لقد  عاشرت  السيد  رئيس  البرلمان الفدرالى  فى  خورطقت ،  وشاركته السكن  فى غرفة  واحدة  فى  جامعة  الخرطوم .   واشهد  ، كما  يشهد  غيرى ،  ان الرجل  كان قمة  فى  سمو  النفس ،  وحسن  الخلق  وصدق  الطوية .  ولكن بعد  التخرج  افترقت  بنا السبل  والمواقف  السياسية  . فقد  ضرب  الرجل  فى  اودية  السلطة   ومجاهل  الجاه  والسلطان  ، و ضرب  شخصى  الضعيف باسرته  الصغيرة   فى  مجاهل الدياسبورا  عن رضى  وطيب  خاطر  ، نأكل  يوما  من عمل  ايادينا ،  و نبيت  على  الطوى  والصبر  يوما آخر ،  حتى يأتينا رزق ربنا  رغدا  من  حيث  لا نحتسب . ولم  اعد مواكبا  للتعرجات التى  قد يكون الرجل  قد مرّ بها فى  هذا  الوقت  الطويل  حتى  اوصلته الى حالة لم يتورع فيها  من قول ناب كهذا  . ولكن عزائى  اننى اعرف   السودانييين  الجنوبيين  اكثر  مما  يعرفهم  زميلى  القديم . فقد ولدت  فى  الجنوب  فى  اقليم شمال اعالى  النيل .  واصبحت مواطنا  من مواطنى  اعالى النيل   ،   مركز الرنك  بالتوطن السرمدى  كما  تقول  اوراقى الثبوتية  القابعة  فى سجلات  وزارة  الخارجية حتى اليوم . واعرف  يقينا – لهذا السبب - أن مواطنى  الجنوب  الذين  نشأت بينهم    هم  ليسوا  مواطنين  من الدرجة  الثانية !  بل  هم  مواطنون  متساوون  مع اخوانهم  فى  الشمال  فى  كل الدرجات ،   علوا  وهبوطا  ،  شأنهم  فى  ذلك  شأن  كل البشر .  أقول  ذلك عن دراية  فاصلة .  فقد  ولدت  فى  اقليم  شمال اعالى النيل  . وتلقيت بعض  تعليمى  العام  فى  مدينتى  القيقر   وملكال . ونشأت  وسط  صحبة  من  الشباب  النادر من ابناء الجنوب  لم  اجد مثيلا  لبعضهم  من اقرانى  من الشمال . وعندما كبرنا  وكبرت طموحاتنا ، و تفرقت  بنا  السبل .  بقيت   صداقات  ذلك  الزمن   الصادق   ممتدة  بين  من  بقوا   على  ظهر  الحياة  يكدحون  باتجاه ربههم  ،   يطلبون  رحمته  وعونه  لهم  و لوطنهم  لكى  يخرج  من عظيم  عثاره. وأى  عثار اعظم  من  أن  يقول رئيس البرلمان القومى  مثل الكلام المتقدم ذكره . او ان  يذهب  مستشار  رئيس الجمهورية   الى بعض  الاطراف  المحتقنة  من الوطن  المجرح  ويحرض  شبابها  على  الاستعداد  للحرب  القادمة حال انفصال الجنوب  عن الشمال . حرب  أخرى ! كأن  الحروب  الماضية  لم  تشف  غليل  السيد  المستشار  ،  وهى  حروب  شاركت  فيها  الطبيعة  والقرود   لصالح   المجاهدين  بادعاء  الهوس  الذى  انتشر  فى  ذاك  الوقت انتشار  النار  فى الهشيم .  ولكن  رغم  النصرة  المزعومة  و  المسخرة  للمجاهدين  ترك  اؤلئك  المجاهديمن  الجنوب  كله  وراءهم ظهريا   للعدو  الذى  اعلنوا عليه الجهاد  وعادوا بغنيمة  الاياب  التى  لم تكتب للكثيريبن  منهم . فقد  قبروا  الألوف  من الشباب الغض .   مستشار  الرئيس  يريد  العودة  بمن  نجى من تلك الحرب  المطحنة  ، العودة  بهم الى مطحنة  حربية  جديدة . يقينى  ان هذا  الشباب  سيقول  للمستشار المنفعل :  اذهب  انت  وقبيلك  فقاتلا ، نحن هنا ماكثون .
ويأهلى فى الجنوب  اسمعوا منى ومن جميع اخوانكم فى الشمال : لا احد يستطيع ان يطردكم من بلدكم  الشمالى . فالانفصال اذا حدث ، فهو انفصال بين حكومات وسياسيين لا دخل  للشعب السودانى فى الشمال والجنوب به .  و لن يجرأ احد ان يعاملكم معاملة مواطنين من الدرجة الثانية . او يمنعكم  من التداوى فى مستشفيات الشمال   ولو بحقنة واحدة ! دعوا  المتشنجين وشأنهم  ، فلحمة العلاقة العضوية  التاريخية المتمترسة فى العظم  لن يستطيع احد ان يفصم عراها .  و سوف يورق الزهر يوما  و  "  ينمو البرتقال " .

Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]
 

 

آراء