يا رمضان

 


 

 

*أساطير صغيرة


يحكى أن أيام قلائل تفصلنا عن الشهر الفضيل رمضان، ورمضان في الذاكرة السودانية الشعبية يرتبط تماما بالخيرات وتواردها وتوالدها، فالعمل في رمضان وإن جاء صيفا أو في أقسى الظروف المناخية أو الحياتية هو خير وبركة، ودعوة للتفاؤل ورمي كل هموم العام وراء الظهر، والنظر بخشوع تام وإيمان متجدد راسخ إلى أيام هذا الشهر وهي تنصرم يوما إثر يوم وكل يوم ينتهي بشربة ماء وحمدا لله على صيامه دون أي مانع شرعي، والخشوع الكبير والتعبد العظيم، يترافقان مع ارتفاع درجات الهمة في العمل ومضاعفة المجهود والنظر إلى كل "قرش" يدخل الجيب بأنه قرش مبارك في شهر مبارك نتاج عرق مبارك.

قال الراوي: المحكي عنه في فقرة المفتتح يتعلق بالتأكيد بأولئك "السودانيون" البسطاء، الكادحون، الذين يعملون في الأسواق الصغيرة، "سبابة- سماسرة"، وعتالة، وصغار تجار، وبائعي خردوات وخضار وتمور وبليلة وفول حجات وأشياء أخرى مكومة أكواما ووو، وهم أيضا أولئك الذين يشتغلون عمال بناء وفي طرق الحديد وتشكيله ونظافة الشوارع أو رصفها.. هم العمال في كل شبر من أرض البلاد.. رمضان عند هؤلاء بطعم حلاوة "جغمة" الماء الأولى مع كل إفطار.. ينتظرونه بلهفة ويعظمونه شديد التعظيم، يصومونه بحب، وتتضاعف لهم فيه الأرزاق.

قال الروي: ورمضان، المستحضر في هذه الزاوية بالتحديد، هو رمضان السوق، الأسواق الشعبية السودانية، المنتشرة في كافة المدن والأرياف، والتي تتحول في هذا الشهر العظيم إلى ما يشبه خلية النحل؛ إذ ترى الجميع يتحركون في نشاط وكأن الصوم ما هو إلا (طاقة) إضافية تضخ في أجسادهم وتمنحهم هذه الحيوية، وهذه القدرة على السعي وراء الرزق؛ مع الإيمان الكبير بأن اليوم لا يمكن أن ينقضي دون جني الربح وملء (كيس الأولاد – كيس الخضار، أو القفة في تلك الأزمان).. وكله متحقق في رمضان.

ختم الراوي؛ قال: هذه أشتات ذكريات، وردت مبعثرة في هذه الزاوية، بشكل عام وتفصيل – قد يتحقق خلال أيام الشهر – ذكريات تؤكد أن الحركة والسعي، لاسيما في الشهر المبارك، كانت من أسباب كثرة الرزق، وأن هذا الرزق كان موفورا لكل من أراد؛ كل ما عليك شحذ الهمة، وأن لا تركن إلى الكسل أو التناوم والانتظار؛ تحرك في رمضان، وتزود ببركته في بقية الشهور، وسترزق!

استدرك الراوي؛ قال: في رمضان هذا؛ قد تكون تلك الأسواق قد (ماتت)، وقد يكون (الدولار) قد التهم كل شيء؛ لكن لا شيء أيضا يوقف هؤلاء الناس عن الفرح بمقدمه والسعي في مجال بركته.. كل صوم والرزق متاح.

* زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)


منصور الصُويّم
mansourem@hotmail.com
////////////

 

آراء