( أخذتُم علمكم ميتاً عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت)
أبوزيد البسطامي (لحظاتنا كلها كرامات ، وليس هنالك كرامة أفضل من كرامة العلم ) محمد الطيب الحساني
(1) في كتاب " لؤي فتحي " و " شذى الدركزلي " و " جمال نصار " ( علم خوارق العادات البارامالوجيا ) يقررون : { لقد قادنا التعمق في دراسة عالم الظواهر الخارقة للعادة على استنتاج ضرورة التنازل عن اسم الباراسيكولوجي أو باراسايكولوجيا الخبراتية ، وذلك لقصور هذا المصطلح عن استيعاب ما يحدث في الظاهرة الخارقة عموماً ، وهذا هو السبب الرئيس وراء استحداثنا لمصطلح جديد هو علم خوارق العادات " البارانورمالوجيا "، ليكن العلم الذي يقوم بدراسة الظواهر غير المألوفة في هذا الوجود }
(2) للكون أسرار ، شفيفة بقدر سمو الأرواح. لا يُدركها إلا صابر على بلائها، وذائق عذاباتها برضى. لا تشف الروح إلا بنعمة الصبر على الجوع والعطش، بقدر ما يستطيع الصاعد إلى عتبات العُلا . يثقُل الجسد بما يحتوي من تكوين المادة، وتخف الأرواح وتشف صاحبها إن انتبه. عالَم الأرواح ثابت ومُتنقل، يجتاز الفلوات. لا يعرف الليل أو النهار ، لكن الليل أكثر سكينة ، وليل العاشقين هو الصفاء . قلتُ لنفسي : أيمكنني أن أصعد إلى عالم الأرواح ؟ جلستُ وأنا متوسط الحياة، بلا جوع أو عطش. الوقت من بعد منتصف الليل. الغرفة معتدلة القِوام ، لا باردة ولا حارة. الدنيا ظلام، أجلس أنا على وسائد فوق بساط. غرفة بدون وسائط المعرفة، خالية من الراديو والتلفزيون والتلفون المحمول وضجيج الناس. قال الذكر الحكيم { يُنزل الملائكة بالرُّوح قل الروح من أمره على منْ يشاء من عباده } قرأت الذكر الحكيم وانتقيت كلمات تآلفت مع نفسي، أحببتُ قراءتها، وحالتي رائقة مُطمئنة. واخترت : { سُبحان رب السماوات والأرض رب العرش عمّا يصفون } بين يديّ مسبحة ، تمتص الضوء عند وهجه ، وتبقى تُنير برهة من الزمان. وبأصابعي أحركها وأقرأ النص، مرّة ومرتين، إلى أن يصل تردادي إلى الرقم (1000). تنفتح أمامي الدروب. تغمُرني سكينة ما عهدتها من قبل . وتتغشاني طُمأنينة لم أحسّها في سابق عُمري. قال قائل : هذا يوم عبورك من دُنيا تشغلك عن نفسك، إلى دُنيا أخرى. تنس في حضرتها كل ما حولك، أنت تتوسط جمع من الأرواح، تأخذك بالرأفة واليُسر والسكينة. نفسُك وقد صارت صافية. تسير أنت كأنك في حديقة أزهارها تُنعش النفوس، حية تكاد تُلامسك وأنت تتنزه. هناك خلوة للنفس، أشجارها مُتعانقة، وفواكهها نضرة، فائقة. النفس مُنعزلة، نائية وكأنها مهجورة، مُتحررة من المنطق ومن شتى القيود. تجد نفسك كأنك في وسط الأفلاك والكواكب، تدور من حولك، وأنت شاخص إلى العُلا. تذكر ربك ولا تنسى. قشعريرة تملأ جسدك. يقترب الكون منك ويتفتح إلى أفق المدى وتبدأ السماوات تتجلى صاعدة.
(3) كتب ابن الفارض :
آنستُ بالحي ناراً ليلاً فبشّرتُ أهلي قلت امكثوا فلعلّي أجد هُداي لعلّي دنوتُ منها فكانتْ نار المُكّلم قبلي نوديتُ منها كفاحاً ردّوا ليالي وصلي حتى إذا ما تدانى الميقاتُ في جمع شملي صارت جبالي دكّا من هيبة المُتجلي ولاح سرٌّ خفيٌّ يدريه منْ كان قبلي وصرتُ موسى زماني مُذ صار بعضي كُلي
(4) التزود بالعلم ورشف رحيق الحقيقة العرفانية من بساتينها الغناء، يتيسر حين يكتمل الإذن. تنفتح دُنياوات أمامك لم تكُن تخطر على البال. تجد الغشاوة وقد أزيلت عن العينان. ترى بلور الندى على الزهر عند الصباح. عند الضُحى يخرج الأوكسيد من كساء الأرض النباتية، فيستحم الناس من حولها وقد غسلتهم النِعَم. هذا الكون مليء بخوارق العادات ومحاسن الصُدَف وأزاهر النشوة. تقع أينما شاءت لها الأقدار. كأنها تدبير عقل واع. حين جلستُ أتأمل الكون ليلاً، بدا لي أن الكون من فوقي، كساء لا نهاية له. يبدو القمر عند اكتماله بدراً، كأنه مُحمّر من خجل. تلك الأنجم أو الشموس التي تُرى مُتلألئة، تُشير في دلال إلى الانتباه للحكمة التي جمعت الأصفياء، وتعطرت بهم السماء. تأمل سواد الليل وأضواءه البعيدة القريبة، ستجد في تأمُلكَ استئناس، وستزول عنك وَحشة الأحزان إن وُجدت. تتأمل أعمق، فيدخل النور الباهر إلى نفسك وتستنير من أضواء الكون . وتأتي الحكمة وقد تدلّت ، عارية من كل أثوابها الخجولة ، مُتعطرة بنفائس العطر. أشرق من الشمس وأبهى من القمر .