استأثرت "الجماعة " المعروفة بالسلطة ، بعد أن أجمعوا على ذلك منذ أوائل سبعينات القرن العشرين إلى تيسر لهم الأمر أواخر ثمانينات القرن العشرين . سلكوا سبيل الغدر والخيانة ، ففي نظرهم أن الناس في الوطن يعيشون في جاهلية القرن العشرين ، متتبعين مرجع "الجماعة " " سيد قطب " في كتابه الذي خرج به على العالم في ستينات القرن العشرين.
وعليه تمت استباحة الدماء ، بلا وازع من أخلاق أو دّين ، ترهيباً للناس. وفي المنظور أنهم بصدد إعلان دولة خلافة إسلاموية ، الأولى في العالم الديني السُني من بعد نهاية الخلافة العُثمانية ، يرغب العالم الأول وفق تصور " الجماعة " أن يبيدوها !.
لم يكُن يتصور الجماعة أن تتكالب عليها الأعداء ، من كل حدب وصوب ، لغنى حضاري يتصور " الجماعة " أنهم يُبشرون به ، و بحضارة جديدة تتحدّى العصر . ولكن خاب فأل " الجماعة " ، حين نعلم أنهم يتصورون و يتحدّون الحضارة المعاصرة ، ليس بإنجازهم السابق عصره ، بل بالعودة رجوعاً إلى تاريخ سلطات الممالك القديمة ، حين سادت العالم في غابر العهود .
استأثرت " الجماعة " بالسلطة ، فأساءوا الأثرة ، وجزِع أعداء " الجماعة" في أقاصي الأرياف ، ونهضوا حين تحدتهم سلطة " الجماعة" قائلة : ( نحن نزعنا السلطان وأشهرنا السلاح، فمن أراد أن يُنازعنا السلطان، فاليُشهر علينا السلاح ) ، فحمل المُعارضون في الأرياف البعيدة السلاح . وتأذى من الحرب أهل القُرى ، وانتشر الموت العشوائي في كل أريافنا ، لأن السلطة كما تقول " الجماعة " أمرٌ مقدّس ، و أمرها وهبه المولى للجماعة ، فكيف يُنزع المُلك الذي أعطاه الرب للجماعة!؟. وأن المولى تعالت عزّته قد مكنهم من الأمر { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } الكهف (84)، بل لبسوا جُلباب الرب ومكّنوا أنفسهم دون غيرهم ، وقالوا إن الله مكّن لنا الأمر!
(2) سُئل مُعارضان للنظام : ألا تُقاتلا السلطة معنا ؟ فرد أحدهما : أنا أفضل أن تنزل " الجماعة" عن السلطة مثل لوح الزجاج حتى لا تنكسر! . ورد الآخر : لن اُقاتل السلطة ، حتى تأتوني بسيفٍ ينطق فيقول ( هذا مؤمن وهذا كافر )!
(3) غزت سلطة الجماعة كل مُستضعف شأنه بغرض إخضاعه . يعني استلام السُلطة بيُسر ، لأن المُعارض بقلبه هو مُؤيد في ظاهره . وبعض المُتأسلمين مُعارضين بألسنتهم المقالية ، مُعارضين في ظاهر مقالاتهم ، ولكن في قلوبهم يرغبون مُتأسلمين أكثر نقاء وأكثر رأفة، كما قال إعلامي بذلك إسلاموي تسيّد الساحة الإعلامية لأكثر من عشرين عاماً ، ووهبته الملوك ، أقصد وهبته البنوك المتأسلمة ما يسر له حياة الرغد ، دون أن يسأله أحد .
ماذا نفعل مع المُعارضين الذين يحملون السلاح؟ خير وسيلة للمتأسلمين هي إعادة تفريق الأسهم ، كي لا تكون حِزمة واحدة ،ويتفرق المعارضون أشتاتا. وكذلك ابتداع منصة للمفاوضات ، فهي وسيلة لقتل موضوع المعارضة بالزمن وإهدار الوقت . ففي كل مفاوضات تبعث سلطة الإسلاميين مجموعة جديدة من المفاوضين غير المفوضين ، للإثارة والضجيج .
(4) كتب أحد المتأسلمين : {وفي كل ذلك كنا نعزي أنفسنا أننا ندافع عن " الدولة الإسلامية"!! ،ولكن من قال أن تاريخ الحق كله أصحاب الأخدود؟!! .من الذي جعل الدولة الإسلامية مدافعة؟!!!، بل أنا لا أزال أقارن بين العمل الفني الدقيق الذي تم في 30يونيو بحرص شديد على عدم إراقة دماء، وبين دماء غزيرة أريقت ليلة 28 رمضان بلا مبرر .ولا أجد إجابة لسؤالي كيف انتهينا من التزام صارم بإحداث تغيير فني غير مسبوق بدون دماء، إلى سفاكين للدماء؟!! من الذي أجرى هذا البحر من الدماء بين "الحركة الإسلامية" وخصومها؟!! من الذي كان يسابق خطتها لإعادة الحياة السياسية ليجعلها مستحيلة؟. نعم ليس هناك سياسة تطهير عرقي لساكني" دارفور "، ولكن من قال أن المتورطين يجيزون سياساتهم بالإجماع في اجتماعات؟ .من الذي أمر بالطائرات لتضرب القرى الآمنة ؟. وسلّح مرتزقة القبائل لقتال المسالمين ؟}
(6) إن " الجماعة" صارت إلى اختلاف بيّن . وقلق خفي في الضمائر، إن توسّمنا صحوها من المنام الطويل .أطماع تظهر أول أمرها على استحياء ، وتستخفي عن كُره من أصحابها. والآن قلق ظاهر وأطماع تستجلي حتى بان بريقها ، كما يُجلي النار الذهب. فينهض أصحاب الأغراض من كل حدب وصوب ، يُكشّرون عن أنياب الذئاب الجائعة ، فيقبلون على المختلفين من أصحاب الرؤى فيعذبونهم ويقتلونهم غيلة ، وهم يوغلون في الدماء ولن يرتووا منها أبداً. كانت الغلظة منذ عهدهم الأول. أخذوا مُعارضيهم مآخذ الجاهلية الأولى . وبرزت عصبية كاد ينساها أهل السودان في أريافهم ، بعد أن تركوها في أشباه المدائن. أين الكرام الذين يقدرون على العفو ، وأين هم من السواد الذي ملأ القلوب والضمائر ؟ قال قليل من أهل " الجماعة" أن لو عرفوا أن الأمر بالغ بهم هذا المبلغ ، لما دخلوا فيه . قال من قبل الصحابي" عمّار بن ياسر " يرجز في معركة "صفين" بين جيش "علي بن أبي طالب " وجيش معاوية بن أبي سفيان: نحن ضربناكم على تنزيله .. واليوم نضربكم على تأويله و هكذا قال " الجماعة" للناس قول الشامت ، وقد أعجبتهم فوزهم بالسلطان بليل ، مثل رجز عمّار.
(7) لقد نبذت " الجماعة " حُكم الكتاب الذي أعلنوه على الملأ، ووضعوه أمام أظهرهم .وارتأوا الرأي من التنظيم الذي إليه ينتمون، فأماتوا ما أحيا القرآن ، وأحيوا ما أمات القرآن . فقد كانوا قد رفعوا القرآن على أسنة الرماح ليُخادعوا العامّة ، فاتخذوا قول الحق الذي أرادوا به الباطل مطيّة لمآربهم . لم يسمعوا قول النُصح، ففي آذانهم وقر. وحقّ فيهم القول :
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى .. فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
أماتوا الهُدى وأحيوا العصبية القبلية التي يبغضها الناس . وأماتوا العدل ، واستجلّبوا أصحاب المصالح، الذين يسيرون على دين الملوك، فأطلقوا اللحى ، ونصّبوا أنفسهم مُدافعين عن سلطة " الجماعة ". ضعف " الجماعة " أمام المال، وتوزعوا مال الدولة فيئاً بينهم، فهي في نظرهم القاصر، أنهم ينهبون دولة الكُفر . كان أغلبهم يعيشون حياة الفقر المُدقع. أيقظت السلطة وأموالها منافع كانت نائمة في الأحلام ، ونبّه مآرب كانت غافلة ، فولجوا أبواب ترفٍ لم تكُن معروفة . فالفرح بالمال يُغري بالاستزادة منه . والاستزادة تفتح أبواباً من الطمع لا سبيل إلى إغلاقها . وإذا وُجد الطمع وُجد معه زميله البَغي . و وُجد معه أيضاً زميل آخر هو التنافس على الرذائل، أيهما يظفر بقصب السبق، ووُجد معه زميل ثالث هو التباغُض والتهالُك على الدُنيا . وإن وُجدت كل هذه الخصال مُجتمعة ، وُجد معها الحسد الذي يحرّق قلوب الذين لم يُتاح لهم من الثراء ما أصبح للجماعة. وإذا وُجد الحسد حاول الحاسدون إرضائه ، فصار الشرّ بين أولئك وهؤلاء ، يعلِكون لجامه كالجواد القارح ، الذي حيل بينه وبين النشاط. أرى سلطان الدين عند " الجماعة" قشرة خرجت وظهرت الأوزار وعمّ البلاء . ضعفت نفوس" الجماعة "، وأستأثر سلطان المال والفساد بالقلوب والنفوس . وسبحوا بين القناطير المُقنطرة من الذهب والفضة ، والناس جياع !. انتهي زمن الشظف واخشوشان العيش . رقّت الحياة وخلوا لأنفسهم للين الحياة ، لا يهمهم أمر الناس ، فهم في نظرهم إما أهل جاهلية أو أهل نفاق . لم يكن "الجماعة" مُتجردين من شهوات النفوس التي لا ترتدع بشيء، ولا مُتبرئين من الهوى الذي يفسد الرأي، ولا من عبث الخيال الذي يخفي حقائق التاريخ. نصبوا خيمة الجهالة كي تظلهم ، فهي صفتهم منذ البدء وإلى المُنتهى . فلا ينتظروا من الآخرين " عفا الله عما سلف" .