الإسلاميون وإدمان الكذب: “الوزراء مساكين”

 


 

 

 

يتحفنا المسؤولون وقادة المؤتمر الوطني بين كل خيبة وخيبة - وخيباتهم كُثر - بسيل من الأكاذيب والأغاليط، وفي كل صغيرة وكبيرة، وبمناسبة وبدون مناسبة، وبين كل كذبة وكذبة كذبة. انغمسوا في الكذب عشرين عاماً وازدادوا تسعا، فبلغوا فيه مرحلة يستعصي علاجها: الإدمان. وبنسجهم للأكاذيب، يظنون أنهم يحسنون صُنعا، وأن ذلك يواري سوءة فشلهم وعجزهم، ناسين أو متناسين أن حقيقتهم باتت مكشوفة حتي للأطفال. وربما كانوا معذورون في ذلك، كونهم رضعوا الكذب من مثلهم الأعلى، الذي ظل يكذب عن صلته بالانقلاب لسنين عددا. إذ أجاب حين سأله سائل عن علاقته به، بالنكران، وقال مستطردا: "أنا رجل صادق، وكلكم تعرفون أنني رجل لا يكذب". (سودان مونتر فبرائر 1994) ومن شبّ علي شيء شاب عليه وأتقنه وأبدع فيه، ومن شابه أباه فما ظلم.

بالطبع، الرد علي الكلام غير المنطقي بالمنطق يبدو عدم منطق، وقد يري القارئ الكريم أن تصريح الحاج آدم لا يستحق التوقف عنده لجلاء الأكاذيب، وبما يحوي من نقائض. كل هذا صحيح، ولكن لا بأس أن أجاريه علي سبيل التسلية. يقول السيد آدم أن مرتبات ومخصصات العاملين في قطاعات النفط والتعدين أفضل من الوزراء بكثير جداً. (والله وبالله وتالله) لو كانت تلك حقيقة لكان الزهد في المناصب شيمة منتسبي المؤتمر الوطني، ولهرولوا لقطاع التعدين، ولما وجدنا منهم راغباً في ترؤس وزارة، أو ولاية، بمن فيهم والي الخرطوم بالنظر. أما قصة أن بعض موظفي الحكومة يتقاضون مرتباً يفوق العشرة آلاف دولار بينما يتقاضي الوزير عشرة آلاف حنيه سوداني، فهذه كذبة ما سبقه عليها أحد من العالمين. لأن ما ينفي هذه هو حالة الفلس التي ضربت الدولة، حسب كلام إبراهيم غندور، الذي لم يشفع له بكاءه فصرف له الرئيس بركاوي. أيضاً ما يفضح كذب آدم، هو القرار الذي أصدره الرئيس وشمل إجراءات تقشفية، كتخفيض الدبلوماسيين وإلغاء بعض السفارات في الخارج. (في المناسبة، صرف البركاوي لا تعني ذاك المعني المبتذل الذي قد يتبادر لأذهان ذوي النية السوداء، بل تعني اظهار العين الحمراء للخصوم).

حفل تصريح الحاج آدم بعدة أكاذيب، وكانت طريفة دعوته إلى "محاسبة أي مسؤول يمارس عملاً تجارياً" ونفيه أن هناك "وزير بالحكومة الآن يمارس عملاُ تجارياً". هذا إفك، معلوم للقاصي والداني، من ضمن الذين صرّحوا بأنهم يديرون أعمال تجارية في ذات الحين الذي كانوا فيه يتقلدون مناصب رفيعة، علي كرتي، عندما كان وزيراً للخارجية، أعلن بنفسه أنه يعمل في استيراد مواد البناء. الآن والي البحر الأحمر، ربما ليشرف بنفسه علي دخول بضائعه المستوردة من سيخ وأسمنت وخشب للميناء. ومعلوم بسط هيمنة منتسبي المؤتمر الوطني علي الأنشطة التجارية والاستيراد، وشن حرب شعواء علي كل من تسوّل له نفسه أن يلج مجالي التجارة والاستيراد ومنافستهم فيهما. أشير، علي سبيل الذكر، إلي أن أحد معارفي عقد صفقة لاستيراد حديد البناء مع شركة في الخارج، ولما بلغت السفينة التي تحمله مشارف ميناء بورتسودان، واجه مماطلة في رسوّها. في تلك الأثناء، أغرقت مافيا المؤتمر الوطني السوق بالحديد فتهاوت أسعاره، وبعد وصول شحنة صاحبنا، الذي يعاني من داء السكر، لم يعد سعره ليغطي ثمنه المضاف إليه ضرائب أضعافاً مضاعفة، فقضي نحبه!

ثم تأتي أُم الأكاذيب، "رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والقمح، من شأنه توفير موارد يمكن الاستفادة منها في تشييد الطرق والمؤسسات الصحية". هذا سخف، لأن النظام قام بتفكيك مؤسسات الدولة الصحية لمصلحة مأمون حميدة. والصحيح هو توفير ما كان يُدفع للدعم، والذي ساهم في تخفيف وطأة الحياة للشرائح المُستضعفة لمخصصات شغالي المناصب الدستورية وجيش حميدتي، الذي قال: أنا ابن الرئيس ويده اليمني! ومع أن الكذب من ناحية المبدأ الأخلاقي لا يجوز ولا يصح - الدين نتركه جانباً - إلا أنه يحدث في عالم السياسة، ولكن ليس بمثل تلك الغثاثة، وقد يُحتمل عندما يتم تغليفه في وعود انتخابية مثلاً، لأن هذه يمكن الانفلات منها بأن الظروف/ الموارد لم تسمح بإنجازها وما شابه، أي وجود خط رجعة، لا يجعل من الأكذوبة تلك الخطيئة الفادحة. ولكن أكاذيب (جماعتنا) فاقت المدي، حتي لأظن أنهم عندما يجتمعون بعد صدور كذبة من أحدهم، أن يقول يقولوا له: بالغت في دي، كتلك التي صدرت من الكذاب الأشر، ربيع عبدالعاطي: دخل الفرد في السودان 1800 دولار.

وخير الختام أسلوباً وفحوي، السؤال الذي وجهه الرئيس عمر البشير ذات مرة للجمهور في أحد لقاءاته: يا جماعة أنا عشرين سنة حصل كضبت عليكم؟ قلت ليكم كلام كضب؟


babiker200@yahoo.ca
//////////////

 

آراء