خُم وصُر قال الناجي يحكي قصته : {أمبارح كتلني الشوق الكَتل زيي كُتار . قلتَ أقعُد جنب الصَّريف ، قِدام البحر الحلو ، علي أرتاح من شوق قديم يتجدد .انزلقت وشالني السيل ، الشال قُبالي العناقريب وسحّارت الخشب والسفنجات القديمة. قلتَ لنفسي دحين صدق القال :( خُم وصُر..) . خور شمبات قاسي خلاس ،والموج صعيب . ورأسي ، مرّة يغطس ومرّة يمرُق للنَفَس . النسوان المشلخات ضربوا السكلي : كُر يا ود حشاي . وسط الزفير بدت الدُنيا في شريط سينما الخواجة الكسّروها زمان ، خايض أتُر في الموج علِّ ألفالي حيلة ، وأصرخ بي صوت عالي : أبو مروّة .. أبو مروّة وما سمعتَ لكن شُفتَ الحبل ممدود ، مَضفّر، ما عندو لون .هجمت على الغيث ومسكتَ في درب الحياة الجديدة ، وبديت عُمر جديد.}
(2) أمسكوا به شباب " الحتانة " وغطوه ببطانية حمراء، وملأ " النفو" شعره المُبتل . وعند البيت الذي آواه ، هجم الجميع عليه : ( حمد الله على السلامة ) . شرب الشاي الأحمر بأربع ملاعق سُكر، وضبط الكيف . قضى اليوم في الاستقبال وسرد قصة مسيرته مع السيل إلى نجاته. ولم تتيسر ذبيحة له وسط إغلاق المحال والأفران ،فقط أدعية ( كرامة النبي بتمشي وتجي ). طبخوا له " بليلَّة مُملحة " وأكل الجميع وحمدوا الله على تيسير النعمة . أقسموا عليه المبيت حتى يخفّ المطر ويهدأ الجو . عام 1988 ، قد أعاد سيرة العام 1946.وعاد فيضان النيل وعادت السيول تأتي مُسرعة خلال أربع ساعات . تجرُف البيوت والأخشاب والمواشي وقليل من الناس، وتذهب بهم إلى نهر النيل . وكان هو من الذين نجوا بفعل أيادي الخير .
عاد لبيته في مدينة "الثورة - الحارة 11 " .وجد بقايا خيمة عزاء ، حيث انتشر الناس يبحثون عن المأكل والمشرب، فلم يجد إلا قليل من الحاضرين . انتشر خبر عودته إلى الحياة ، وغطت الزغاريد على المشهد الدرامي . السماء لم تزل غاضبة . والسحاب الأسود يتتابع ، وإن سكتتْ الأمطار والرعود . تبقت حبات المطر ، تضحك على المباني وتُذيب طين البيوت ، و تنشر الخير في بوادي الزراعة المطرية. ( ليالي الخير جادن).
(3) إن صاحب العنوان الأيقوني الباهر في مطلع قصيدته " ليالي الخير جادن" ، هو الشاعر المخضرم الكبير " محمد ود الرضي " ، الذي أمهله العُمر ، وطاف به القرن العشرين منذ أوله إلى ما يقارب منتهاه ، نثر علينا سهام أشعار كنانته ، فثقلت موازين تراثنا . هو شاعر بليغ ، ووصاف ، وصاحب زاد لغوي لا يُجارى . أسهم في حياة الشعر القومي في أوائل القرن العشرين ، ونفخ في بالون الشِعر العامّي من روائع الشعر الغنائي في مناطق أواسط السودان ، الذي انتقل إلينا بزخرف جماله ، وطينة إبداعاته الطيّعة . واستعاراته الفريدة. صدق الشاعر " ود الرضي " حين قال : ليالي الخير جادن نسايم الليل عادن من المحبوب شُفتَ في الأحلام ظبي يتهادن برخيم نغمات خلي تنادَن عبرات الشوق بي اذدادن تلكُم أحلام لي تمادن ** شُقتَ الحُسن الحافل رافل في ثياب العز والعز كافل رائع واحِل تايه غافل لادِن هادل ضامر كافل هادئ ساكِن آمن قادل بهجة هيبة حاكم عادل
(4) "محمد ود الرضي" شاعر غنائي سوداني ، عبر سهمه بمولده في أيام حكم الخليفة "عبدالله" إلى حكم "25 مايو " ، هو محمد ود سليمان بن إبراهيم بن ادريس أبو بصارة بن بركات بن نورين محمد بن حمد بن محمد السلطني أبو الشيخ بن سعد بن محمد المشهور بالعسيلي والده ينتسب لقبيلة العسيلات . من أبدع شعراء قبل وأيام ما تسمى بمرحلة حقيبة الفن . ولد في منطقة العيلفون عام 1884م ، وحفظ القرآن الكريم بخلوة الشيخ "العبيد ود بدر" بأم ضواً بان ، وتوفي بها عام 1982 .ويعتبر من أبرز شعراء الأغنية السودانية ومن رواد أغاني الحقيبة.
* قري واب روف نحن الطردنا سباعا اسود الغابة عرفتنا وبقينا رباعا بكرتنا ام عرف مافي ود مقنعة باعا والشاطي للحبشة هولنا نحن رفاعا * يوم دق النحاس ياهو يوم حوبتنا نحن الصالحين شربوا عقاب كوبتنا نحن السم شربناهو والدابي في عببتنا نحن الفي دفاتر العز اتسجلنا ندرّج للرفيق لي فلسو ما عجلنا ان طاب طاببناه وان فِلس اجلنا
(5) من أشعاره : تيه واتاكا- السلام يا روح البدن – الدموع ساحت – تيهي فوق العز والنفل – أنور جناني – رمية الطابق البوخة – متى مزاري أ وفي نذاري – أحرموني ولا تحرموني – أنا في التمني – ما بال طرفي عنه النوم أبقا - بى هوى الخلخال لي حبيب الروح – من الأسكلا وحلا – الجرحو نوسر بي غوّر في الضمير – ست البيت – ينوحن لي حماماتِن – ملوك أم در الليلة كيف أمسيتو – المرنوعة – حبابو اللى الكدر زايل – دمع المحاجر قرن .
(6) في حوار مع الطيب "ابن الشاعر" ود الرضي" عن حياته قد سرد بديع أشعاره وتفاصيل محتوى المعاني الشعرية . وسنسرد حدث " الطيب " بكل أريحيته وصفائه . لقد ذكر أولاً أن والدته السيدة "أم نعيم بت حمد "حفيدة العالم الجليل" الشيخ إدريس بن الارباب". وكان شغوفا بالشعر والأدب. كان شاعرنا حينما يأتيه وارد الشِعر ، يكتب على الوجه الآخر من اللوح بعض القصائد، فشكاه بعض زملائه إلي الشيخ ، الذي أنبه شديدا ،فأنشد ود الرضي أبيات للشيخ قال فيها: شيخنا قال لينا إنتو حرفتو أراكم يا مباديل كلكم هِفتو شيخنا يا شيخنا إنت كان شُفتو تجدع الكراس والفكي تكفتو وامتنع بعدها عن الكتابة بظهر اللوح ،ولكنه كان يقول الشعر لأصحابه ، وفى جلساتهم الخاصة والأمسيات. ومن الرواة شعره " القاضي ود موسى" حيث كتب "ود الرضى" في الخلوة الكثير من شعر الموعظة والحكم وشعر الغزل . * سمعت أخت "ود الرضى " وهي" أم هاني " - وكانت زوجة الخليفة " أحمد بن الخليفة العبيد ود بدر" - شعر الحكمة من "ود الرضي " وذهبت به الى الخليفة وطلبت أن يسمع بعضا من شعره، وأنشدته من أشعار"ود الرضي": البلخ بباري أخويا من مولاك وما بزيل الضجر درهم من الواصلاك إنما حماقات النفوس من الأجور فاصلاك فلا تشتكى لأحد غير الذى أبلاك الى أن يقول .. عكرك براك ذكيلو حاذر تصطفي من تصطفي وتحكيلو يا ما ليك صبر يئست من توكيلو هم كان للفهم مالو إذا ابتلى الشاكيلو قال هذه الأبيات وهو لم يصل العشرين من عمره بعد، فأسماه الخليفة ( محمد تنبيه الغافلين) وهو ما يؤكد أنه كتب شعر الحكمة وهو في"الخلوة "وكتبه في شبابه. قد نظم قصيدة مشهورة للخليفة حسب الرسول ود بدر اصبحت منهاج للخلفاء من بعده يقول فيها:
شمر وأجتهد فوق مناهجك سير أمسك درب أبوك وفوقها جد السير والدك مهلها ما خلا ليك تعسير الخير أوجدوا وآرث لك الأكسير إلى أن يقول: إت مجبور على المرتوقة ترفه إت مجبور تقلب الصيفه خرفة إت مجبور كيلك ماتسوى غرفة ومن بحر نداك اسعنا غرفة إت مجبور على الدين والمعسر إت مجبور على المر والمعسّل إت مجبور تغسل المو مغسل لكونك من عظام الحر منسل *
بين الحقيبة وشعر الدوبيت يروى الأستاذ "الطيب الرضي" ان الشاعر الكبير تأثر بشعر البادية والدوبيت في بداياته ، و تأثر أيضاً بالحضارة الوافدة من العيلفون وأم درمان والخرطوم. وهو لم يكن وقتها على صلة بشعراء الحقيبة آنذاك. حيث لم يكن للحقيبة وجود بعد وإنما تأثر بشعر البطانة والدوبيت من الشعراء أمثال "الحاردلو "و"ود الشلهمة "، حيث نظم الشعر على نسق الدوبيت وكتب قصيدته الأولى، و التى تغنى بها "بادى محمد الطيب" و"خلف الله حمد" : ويقول مطلعها سبب نوحي وانت جاري سبب دمعي الدوام جاري ثم كتب: الأهلية كملت يا حبايب راحت حليل شمس المحنّة الغربت طاحت وعلى نسق الدوبيت نظم: إن جيت قاصدا السكة ما تماشيكا وإن شاهدتها تلقى الطرب حاشيكا مقهور بى الله أطرى الذى ناشيكا عيبها واحد بس ..كسلانه ميها وشيكا *
العودة من سنار شأنه شأن شباب ذلك الوقت والحديث لابنه " الطيب " ، سافر ود الرضي بحثاً عن العمل بعد أن هجر حقل والده في " الباجة " في منطقة العسيلات ، فعمل رئيساً للطلُب بخزان سنار وقت بنائه .وهناك لاقى من العنت وصعوبة العيش ما لاقى، فكتب قصيدة يحن فيها إلى أهله والمحبوبة قائلا: متى مزاري أوّفى نذاري .. وأجفوا هذا البلد المُصيف ما أقول أمتى المزار ِ .. إلا تجرى دموعى الغزار ِ زارني ناسم شاقنى المزار .. لو يزورني الطيف يبقى كيف ونظم وهو فى طريق العودة من سنار الى الأهل قصيدته المشهورة: يلوحن لي حماماتن همن عيني غماماتن بريدن شوقي لى لمّاتن ثم نظم أروع قصائده على الاطلاق: أحرمونى ولا تحرموني سنة الإسلام السلام عطفكم يا منْ ألموني كالأشعة الاسم رموني الأنين والنوح علموني
انتقل الشاعر حولي 1926 في الخرطوم بائعاً لثمار " القرع " ، ثم تيسرت له وظيفة كاتب في مصلحة الري المصري بضاحية " الشجرة " بالخرطوم ، ولم يستقر كثيراً وانتقل بعدها للعمل أميناً لمخزن بمصلحة وابورات النقل النهري على شاطئ مدينة " بحري ". *
امتحان عسير سألنا عن علاقة الشاعر الكبير "ود الرضي" بأترابه وأنداده الشعراء في ذلك الوقت، فأجاب الأستاذ "الطيب" بأنه لم يكن من السهل أن ينصب الشخص شاعراً، ما لم يكن كذلك وذكر أن "ود الرضي" تعرض لثلاث امتحانات واجتازها كلها .أولها كان امتحان الخليفة لة وثانيها ان شاعر البطانة الكبير" الحاردلو ". وقد بذغ نجم "ود الرضي" في آخر أيام الحاردلو سمع ان هناك شاعرا فذا يدعى " محمد ودالرضي" فأرسل لة لغزا على شكل قصيدة ، وقال لهم إن فهم ما أعني فهو شاعراً حقا قال له: سيسب واتقلد فى ليالي الصيف لاموج لامطر لاشتا لا زيف زولو واحد حريف ولطيف الملاين العشرة حراتو بعمل كيف فرد عليه" ود الرضي": شعرك بعرفوا لكن معاهو غتاته وشَعر البنات ما بوصفوه بحراتة السيسب واتقلد ديس المبروعة عند أُماتة والملاين العشرة أصابع المشاطة فأعجب به الحاردلو * وكانت الاجازة الثالثة عندما وصل "ود الرضى" للعمل بالخرطوم وأم درمان .والتقى بالشاعر "العمرابي ".والذى قاده الى الشاعر "إبراهيم العبادي "العبادي، وبدوره قاده الى مجلس الشعراء. وكان "ود الرضي" وقتها يرتدي العراقي والتوب، فانكروه وأسموه (العريبي أب توب ). ولم يكونوا يقبلون أحداً في مجلسهم ،ما لم يكن شاعراً بحق ، ومنهم الشاعر " أبو صلاح " و" مصطفى بطران " و"خليل فرح" و"إبراهيم العبادي " و" الكهربجي" وغيرهم . وكان وقتها الغناء السائد هو غناء"الطنابرة "، فأرادوا ان يمتحنوا شاعرية "ود الرضي" وقالوا للعبادي: - الليلة ح نطيّر ليك زولك دا مننا. فراهن عليه "العبادي" وقام باختيار بيت تنتهى قافيته بحرف الزال مكررا .وطلب من "ود الرضي" ان يجاريه وهي من أصعب القوافي فقام "العبادي" وأنشد : عكت جات تميل من الأرض خزازا زينة الخلقة داب ما حسبن بزازا دارت وليها داروه الفي الرزم عام زازا شفنا الدقة والزرزور فصل حزازا فرد ود الرضى على التو قائلا: قادا غزير زراقا زاولنا جيدا قزازا صارت تعترينا جنان وصرنا جزازا صرنا كزيزوان والقلب ذاب وإزازا زانت الزان زبرجد من خميلة أزازا فأجازوه بالإجماع وبدأ ينظم معهم الشعر. وأولى قصائده المغناة بالطنبور كانت: صرت كالفاني ساحت أجفاني يابا عجّل بي قبُل تلّفاني وكانت أشهر الرميّات وأغلبها فى الحقيبة ،هي من شعر"ود الرضي "ومنها: الطابق البوخة قام ندى يهتف نام من الدوخة ايدو عاقباه الجدلة مملوخة لى معالق الجوف موسو مجلوخة *
اضراب الطنابرة عندما حدث اضراب "الطنابرة " الشهير ،وامتنعوا عن الغناء والعزف مع الفنانين لجأ " محمد أحمد سرور" إلى الغناء بصحبة الكورس فقط .وألغى مصحابة " الطنابرة " .وهذه الحادثة التي منها بدأت فترة" الحقيبة " ، حيث نظم "إبراهيم العبادي" و"ود الرضى" أغنيات لسرور، منها الثقيل والمتوسط والخفيف، كما كان يفعل"الطنابرة "ولكن بمصاحبة الكورس فقط . وقد وجدت قبولاً عظيماً من الجمهور. وكانت قصيدة "ود الرضي" الأولى التي غناها " سرور" دمع المحاجر قرن أفكارى الما بندرن يا حليلو اللى حجيلو رن وانتشر غناء "الحقيبة" ، فأخذ منه " عبد الله الماحي" و"عمر البنا " ونظم "ود الرضي" العديد من القصائد منها: "الناحر فؤادي" و"ست البيت "و"السلام يا روح البدن " و" ليالي الخير" والكثير غيرها. *
ثقافة ود الرضي كان سؤالنا للأستاذ "الطيب" عن مفردة الشاعر وثقافته العظيمة في وقت لم يكن التعليم متاحا فعلق الأستاذ "الطيب" أن بلدتي العيلفون وأم ضوا بان هي مهد ثقافة وحضارة شاعرنا ، الذي تشرّب وامتلأ بنفحات المتصوفة. وقد حفظ القرآن وكسب ذخيرة لغوية ثرّة وعرف أنواع البلاغة ، وهو ما عُرف من اهتمام المتصوفة بالأدب والشعر. ولديه محاولات في النظم الشعري باللغة العربية الفصحى ، ولكنه لم يستمر خوفاً من اللحن . كان يداوم الاطلاع على ديوان الشيخ البرعي ونظمه في المديح النبوي . ومنطقة شرق النيل تزخر بالدوبيت والمسادير .وأيضاً كان "ود الرضي "يترد على الشيوخ الذين يدرسون الفقه والسيرة والحديث، لذا تجد الأثر الديني واضحاً في شعر "ود الرضي" كقوله: ما تنفّس صبحٌ أو ضحا لي إلا غاب هدهد فكري وحالي قال لي قربك عين عين المحال فالآية القرآنية ( والصبح اذا تنفس ) شكّلت وجدان "ود الرضي". وقصة الهدهد الذى غاب في قصة النبي " سليمان" .والأثر القرآني عميق في شعر "ود الرضي". وفى أكثر من موضع سواء كان في المدح أو النسيب أو الغزل أو الرِثاء والفخر والهجاء كقوله: شوفتك حالية وبيها يحظى جناني زى ريحة قميص الخشا بير كنعان مكتوب في جبينك بى حبر سلطاني عشرينين وواحد وأربعة ومئتان والبيت الأخير هو ترتيب حروف أبجد هوِّز بالأرقام والتي غالباً ما تستعمل للتصريح باسم الشخص، تستُّرا وعشرينين تعادل أربعين. وهو حرف الميم وواحد هو حرف الألف وأربعة تعادل حرف الدال ومئتان حرف الراء وهى كلمة مادر وهو من أبخل العرب ،حيث شبه "ود الرضي" المحبوبة ببخل الوصل كذلك الذى يدعى "مادر". ويضيف الأستاذ "الطيب الرضي" إن شعر" ود الرضي" لم يأخذ حظه من التمحيص والعرض، رغم أننا وفرنا وأودعنا جزءاً كبيراً من شعره للمكتبات، خاصة المساجلات بين " إسماعيل حسن " و"ود الرضي". * عندما هاجم "إسماعيل حسن" شعر الحقيبة، واتهمه بعدم المواكبة وهاجم الشاعر "ود الرضي". وطلب أن يركن شعره إلى الرّف ، لأنه أصبح غير مواكب. وقد رد عليه "ود الرضي" قائلاً: صحيح كبرت لكن خيالي شاب وجوادي فوق للنجمة شاب محبوبي لامن شنبي شاب ما نبشتو بى نشاب مشاب ويقصد قصيدة أسماعيل حسن (خدعوك وإنت ما تعرف صليحك من عدوك). وفى الستينات كان "ود الرضي" يرد أسبوعياً على" إسماعيل حسن" بقصيدة كقوله: شاعر ضيعوك شلنا النقط من شينك عضيت أصدقاك الكان مغطين شينك آلوك أظهروك قبال يتم تدشينك أيه وداك لى شعر الحقيبة تشينك الى قوله : الحقيبة ما بتمدح دعارة ولا المحبة المستعارة الأغاني المفضوح شعارها الحقيبة كاشفا عارة وحتى يبين "ود الرضي" أن شعر الحقيبة ليس قديماً. و كتب هو قصيدة "فتاة اليوم "وفيها يقول: شوف فتاة اليوم حلاتا ربي زيد ريدا وغلاتا مهماتا يا اسماعين تلاتا مكتبا وبيتا وصلاتا وقد وُجدت بخط يده والحدي مكتوبة (مهماتا يا اسماعين تلاتا ) .ولكن عندما تغنى بها "بادى محمد الطيب "و"خلف الله حمد "عُدلت إلى ( مهماتا يا خلاي تلاتا). وتم الحديث عن أن بعض الشعراء أعابوا على "ود الرضى " تصوير المحبوبة في قصيدته المشهورة: أنا فى التمني ديمة هديلي ساجع ما لقيت لى مغيث وما لقيت لي مراجع الى أن يقول: داير أشوفوا غافل داير أشوفوا جازع يتغطى بسواعدو وبى طرف المضاجع هذه القصيدة لم تكن سوى أمنية من الأماني، التي يرى "ود الرضي" أنها مستحيلة التحقق، لما ملمح العفاف في شعره. وهو تصوير حسي برع "ود الرضي" في إظهار ملكاته التصويرية المزينة نظرته الجمالية ، تماماً كما امتدح "النابغة الظبياني" ووصف المتجردة في قصيدته المشهورة: (سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد) فهل كانت المتجردة غانية وهي زوجة الخليفة !.لا يعاب على "ود الرضي" التصوير الجمالي. وهو الذى تغنى للفضائل والثوب السوداني الساتر انظر قوله: البسي توبِك الشيء اليسير يلفتنا يالكلك محاسن وكل قامتك فتنة إنتِ عروض رجال ونحن الرجال بصفتنا نحب التوب وست التوب مقدرة كل وافتنا أوعِك تمشي كاشفة معريات كتفاتِك وتراقيك ومرافقك يكون رشادك فاتك إلى أن يقول: الجسم المثل ناعم الحرير الهندي بى دم الصبا وروح الملاحة بيندي وجوز رمانك الكاتلابو كل أفندي الرسول غتيهو يابت القادة فرسان شندي *
أغنيات للوطن كتب "ود الرضي" رائعة "خلف الله حمد" : يوم الملاحم لينا عيد ميّتنا فى الميدان شهيد بشرانا بالعهد الجديد نيلنا أزرق ونحنا سود وصغيرنا يحتقر الأسود * وغنى "ود الرضي" لأكتوبر. ونظم قصيدة " للأزهري" وكتب قصيدة "للسيد عبدالرحمن المهدي"، رغم انه لم يكن منتمياً لحزب الأمة. وكتب في أرض السودان: سوداء الأديم زرقاء الخضم خضراء البطاح لكم انجبت بدراً شارقاً وضاح ها اقمار مساك وها نهارك ضاح وفردوسك تنفس وها بلبلك صداح وكتب قصائد مناهضة للاستعمار، وسجن بسببها وعُذب ، خاصة عندما نظم قصيدة وداع للجيش المصري، والذى كان هو مُساندا لثورة" اللواء الأبيض" وفيها يقول: يا حليل الجيش الرحل كان قريب أصبح فى زحل وغناها سرور فى حفلاته وسُجن بسببها أيضا، ولكن للأسف لم نتوفر النص كاملا. هناك مركزاً ثقافياً في" أم ضواً بان "يحمل اسم "مركز ود الرضي " الثقافي بُني بالمجهود الذاتي والمتبرعين بالمواد العينية . وقام صرحا عظيما وافتتح رسمياً في عام 2004
الإخوانيات عند ود الرضى كتب" ود الرضى" للمحبوبة وفي المدح وللوطن وفى الإخوانيات والأصدقاء وكان يعتز بأصدقاء كثر منهم "محمد ود خالد "و "ود الحنان" و"محمد بركات" والد المطرب "أحمد المصطفى " و"خليفة الأمين "والد المطرب " سيد خليفة "و"حمد ود بدر" والد المطرب " خلف الله حمد "وأشهر قصيدة له في الإخوانيات ،قصيدة "العمدة طه" الذى سمع عنه فقط وعن خصاله ،فكتب مادحاً: تعال بالفنجري بى سيرتو النتحاجا الولد الفي ليالي الحوبة بقضي الحاجة ضباح اللباح عندو الدعول مو حاجة فوصلت القصيدة الى العمدة طه الذى أهداه جواداً أصيلاً استكثر الناس على "ود الرضى" وطلبوا إبدال الفرس بالمال. وجمعوا مالاً وفيراً. حتى لا يهدي الفرس. وقال العمدة طه قولته المشهورة : - علي الطلاق الحصان يمشي والقروش تمشي علوق للحصان. ولجمال وكمال الفرس أراد عمدة السريحة أن يشتريه من "ود الرضي" فحلّ ضيفاً عليه وطلب شراؤه فوافق "ود الرضي". وسأل عن السعر الذى يريده فيه فأجابه "ود الرضي" سعره أن تكلفة جيداً ولا تتركه مع الهوام وكتب للعمدة "طه" يعتذر على بيعة الحصان قائلاً أنا ما مدحتك لأجل عطية ولا كنت ضجران من صديقي عطيّة ربك ذو كرم ومكارمو ميها بطية لكن رأيت عدم الحميدة خطية إلى أن يقول: رفع الله قدرك قدري غاية رفعتو نفاع العباد كم كم خلافي نفعتو طغيت لما امتطيتو والقرن رفّعتو فتدبرت كلا إن خشية دفعتو
وكان يقصد بها قوله تعالى ( كلا إن الإنسان ليطغى) * "ود الرضي " وست البيت يروى الأستاذ الطيب الرضي أن والده تزوج مرتين الزوجة الأولى كانت من قرية تدعى "الحويلة "جنوب" أم ضواً بان ".ولم يثمر هذا الزواج وتزوج عام 1930 من السيدة "بتول" وهي والدته ولها من الأبناء الطيب والرضي، ومن البنات "الرحمة" و"الدلسة" وعاش معها إلى أن توفت في الخمسينات ولم يتزوج بعدها. وقد كتب فيها العديد من القصائد أشهرها "ست البيت" والتي مطلعها: ست البيت بريدا براها ترتاح روحي كل ما أطراها إلى أن يقول: لو كان يوم حبيب واصلي بالكرم العريض توصلي معاها خلاف قط ما حصلي بس ازعاجا لي قوم صلي وغنى لها (المرنوعة زي شمس الغمام فى طلوعها) وأرّخ للتبكير بالبنات وتمنى ان يبكر بالبنية حتى قبل أن يتزوج وكتب يقول: يا مولاي زوجة يكون شلوخها تلاتة الاتنين نبكر بالبنية حلاتها
الى أن يقول: تعفف من الأرض إن بقت دلوها ماحت جاي وجاي من الدفاق تكلوها بى الرضاع والمسك وعقد الجلاد جلّوها وكان "ود الرضى" يكتب الشعر ليلاً. وحول سريره ،ويدوّنه في الصباح عند استيقاظه *
لحظاته الأخيرة "ود الرضى" تعرض لحادث سقوط في المسجد في عام 1973 .وأصيب بكسر في الترقوة ،عالجه الشاعر والإعلامي " عمر الحاج موسى ". وكان وقتها وزيراً للثقافة حيث مكث في المستشفى ثلاثة أشهر. وقبع بعدها في غرفته في المنزل حيث كان منزله قبلة للشعراء والأهل والأصدقاء.ويروى الاستاذ الطيب الرضى اخر زيارة حيث رفض الشيخ ود الرضي أن يتناول طعاماً او شراباً في صبيحة يوم الجمعة ، فجاءه" العبادي" و"عبيد عبد الرحمن" و"عبد الله الماحي " و"محمد بشير عتيق" و"مبارك المغربي"، فلما حضر هؤلاء الشعراء .أيقظه ابنه " الطيب " وقال له "يابا ناس العبادي ديل جوك " .هب والده الشاعر " ود الرضي" من رقدته وهو يصيح أهلي جو أهلي جو" . وفوجئنا به يأكل ويشرب معهم وهو يضحك ويتبادلون الشعر ولم تمضي أيام على تلك الزيارة حتى وافاه الأجل . * نزجي في الختام آيات الشُكر وكثير الامتنان للمقابلة التي أوضح فيها ابن الشاعر ،الأستاذ " الطيب محمد ود الرضي" الكثير عن حياة الشاعر المُخضرم " محمد ود الرضي " ، وإضاء حول نظرات الشاعر ولغته وتعبيراته ومقارناته واقتباساته ومراجعه، كما نخص الكاتب والباحث " معاوية حسن ياسين " بأسمى آيات الشكر والتقدير، إذ جمع لنا هذا الكم من شعر الغناء ضمن أسفاره الثلاث .