يسألونك عن مصير الإسلام السياسي
يسألونك عن الاسلام الذي يتخذ أتباعه القرآن في أسنة الرماح ويرغبون السلطة، كما أفتى " عمر بن العاص " أن يحمل جيشه بعد أن تبدت هزيمة جيش معاوية بن أبي سفيان وظهرت بشائر النصر لجيش علي بن أبي طالب في معركة صفين في التاريخ.
لم يتغير تنظيم الإخوان المسلمين في نهجه أو أدواته أو ألفاظه اللغوية، فهو خطاب ماضوي بئيس، أرجع السودان إلى قاع الأمم، بجانب الصومال. انتشر الفساد إذ انقلبت ذئاب السلطة الشرهة الجائعة إلى الوطن واستباحوه.
طوال ثلاثين عاماً نهبوا خلاله أموال الناس بباطل ظنوه رخصة تبيح لهم أن يصبح الوطن وأهله فيئ ومغنم. تحولت عبودية الأرض والناس إلى ريع للحركة الإسلامية ومنتسبوها. وكذلك لتنظيم الإخوان المسلمين، بكافة مسمياته الحربائية.
(2)
ومنذ أن صرح أحد أعضاء المجلس العسكري، وقال ( إننا لن نقصي احد) حتى تنفس التنظيم الصعداء، وعلموا أن العسكر لم يزالوا في كف سلطة التنظيم.
إن ثلاثون عاماً من التردي والفشل، ليس من السهل غسيلها بين لحظة وضحاها، لقد تسلحت العصبة بترسانة من القوانين، وقد صاغها أفراد من أعضاء التنظيم، لا يعلمون فقه القانون، فكانت الصياغة هلامية، خارج الضبط، كأن من كتبها لا يعرف فقه القانون ولا لغته.
كان مال الدولة مستباح، كأنه مال خاص، يعبون منه لصالح أنفسهم ولأذرع التنظيم. ورغم ذلك لا يزالون يرددون ( إن الآخرين يريدون إقصاء الإسلاميين)!.
(3)
إن العسكريين الذين صعدوا للمجلس العسكري، أغلبهم صمت أمام هيمنة تنظيم الإخوان المسلمين. كأن الذي يحدث لا علاقة لهم به. تغيرت كلمات الجلالات، وتغيرت تعابير الجند إلى صورة شائهة يدّعي أعضاء التنظيم أنها من التأصيل. أولئك صعدوا للسلطة غير مصدقين أنهم سيحلون محل الرئيس الراقص. بل تجرأ أحد العسكريين وقال ( إن مثالنا الذي سنسير على هديه هو سوار الدهب).ولا يعلمون أن الخطاب كان معداً لسوار الدهب ليقرأه، وهدده القادة بأنه إن لازم تردده و لم يقرأه فسوف يقرأه غيره. ومن يقرأ الصحافة التي صدرت صباح يوم 6 أبريل 1985، سيقرأ البرقية المطولة التي بعث بها سوار الدهب، يطمئن رئيسه بأن الأمن مستتب. ويعرف القاص والداني أن سوار الدهب ليس له من أمره شيء.
(4)
إن الثورة ماضية في طريقها، لتحقيق أهدافها، طال الزمان أو قصر. وقد تعلمت جماهير الشعب أن تكون أذكى من تدبير الإخوان المسلمين وأكبر من مكره. ولن تمر قضية عفو الخاطر. ولن يملي العسكر وإن حسنت نواياهم، في وقف مد الثورة التي انتزعها الشباب والشابات بدمائهم ودماء جرحاهم ومسجونيهم. ولسنا ندعو لتخوين العسكر، فقد صوب النظام عينيه ليكون العسكر خيالات مآتة، لا يفعلون شيئاً. لن يسعنا تخوين أبناء السودان من العسكر، وقد علمنا أن القوات النظامية منذ العام 1990، لم يتم استيعاب في الكلية المختصة إلا أبناء التنظيم. وتم تشريد كل أبناء السودان من القوات النظامية والجهاز القضائي والسلك الدبلوماسي وقاموا بتصفية الخدمة المدنية. وجلبوا أبناء التنظيم ليحلوا بالتمكين في كل وظائف الدولة.
(5)
انتشر التكفيريون وملأوا كل مفاصل السلطة، وصارت كلمتهم هي العليا. وصاروا يقررون بشأن الأغاني هل يتم إيقافها أم لا؟. ويقررون هل يستمر معهد الموسيقى أم يحظر؟. وتم استبدال اللغة عند العامة، وصارت لغة فقهية ماضوية الهوى. وبدأنا نسمع كلمات ( تنزيل ) و ( فقه الضرورة ) وعبارة ( المشروع الحضاري). وتم تجييش الحياة المدنية، وصرنا بقدرة قادر نقف وجهاً لوجه ضد روسيا وأمريكا ونتحداهما. وقامت السلطة بتحويل الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى حرب دينية، فشلت كل المعارك، وخضعت السلطة لولادة قيصرية جديدة لبلع كل الادعاءات، وصار السودان في حربه العالمية ومشروعه الحضاري وقد ابتلعته " نيفاشا"، وصار رئيس النظام يستصرخ العالم لينقذوه من الحصار الأمريكي.
وعاد الإخوان المسلمين لقواعدهم غير سالمين. وبدأوا سلسلة التنازلات، ونقلوا كل التكفيريين إلى "جوانتنامو". وصارت الخرطوم مركزاً للمخابرات الأمريكية في أفريقيا. ولم يزال الجرار يأخذ بأطراف الإسلاميين.
(6)
رغم مكر الأمين العام للتنظيم بأنه سوف يقطع الطريق أمام أي انقلاب عسكري بعد انقلاب الإخوان المسلمين، فإن ضباط الجيش المؤدلجين بانتمائهم للتنظيم، لن يخونوا شعبهم ، إن الكلية الحربية السودانية رغم ما لحق بها من عيوب الانتخاب والتمكين، ففي بنيتها العسكرية التدريبية كانت هنالك درجة من الحيادية لم تزل تبحث عن أنفاس. تخرج الضباط من الانتماء الصمدي للإخوان المسلمين.
لقد أثبتت دخول سيارات العدل والمساواة يوم 10 مايو 2008 لمدينة أم درمان، وأن السلطة قد حيّدت القوات المسلحة، وتركت أمر مقاومة حركة العدل والمساواة، لجهاز الأمن. ولكن فشل جهاز الأمن في التصدي للحركة، وتدخل أحد ضباط الجيش في التصدي لسيارات العدل والمساواة عند كوبري أم درمان، وقد نجح بعد أن قتل أثناء المعارك.
(7)
ليس اليوم كالأمس. كما ليست السلطة اليوم كالأمس. بعض المحبين للسلطة يرمون لها حبل المحبة، ويسعون سلماً لجوارها، فرسة ناعمة ليمتطوها ليحققوا أغراضهم. ولكنها جاءت على صهوات جمهرة.
إن تكوين القوات النظامية اليوم هي قوات تم اختيارها وفق الانتماء للتنظيم، وليست اختياراً حراً يقوم على التوجه الوطني، وصيانة الدستور. شباب ينتمون لتنظيم الإخوان المسلمين، لا يرون في الحياة أقيم من أسرة التنظيم، فهم يرون أنفسهم جنود التنظيم ودرعه النامي، وسوف يتخرجون كضباط التنظيم، أمامهم أفضل أنواع التمكين ليتسلقوا بلا أدنى كفاءة ليصيروا ضباط عظام. في وقت تم تشريد ضباط الجيش أصحاب الكفاءة والخبرة، وخلا الطريق للضباط الجدد المنتمين للتنظيم.
إلا أن قلة منهم سيخرجون عن إجماع التنظيم دون أدنى شك.
عبدالله الشقليني
15 أبريل 2019