دقلو .. في مستودع الخزف !!
يبدو ان الأمر اختلط كثيرا علي نائب ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو وهو يخاطب حشدا من الناس ، منددا بما يدور من جدل حول مظاهر الفصائل المسلحة التي انتشرت في بعض ميادين وأبنية وحدائق الخرطوم العاصمة ورفضها من قطاعات واسعة من المجتمع المدني ، وبين ذلك الشعار الذي أطلقته جماهير الانتفاضة في أوج عنفوانها (كل البلد دارفور) تلك العبارة التي نادت ولم تزل بمدنية الحياة والسلم علي امتداد ارض السودان، ورفضها للقهر والقتل والعنصرية والاستبداد .
وقد جاء في خطابه علي الهواء (انه بالأمس قد تمت شيطنة الدعم السريع ، واليوم تتم شيطنة الحركات المسلحة، الخرطوم دي ما حقت ابو زول ، وما في زول عندو شهادة بحث بملكية الخرطوم ......) الي اخرها من خطرفات سيئة القصد والأهداف خرجت بالنص الي فضاءات صراع أراد ان يستهله في قاعة ساكنة وفي مدينة (طارت عصافيرها) من قعقعة السلاح والدشم ومظاهر السلاح والخوف المختبئ في ثناياها.
فلو ان للرجل دراية بالتاريخ لعرف علاقة هذه المدينة (الخرطوم) باتفاقيات السلام التي تتنزل عليها بردا وسلاما وسكينة وليس رعبا وهلعا يغذي هو وآخرون فتيله في حواريها وأزقتها وحدائقها.
اتفاقية أديس ابابا في عام 1972التي وقعت بين حكومة النميري وحركة الأنانيا نصت علي تدابير مؤقته تتعلق بتشكيل وحدات من قوات الشعب المسلحة في اقليم ج السودان وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة من الجانبين للقيام بمهمة تجنيد واستيعاب ابناء اقليم ج السودان.
وللعلم فحدائق الخرطوم لم تفر عصافيرها في ذلك الوقت ولم تشهد أرتالا مسلحة وظلت ساكنة آمنة لم تر في أفق تاريخها نذر خوف او قلق وظل ابناء النوير وغيرهم يعملون كالنمل ولم يروا في تلك الاتفاقية نصرا او ميزة تحيل امن المدينة الي قلق او أرتالا مسلحة من الأنانيا تجوب طرقاتها .
ثم جاءت نيفاشا تلك الاتفاقية الشاملة للسلام في عام 2005 والتي قادت الي وقف الحرب بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان والتي اقرت ان تقوم القوات المسلحة بإعادة انتشارها ش وج حدود عام 1956واعادة انتشار قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان من شرق السودان الي جنوب السودان واعادة انتشار قوات الجيش الشعبي من جبال النوبة والنيل الأزرق الي الجنوب .
والمرحلة الثالثة اقرت تحويل الوحدات المشتركة الي قوات موحدة تحت قيادة مجلس دفاع مشترك يتكون من رؤساء اركان القوتين .
وللعلم ظلت الخرطوم وللمرة الثانية وكل مدن السودان ساكنة آمنة غير عابئة بأنشطة الجند وأزيز المجنزرات، ولم تشهد فوبيا الحرب او (تراوما) المقاتلين العائدين من الأحراش والغابات وتداعيات سلوكهم علي المدنيين الذين سئموا ذاكرة القتال والموت والجند المدججين بالسلاح.
ولقد شهدت فترات تلك الحروب خطابا متزنا وحريصا علي امن المدنيين وحتى المقاتلين الأعداء في الطرف الاخر ولعل خطاب قرنق الي الصادق المهدي في 22 ديسمبر 1991 والذي جاء فيه هذا المقتطف (ان الحركة الشعبية كما تعلم ليست حكومة ملزمة بالاتفاقيات والمواثيق الدولية المعروفة ، انها حركة تخوض حربا من اجل قضية ، ان هدف القتال ليس قتل جندي العدو ، بل تجريده من القدرة علي القتال ).
هذا الخطاب الذي يلجم نزوة العداء والكراهية حتى تجاه الجندي المقاتل دعك من المدنيين.
الأصوات التي ارتفعت منادية بإزالة مظاهر العسكرة من المدن هي اكثر الأصوات حرصا علي السلام والثورة ، وأكثر خوفا من الانزلاق نحو تفاصيل نائمة في ثقافة مدينة متخمة بالمخاوف وتري ما لا يراه الساسة في خطب التجييش الخارجة لتوها من حروب الحواكير والحيازات ووضع اليد .
قبل عدة سنوات ابدي محمد ابراهيم نقد مخاوفه من ان السودان اصبح ناقلة جنود ، إشارة الي قوات اليوناميد في دارفور وج كردفان و القوات المسلحة السودانية وغيرها من قوات كانت تتخلق في رحم الغيب.
فكيف بنا اليوم وقد باتت الخرطوم الان (ناقلة جنود ) وهي المفخخة بالسلاح والسلام الهش ،وهي تستبطن في ذاكرتها كارثة فض الاعتصام التي لم تزل ذات البنادق التي اقترفتها ممسكة بالزناد في تلك الناقلات التي تجوبها ليلا ونهارا !
نحن بحاجة الي خطب تشيع السلام والأمن وليس بخطاب (الدواس) والعصي المرفوعة المنددة في الهواء .
ببساطة لان العاصمة الخرطوم الان مدينة من خزف لا تحتمل كل الذي يجري وكما يقول المصريون (مش ناقصة).
musahak@hotmail.com