يوغندا وجنوب السودان: الأسئلة تتزايد

 


 

 

mahjoub.basha@gmail.com

انعقد خلال الاسبوع الماضي المؤتمر الدولي لدعم جمهورية جنوب السودان بالعاصمة النرويجية أوسلو ، وقد شاركت في المؤتمر العديد من الدول والمنظمات ومن بينها يوغندا التي جاء تمثيلها في شخص وزير الدولة للشئون الخارجية. اضطر الوزير اليوغندي خلال جلسات المؤتمر للدفاع عن تدخل القوات العسكرية لبلاده في جمهورية جنوب السودان في مطلع هذا العام واستمرار بقاءها هناك حتى الآن. أشارت تصريحات الوزير إلى أن التدخل كان ضرورياً وأنه ساهم بصورة فعالة في تفادي إبادة جماعية كان من المتوقع أن تقع في جنوب السودان ، وهو ماظلت تركز عليه الدعاية الحكومية بالرغم من أن الوزير لم يقدم من الأدلة ما يدعم قوله. كانت الحكومة اليوغندية قد أعلنت عند تدخل قواتها في الصراع بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار في ديسمبر الماضي أن الهدف من ذلك هو حماية المواطنين اليوغنديين العالقين في جنوب السودان والعمل على ترحيلهم إلى بلادهم ، مع تأمين المنشآت الحيوية وبصفة خاصة مطار جوبا الذي كان وضعه تحت السيطرة ضرورياً لإجلاء الرعايا اليوغنديين والأجانب. وقد وجد التصرف اليوغندي في ذلك  الوقت ترحيباً من جهات عدة من بينها منظمة الايقاد ، غير أن توسيع مهام القوات اليوغندية التي تقول بعض التقديرات انها بلغت حوالي ثلاثة آلاف فرد ومشاركتها في القتال إلى جانب القوات الحكومية في وقت لاحق أثارت حفيظة الكثيرين ما جعلهم يطالبون بانسحابها.

تزعم مصادر في الحكومة اليوغندية أن كمبالا تلقت رسالة من الحكومة في جوبا تناشدها التدخل في القتال الدائر ، غير أن هذه المصادر عجزت حتى الآن عن إبراز ما يؤكد زعمها بالرغم من مطالبة بعض نواب البرلمان وكتاب الصحف بذلك. كما أن الحكومة اليوغندية لم تنشر حتى الآن أتفاقية تقول أنه قد تم توقيعها بين الحكومتين بشأن وجود القوات اليوغندية وتحديد المهام التي تقوم بها في جنوب السودان. المعروف أن الرئيس موسيفيني كان قد تلقى محادثة تلفونية من الأمين العام للأمم المتحدة فور وقوع الاشتباكات بين قوات رياك مشار وقوات الحكومة في جنوب السودان ، وقد حاول استغلال هذه المحادثة لإكساب تدخله العسكري في جنوب السودان الشرعية اللازمة ، كما أنه فسر الترحيب بتدخل القوات اليوغندية من جانب قمة دول الإيقاد التي انعقدت بالعاصمة الكينية نيروبي بعد اندلاع الأزمة بأنه تأييد لموقف حكومته من جانب الدول الأعضاء بالمنظمة. بل إن الرئيس موسيفيني أصدر في ذلك الوقت تصريحات تتسم بالكثير من التشدد تجاه مجموعة رياك مشار  التي طالبها بوقف هجماتها على مواقع الحكومة أو مواجهة دول الايقاد مجتمعة ، وهو الأمر الذي رأى فيه البعض عندئذٍ تجاوزاً. من جانبها وبغض النظر عن الترحيب بالقوات اليوغندية الذي أعلنته في البداية فقد طالبت الإيقاد في قمتها الخامسة والعشرين والتي عقدت بأديس أبابا في مارس الماضي صراحة بانسحاب القوات اليوغندية من جنوب السودان واستبدالها بقوات مشتركة من دول الأيقاد تحت مسمى "قوات الحماية والردع".  غير أن الحكومة اليوغندية لا زالت تحتفظ بقواتها في جنوب السودان بالرغم من التحفظات التي أبدتها الكثير من الجهات ، وقد بررت موقفها بالصعوبات التي تواجه تكوين قوة الإيقاد البديلة. المعروف أن الكثير من الجهات الاقليمية والدولية تشكك في نوايا الحكومة اليوغندية وتبدي اعتراضها على وجود قواتها في جنوب السودان باعتباره يمثل عائقاً أمام التوصل إلى حل سلمي وسريع للأزمة.

لم تقتصر التساؤلات حول النوايا الحقيقية للحكومة اليوغندية خلف وجود قواتها في جنوب السودان على القوى الاقليمية والمجتمع الدولي وحسب ، بل إن العديد من الجهات داخل يوغندا نفسها بدأت تطرح الكثير من الأسئلة. ظلت الحكومة ولأكثر من خمسة أـشهر تتكتم على أخبار القوات اليوغندية في جنوب السودان ، فلا أحد في يوغندا يعرف حتى الآن الخسائر التي منيت بها هذه القوات في القتال الجاري هناك ، وتسري في هذه الأجواء شائعات تقول بأن جثامين الجنود  الذين فقدوا أرواحهم لا تسلم لذويهم وتدفن بواسطة السلطات في مدافن مجهولة. وبينما تقول الحكومة في جوبا أنها تتحمل تكاليف المغامرة اليوغندية ، فإن الحكومة اليوغندية تدعي أنها تقوم بتمويل حملتها العسكرية في جنوب السودان ، مما جعل البعض في يوغندا يتساءلون عنما إذا كانت حكومتهم تصرف أموال دافع الضرائب على مغامرتها في الجنوب بينما تواجه بعض قطاعات الشعب اليوغندي ضيقاً في العيش. من اناحية أخرى ، فإنه يخشى أن ينعكس تدخل القوات اليوغندية في الجنوب على العلاقات بين الشعبين ، ولعل المطلع على تعليقات القراء في بعض المواقع الجنوبية على الانترنت يحس رفضاً واضحاً لتدخل القوات ليوغندية في جنوب السودان ، مما يؤكد عدم شعبية هذا التدخل وسط المواطنين في جنوب السودان. بل إن بعض الصحف اليوغندية تقول أن عدداً من المواطنين اليوغنديين المقيمين في جنوب السودان فقدوا أرواحهم في حوادث يعتقد أنها ترتبط بصورة أو أخرى برفض التدخل العسكري اليوغندي في ذلك البلد.

وتقول صحيفة المونيتور اليوغندية في افتتاحية لها الأسبوع الماضي أنه بالاضافة لهذه التساؤلات التي تطرح على الساحة اليوغندية ، فإن تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين الجنوبيين عبر الحدود اليوغندية يمثل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد اليوغندي والمجتمعات المحلية التي تستضيف هؤلاء اللاجئين ، هذا فضلاً عن أن عدم الاستقرار في الجنوب يكلف يوغندا ما يقارب مائة وعشرين بليون شلن في شكل فرص تجارية ضائعة حيث كان جنوب السودان يمثل واحدة من أكبر الأسواق للصادرات اليوغندية. كما تقول بعض الآراء أن التدخل اليوغندي في جنوب السودان يهدد الأمن القومي ليوغندا نفسها ، وذلك بالنظر لما أشيع مؤخراً من أن جوزيف كوني زعيم جيش الرب قد انتقل برفقة عدد من مؤيديه من أفريقيا الوسطى إلى جنوب السودان وأنه يعمل على تجديد علاقاته القديمة مع مجموعة رياك مشار. غير أن مجموعة مشار تنفي ذلك تماماً لما قد تتركه مثل هذه الأخبار من آثار سالبة على علاقتها بالمجتمع الدولي عامة ومع الولايات المتحدة بصفة خاصة.

تجئ هذه التطورات المتلاحقة في الوقت الذي تتهم فيه يوغندا بأنها تقوم بتدريب بعض عناصر الشباب المجاهدين في الصومال ، الأمر الذي تنفيه الحكومة اليوغندية ويستبعده الكثير من المراقبين بالنظر إلى التهديد الذي نقلته وكالات الأنباء مؤخراً عن بعض قيادات المنظمة بأنها ستقوم بنقل حربها إلى داخل كل من يوغندا وكينيا. غير أن البعض يرى أنه في ظل تعقيدات السياسة الدولية فإن على المراقب الحصيف ألا يستبعد أي احتمالات ، خاصة وأن الساحة الدولية تشهد في الكثير من الأحيان الشئ ونقيضه في ذات الوقت. سبق للحكومة اليوغندية ان اتُّهمت في العام الماضي بأنها تقوم بتدريب عناصر من الشباب ، إلا أنها نفت ذلك مع اعترافها بأن بعض من تقوم بتدريبهم من عناصر القوات المسلحة الصومالية قد ينضمون في النهاية لمنظمة الشباب المجاهدين. المعروف ان القيادة الأمريكية في أفريقيا المعروفة باسم "آفريكوم" تقيم بعض المراكز على الأراضي اليوغندية لتدريب أفراد من القوات المسلحة الصومالية على حرب المدن.

//////

 

آراء