يا ناس الحكومة أفتونا ، هل هذا الخبر صحيحاً ؟؟ … بقلم: بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب

 


 

 


issamawmohamed@hotmail.com
طالت المدة التي توقفت فيها عن الكتابة في الصفحات الالكترونية لقناعات ذاتية وانشغالاً حقيقياً بمن هم يملئون وقتي كمعلم ويجعلوا لحياتي معني . وكذلك توقفت عن الكتابة فيها بناءً علي نصيحة من الأصدقاء والأقارب بأن الجماعة غاضبون لورود بعض المعارضة فيما أكتب .  
وقد تجاوز الأمر ذلك بأن تم الاستغناء عن خدماتي كمستشار لجهات اقتصادية عليا تتخذ قرارات هامة تخص حياة البلاد والعباد .
علي أن الخبر التالي أثارني وأخرجني من حفيظتي يجعلني أتوكل علي الرحمن بأن يجعل العواقب سليمة وأكتب التالي .
اليوم وقبل موعد الإفطار ، تلقيت خيراً مزعجاً وفي الحقيقة أنه خطيراً للغاية من أحدي الصحفيات العاملات في الصحف السودانية المحلية .
أثق بما نقلته لي وأعرف أنه ليس لها مصلحة في الكذب وعليه قررت أن أخرج ليس عن عزلتي ، لأنني لا أستطيع أن أنعزل ولا أن أعزل نفسي عن طلابي الذين لم يعزلني عنهم مكتبي الصغير ذو الأثاث المتواضع والمساحة التي لا تنفع لكر جداد علي رأي أحد أهلي العرب الذين يأتون لزيارتي من شمال كردفان دارفور وغيرها من المناطق المعزولة .
يمتلئ المكتب بطلابي وكل شيئاً متاحا لكي يستخدموه وليسألوا عن كل المسائل الأكاديمية المحيرة . وتستطيع سماع الجدل العلمي بينهم وتستطيع سماع أصواتهم وهم يضحكون وأحس أنا بسعادة أننا نستطيع الوصول إلي الرفقة الأكاديمية .
وما أناقشه فيما يلي هو أحد التساؤلات التي تدور في بالهم ولابد من أنني مجيباً عنها اليوم أو غداً .
الخبر المزعج هو تخصيص مليون فدان لشركة أجنبية لكي تزرعها في الجزيرة .
في أول الأمر لم يزعجني هذا الخبر ولكي أتأكد تساءلت ، أين الموقع الذي سيحظى به المشروع الجديد
هل هو مساحات جديدة تم تخصيصها لزيادة الرقعة المروية في السودان وهذا بلا شك سيكون إنجازاً ونصراً للسياسات الإنتاجية وتوسيعاً للقدرات الزراعية للبلاد وتوسيعاً لفرص الرزق وتوفيراً الغذاء .
كانت الإجابة أنه سيكون داخل أرض مشروع الجزيرة العملاق (سابقاً) وسيتم نقل إنتاجه إلي شمال الوادي .
يا أخواننا ، ماذا عن سكان المنطقة وما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ستقع عليهم؟؟؟؟؟؟؟؟
يا أخواننا ، هل تم عرض هذا القرار علي الجهات النيابية التي تمثل الأمة السودانية والتي تم انتخابها لتحمي حقوق أبنائه من مجلس وطني ومجلس ولايات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل تم عرض هذا الأمر علي مجلس الوزراء ومستشاريه الكثيرين ، لكني تذكرت عند النقطة الأخيرة أن لداحتي هذه وجهري بما في نفسي هو الذي أدي إلي رفتي من الاستشارية وقطع رزق عيالي . ذلك لأنني زعلت في عدة مرات وكشرت عن أنيابي وصرخت أن هذا غلط في غلط وأن كانت هذه الثورة البنفسجية التي تمثلت في ملامحي الغاضبة نجحت في تحجيم أمور كثيرة .
الخبر المزعج أثار في خاطري عدة تساؤلات مشروعة وعسي أن لا يغضب مني الناصحين من أصدقائي وأحبائي . وعسي أن ينزل الحديث برداً وسلاماً علي من هم في يدهم رزق عيالي وعيال عيالي وطلابي ومن يعيش معي وبي .
لا أقصد سوي أنني أفكر بكل ما أملك من منطق في مصلحة هذه البلاد وأخاف من المجهول الذي نثير غضب متغيراته مما قد ينتج عنه المزيد من الأضرار .
يا أخواننا في الحكومة ، الأرض في السودان وفي كل بقاع العالم هي ملكية لها وضع مقدس يرتبط بالحياة الإنسانية .
هي مصدر الحياة الاقتصادية والاجتماعية هي مصدر العزة والانتماء تنمو المجتمعات علي الأرض وبسببها وهذه المجتمعات تؤسس لوجود الدولة والحاكم لا تملك الدولة أرضاً إلا في النظم الشيوعية وحتي هذه تخلت عنها للمواطنين بعد أن ثبت عدم جدوي هذا في النظام الاقتصادي نحن في أمة ترفع علم الإسلام والحقوق محفوظة شرعاً ولها قدسية والملكية المشاعة للأرض ثبت فشلها في المحافظة علي حيوية الأرض وتحولها إلي مورد يأخذ منه الجميع ولا يعطيه أحد حتي يؤدي الأمر إلي استنفاذ الأرض وموتها وقد ورد هذا في كتب عديدة من أهمها Tragedy of the Commons لكاتبه هاردن
وفي الإسلام فإن ملكية الأرض لا تتعلق بالورق ولا اعتراف الحكومة ولا قدرتها الباطشة علي انتزاعها من سكانها وإنما تعتمد علي مبدأ الحيازة والانتفاع .
الإنجليز عندما قرروا إنشاء مشروع الجزيرة فقد كان ذلك بقانون نص علي أن الحائزين ملاك ولا يمكن مجرد إصدار من معتمد أو والي أو رئيس جمهورية أن يستنسخ الحقوق ولا يمكن من ذوي السلطة أن يصدروا قوانين تنتزع الأرض من الذين هم عليها وقد سبق فعل مثل ذلك ولكن علي نطاق ضيق ، فقد صودرت أرض بحجة المصلحة العامة وهذا لم يكن صحيحاً  وها هو ذات الأمر قد يكون صحيحاً علي مليون فدان وسوف تكون أضراره واقعة علي مئات الآلاف بل وملايين الأشخاص والأسر هناك نقاطاً هامة أريد تدوينها للتاريخ وهي كالآتي :
1-  المشروع المقترح بوضعه الحالي ومنظومة قيامه لا يخدم الاقتصاد الوطني وإنما سيكون محمية زراعية مغروسة في قلب الأمة السودانية تنتج وتنقل إنتاجها خارج الأمة ،
2-  توقيت الدعاية لقيام هذا المشروع ليس في صالح الوضع السياسي الحالي وقد يعطي انطباعاً خاطئ عن نمطية الحكم في السودان ويكون ذخيرةً حية للهجوم عليه ، خاصة بعد الاحتجاجات التي ستملأ الصحف وتعم القري والحضر ،
3-  المشاكل القومية الحالية يجب أن تمنع المسئولين من مجرد التفكير في مثل هذا الأمر ويجب أن لا ننسي أن هناك مشاكل مماثلة قامت بأسباب أقل من ذلك ولماذا نحن مثيرون لمثلها علي أعتاب العاصمة القومية ،
4-  ما هي الترتيبات التي ستتم لقيام هذا المشروع ، هل سيعوض الملاك الذين تم تعريفهم عند إنشائه قبل أكثر من ثمانين عاماً علي يد المستعمر الإنجليزي (الغاصب) أم هل تروح حقوقهم سمبلة ،
5-  بعد الترتيبات التي سيتم عقدها ، ماذا عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، هل سينضم الجماعة إلي جيوش العطالي والسائلين في الخرطوم أم هل سيجدون بلاداً تأويهم . أحداث لبنان وغيرها مؤسفة ومشينة وهي وصمة علي جبين الأمة كلها والمهاجرين الذين يكتبون وينشرون مقالات كلها حقداً وغضباً لا يمكن شطبها بالتجاهل ، فهل نريد أن نضاعفها ؟
6-  هل السودان بلاداً ذات أمناً غذائياً حقيقياً ؟؟ كل المؤشرات تقول غير ذلك وتؤكد أننا وبالأخص هذا العام نعاني من ما نسميه فجوات غذائية حادة وما أسميه شخصياً مجاعة مقنعة لا تنتظر إلا الإعلان وحمانا الرحمن الكريم من ذلك اليوم إذا أنه سيكون يوماً عظيما وجللاً علي العباد المساكين .
7-  أين ذهبت النفرة الخضراء والنهضة الزراعية وآلاف الخبراء ؟؟؟ هل اقتصرت حلولهم علي أن تعطي الأرض للغير لكي يستزرعونها ويصدروا إنتاجها إلي الخارج . المثال هو أن ما لا يكفي أهل الدار يحرم علي الجامع ،
8-   ماذا عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية في بلاد يعتمد 70% من أهلها علي الإنتاج الزراعي ؟؟؟
9-  ماذا عن إحساس المواطن بالانتماء إذا صودرت أرضه ؟؟ هل نتوقع أن ينخرط صادقاً للدفاع عن وطن لا يملك فيه أرضا وعن دولة صادرت حقه هذا ؟؟
التساؤلات لم تنتهي ولا تنتهي عندما أفكر في هذا الأمر ولكنني أفعل كما أفعل دائما وأكضب الشينة لأنني أعرف أن المخططين وأصحاب ومتخذي القرار ليسوا علي مثل هذا السذاجة بحيث يتم اتخاذ مثل هذا القرار . وأن الصحف تهول من الأمر وأنه مجرد إشاعة لبيع أعداد كبيرة منها تغطي مصاريفهم وعدم الإقبال علي شرائها .
وألتمس من المسئولين تكذيب الأمر وبسرعة لتهدئة النفوس
حفظ الله الوطن من الفتنة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب
 

 

آراء