تناولنا في الجزء الأول من هذا العمود إعلان مجلس شؤون الأحزاب السودانية في صحيفة الجريدة الصادرة يوم الثلاثاء العاشر من ديسمبر 2019 بصدد قيام حزب وقرار رئيس المجلس أنه يجوز لأي مواطن أن يطعن لدى المسجل في مشروعية تسجيل ذلك الحزب وفق المواد 10 (2/1) من قانون الأحزاب السودانية لسنة 2017 و12 (1) من لائحة تسجيل الأحزاب السياسية لسنة 2009، وانتقدنا وجود المجلس بعد ثورة ديسمبر ودلفنا بعد ذلك نحو تجربة الحزب الجمهوري مع المجلس واستيفائه الشروط المطلوبة، ورفض المجلس لطلب تسجيل الحزب بناء على طعون من خصومه من الفقهاء ومن لف لفهم، ورصدنا معركة الحزب القضائية التي تطاولت في سوح القضاء ولم يظفر الحزب بحقه الطبيعي في حرية الرأي والتنظيم، ونواصل: مرافعة "نبيل" النبيلة: يقول المحامي نبيل أديب عبدالله: "النزاع موضوع الطعن هو نزاع حول صحة قرار مسجل الأحزاب برفض تسجيل الحزب الجمهوري"، ويواصل نبيل ليقول: "كنا قد وقفنا في عرضنا لحيثيات المحكمة الدستورية عند ما تثيره المادة 19/4 من قانون المحكمة الدستورية، والتي تشترط إذا كان القرار المطعون فيه دستورياً، مما يجيز القانون لجهة أعلى سلطة مراجعته، فعلى مقدم الدعوى تقديم ما يثبت إستنفاده طرق التظلم، أو إنقضاء ثلاثون يوماً من تاريخ إستلام الجهة الأعلى للتظلم، ولكنها إستثنت الدعاوى المتعلقة بالحقوق والحريات العامة من هذا الشرط"..
نقاش المادة (5/1) من الدستور: "وقد طعن الحزب في ذلك القرار مستنداً على أن الإشارة للمادة (5/1) من الدستور مثيرة للدهشة. فالمادة تنص على أن تكون الشـريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشـريعات التي تُسن على المستوي القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان. ولا يحدد القرار المطعون فيه ماهو الجزء الذي يخالف أحكام المادة (5/1) في الوثائق المقدمة مع طلب تسجيل الحزب الجمهوري، ولكن الوثائق لا تحمل أي دعوة لتغيير مصدر التشريعات، ولا أي إشارة سالبة للشريعة الإسلامية. ولكن بفرض أن الحزب يدعو لإلغاء هذه المادة أو تعديل حكمها بإضافة مصدر للتشريعات، أو إلغاء مصدر من مصدري التشريع التي أشارت لهما المادة، هل يجعل ذلك من برنامج الحزب برنامجاً يتعارض مع الدستور الإنتقالي ؟ وهل هذا هو الإختلاف الذي عنته المادة (14) (ب) من قانون تسجيل الأحزاب السياسية، واتي تكرر حكم المادة 40 (3) (ب) من الدستور حين إشترطت أن لا يكون للحزب برنامج يتعارض مع الدستور الإنتقالي؟ الأجابة قطعاً بالنفي إذ لا يجب أن تفسر هذه المادة بأنها تمنع الحزب من أن يعارض بعض الأحكام التي نص عليها الدستور، ولا أنها تمنعه من أن يشمل برنامجه الدعوة لتغييرها، فالمادة هنا لاتلزم الأحزاب بقبول الدستور، لا في مجمله، ولا في تفصيلاته. وإذاً ما هو التعارض مع الدستور الإنتقالي الموجب لرفض تسجيل الحزب؟ المادة تلزم الحزب السياسي فقط بأن يدعو لتغيير ما لا يرضاه من أحكام عن طريق آليات التغيير الدستورية. إذاً فكل ما تلزم به المادة الأحزاب هو أن تكون وسائلها للإتفاق، والإختلاف، والتغيير، مقبولة دستورياً. إن ما لا يجوز لبرنامج الحزب أن يعارض فيه الدستور الإنتقالي، هو الدعوة لتغيير الدستور، أو الدعوة لإنتزاع السلطة الدستورية، عن غير الطريق الدستوري. أما رفض أيا من الأحكام الدستورية، أوالدعوة لتغييرها، أو المطالبة بتغيير السلطة الدستورية، فذلك لا يتعارض مع الدستور، طالما أن الوسائل التي يستخدمها الحزب لإحداث التغيير هي وسائل دستورية. إذا فسرنا تلك المادة بأنها تمنع أن يتضمن برنامج الحزب دعوة تتعارض موضوعياً مع أي حكم تحمله مادة في الدستور، فهذا يعني أننا إخترنا أن يكون دستور 2005م دستوراً جامداً جمود مطلق، لا يقبل التعديل. وهذا يتعارض مع نصوص الدستور نفسه، الذي يصف نفسه بأنه دستور إنتقالي، أي مؤقت، والذي يحدد آلية لتعديل أحكامه، حتى أثناء الفترة الإنتقالية" لجنة "فينيس" الأوربية: "تأييداً لهذا النظر تذكر اللجنة الأوروبية (لجنة فينيس) حول المبادئ المقبولة لحظر الأحزاب" يمكن تبرير حظر أو حل الأحزاب السياسية قسرياً فقط في حالة الأحزاب التي تدعو إلى استخدام العنف أو لإستخدام العنف كوسيلة سياسية لقلب النظام الدستوري الديمقراطي، وبالتالي تقويض الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور. وكون أن الحزب يدعو إلى تغيير الدستور سلمياً لا ينبغي أن يكون كافيا لحظر الحزب أو لحله (المصدر: سودانايل الالكترونية بتاريخ: 31 يوليو 201 - قراءة ثانية في حكم المحكمة الدستورية في دعوى الحزب الجمهوري .. بقلم: نبيل أديب عبدالله/ المحامي).. مجلس شؤون الاحزاب ينتهك الحريات: إن حرية الراى والتعبير والتنظيم تشكل الحقوق الأساسية للأفرادوالجماعات وتعتبر أساس الممارسة الديمقراطية، وان قانون الاحزاب وصنيعته المجلس ينتهكان هذا الحق ويفرغانه من مضمونه، فمن حق أي فرد أو أفراد قلائل أن يعبروا سلميا عن آرائهم بلا كوابح أو عراقيل وهذا ما ينتظم كل عوالم الديمقراطية في عالمها الحقيقي، لذا ندعوا وزير العدل لفكفكته كأثر من آثار النظام البائد بان عواره.. البديل للمحكمة الدستورية: يقول الأستاذ نبيل أديب عبد الله: أن المادة 6 من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة تذكر صراحة، بنصها على أنه "إذا تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض"، ولما كان الحق قد أوكل للمحكمة الدستورية، فقد رأى الأستاذ نبيل أن يعطى هذا الحق للمحاكم العادية من أدنى درجة إلى أعلى درجة ليكونوا جميعهم قيمين على دستورية القوانين (المصدر: سودانايل 12 فبراير – 2017 - الضمانات المتصلة بتفعيل الحريات الدستورية: القضاء العادي والنيابة العمومية: درس من أمريكا - نبيل أديب عبدالله)، ولا حاجة لنا إذن (في رأيي) إلى محكمة دستورية طالما أن القضاء العادي في امكانه وباقتدار القيام بذلك، كما أننا لسنا بحاجة إلى كوابح وعراقيل من مجالس شمولية تكون وصية على الناس في عهد ديمقراطي يستشرف نظاماً ديمقراطيا كامل الدسم!!.. eisay1947@gmail.com