ما بنختلفْ : للشاعر حسن الزبير

 


 

 

 

 

بزّالشاعر "حسن الزبير" كل شعراء الأغنية العامّية الفصحى السودانية. وحفر نبعاً صافٍ، ماؤه حلو زلال. ولج الشاعر بوابة العشق، وفتحت له مغاليقها ،وقد كانت أقفلت بابها منذ زمان الشُعراء النوابغ، حتى جاء الشاعر "حسن الزبير". ضجّ الباب بالصرير وأسمعت الصمّ ومنْ بأذانه الوقر. صوت باب الخشب السُنط، يفتح له دُنيا العشق، لتستقبل فارس الكلمة الشاعرة، فيبتهج أهل الدار.

لم يدخل شاعر وكر العاشقين المُميّزين غيره، منذ زمان لم يلج أحد أبواب الشِعر العاشق الفخم ، وما صعد جبال الكلِم الطيّب إلا شاعرٌ مدّ له التطريب حبال الوصل. ومدّت له أغصان الشجرة نفسها طيّعة مُختارة، وقد اختلف واصفوها، أهي غربية أم شرقية. مسّت جذورها بطن الأرض وسقت واستسقت. أنصف الشاعر دهره. فما ادّخر صفاء من شعره إلا جرت به الألسُن، وعمّ أشباه المدائن والقُرى غناؤه، حتى أضنّ به عصره علينا، فخطفه الموت، ورحل منذ زمان.


(2)
ما بنختلفْ
درّسني بس قانون هواك
بحفظ حروفو..حرف ..حرف
أول بشيل الضمّة ديك
وأبرز سكون حرف الوقفْ
واكسر عيوني أمام عينيك
واحفظ ملامحك بالوصفْ
أنا ببقى زي قيس زي جميل
أبكي واجنّ أشكي وأعّفْ
ونرجّع الريد الزمان
القالوا عند الناس خِرِفْ
شفافْ وشوفتك شفا
وزعلك يشفّق و بعترفْ
في سرّي في الغيب من سنين
ما قايل الغيب بنكشفْ
سامحني مرّة إذا نسيت
ما تبقى صارف ومنصرفْ
لو حتى حقّ الريدة هان
أنا لي عليك حق الوِلفْ
أنا عندي ليك سر من زمان
داير أقولو ومنكسفْ
كل ما أقول قربت ليك
تلقاني بادي من الألفْ


(3)
لن ننفكّ نتحدث عن العشق والمحبة، فهي دار أطلّت غمامتها على كل الأراضي، وأروت عطشاها بهبة الرب. يرى العاشق ما جعله محباً، يلتمس طريقه إلى المحبوب. قد لا تكون المعشوقة بذاك الجمال المُتفرد، وقد لا يكون المعشوق فارساً حسناً وموغل في الفروسية والحُسن. ولكنها ومضة المحبة، وكنز الرب الذي نحمله بين جوانحنا.
إن علمت أن الحُب قائم على التركيبة الفيسيولوجية للأشخاص، وأن بعض الهرمونات التي يفرزها الجسم قادرة على إحداث المشاعر العذبة، بل هي المسئولة مباشرة عن مراحل الحب المتعددة. وتعدْ الرغبة أول مراحل الحب وأكثرها سطحية، فهي مرحلة غريزية أكثر منها وجدانية وروحية، إذ لا تقتصر على الإنسان فقط ، بل على جميع الكائنات الحيّة، بغرض حفظ النوع، لذا وُجد أنها تعتمد بشكل أساسي على هرمونين، هما المفجّران الرئيسيين للشهوة لدى الرجال والنساء على حد سواء.
وهنالك هورمون ثالث يُفرزه الجسد في حالة الوقوع في الحب، وهو مسئول عن السعادة والتعلق الشديد بالآخر لدرجة الإدمان. ولوحظ إفراز هذا الهرمون بكثرة في بداية هذه المرحلة ، مما يؤدي إلى التعلّق الشديد بالطرف الآخر، والرغبة الدائمة في التواجد بقربه ،والسعادة والنشوة عند رؤيته أو التحدّث إليه، هذا يفسر أيضاً عدم القدرة على رؤية عيوب الطرف الأخر أو التغاضي عنها عن عمد.


(4)
يمسك الشاعر "حسن الزبير" بقافية عصيّة على التركيب الشِعري، فحرف الفاء رغم أنه ليس بحرف مد موسيقي، إلا إن الشاعر قد اختاره مسكوناً، رغبة منه في تحدي القِوامة الشِعرية. وهي تكشف بالقدر ذاته ، مقدرة لا متناهية لدى الشاعر، تمكّنه من بث شجونه أثناء النظم الشعري في قالب صعب التركيب، عسير التناول. وإذا شاهدنا طبيعة الشِعر الغنائي، لوجدت أن شاعرنا، قد اختار أصعب الدروب وأكثرها خطراً في صناعة الموسيقى الشِعرية. فقد اتخذ نهجاً كان فيه فريداً، آثر هو أن يختار لقصيدته طريقاً صحراوياً، تنعدم فيه آبار الماء أو واحات الراحة، وتجفّ الخيارات السهلّة.
*
نبدأ بـ ( ما بنختلفْ )، ليست أيقونة تُميز القصيدة فحسب، بل ثمرة عصيّة على المنال. حمل العاشق كل بضاعته التفاوضية، ليصل إلى اتفاق مع منْ يحب. بدأ قصيدته الشعرية الغنائية بأن العاشق على استعداد لحفظ قوانين العشق، وفق رؤى المعشوقة، مُلقياً بكل أسلحة التفاوض، رغبة منه في الإذعان القانوني الكامل.
*
نعود لاشتقاقاته حين يورد: ( شفافْ وشوفتك شفا و زعلك يشفقْ)، تلحظ ترداد حرف الشين وحرف الفاء، و تحسّ بغزارة المعجم اللغوي للشاعر، وصناعة المُترادفات والاشتقاقات، التي تتقارب ألفاظها وتفترق في المعنى، في صيغة سلسة، وتعبير بليغ ونسج بديع.
*
وحين يورد:(و بعترفْ في سرّي في الغيب من سنين، ما قايل الغيب بنكشفْ)، وهنا يدخل الشاعر معنا لُجج الفلسفة وبحورها العميقة، ويهزّ معتقداتنا في الغيب، وأسراره، عند انكشاف أستاره.
*
وحين يورد: ( سامحني مرّة إذا نسيتْ ،ما تبقى صارف ومنصرفْ) ، هنا تأخذ الشاعر مُتعة التشبيه اللغوي، وصرف الكلمات وتصريفها، مُتجاوزاً إلى انصراف المحبوب.
*
وحين يورد:( كل ما أقولْ قرّبت ليك، تلقاني بادي من الألفْ )، هنا تبرز علاقة الشعر بمتون اللغة وأبجدية الحروف وأسرارها، التي استخدمها الشاعر في بلاغة وبيان، ترتجّ لها سماوات العشق، وتنفث ثعابين الشوق سموم الاستفهام، وعدم الفهم، الذي يعود بنا إلى أصل المسألة، والتي نرى أنها عميقة ،في صُلب قوانين الهوى، ونظام العشق.


(5)
قام بتلحين الأغنية وأداءها المطرب "خوجلي عثمان"، وهي من أواخر ألحانه قبل اغتياله بواسطة في حادث أمني مشهور. وقد تحدث عن المُطرب الموسيقار " عبدالله أميغو " ووصفه بأنه ينهل من الألحان التي عرفها الناس، مع قدرة عالية على الأداء و التطريب المُكثف. ولحّن هذه الأغنية ،على درجة عالية من الحضور والذكاء الفني والفهم للعناصر الإبداعية التي تناولها الشاعر. وتمكن " خوجلي" من فك رموز القصيدة، واختار لها أكثر الألحان تعبيراً عن المضامين الشعرية، التي تزخر بها ،رغم صعوبة تلحين شعرٍ قافيته الفاء المسكونة.

(6)

دواوين للشاعر :

ديوان شعر: فرايحية أغنياتي 1979، ديوان شعر: ما بنختلفْ ،وله قيد الطبع ديوانين. وله مئات القصائد التي تغنّى بها كثير من المطربين السودانيين، منها على سبيل المثال:
ما بنختلف، آمنت بيك يا أم در، أنا فاكرك معايا، فرايحية، صياد النجوم، ست اللهيج السكري ، الشبه باين، سيد السماح، العشرة ما بتهون، لا بتواصلي، القيامة، البريدو، صورتك الخايف عليها، القليب الرّاسمو حِنّة، زعل الدهب، أيامي أنا، يا مدهشة، كلم لي عيونك، الحب يا أم سماح، حلاة الزهرة، وهج الشمس، الحب المحال، لا الصابر ولا الباكي، الرتاي، الريدة، قلبك نوى، قلبي دا، الطوفان أميرة، هنية، الصبوحة، تسرح هنا، تتبسم، هو الذوق برا عزيز علينا، ساعة فرح، سلامتك، ماشي سايبنا، آمال، أديني خاطرك، شذى، ريدة الطيبين، يعيش الحب، شروط الحب، كيف أجازيك رسالة خجولة، يا عيني يا طماعة، اشتقت جد، السنين، خليني أتألم،الريد البعيد مشوارو.

(7)

مدّ الشاعر "حسن الزبير" علاقات تعاون مشترك مع المُطربين :
حسن الأمين ، سيد خليفة ، خوجلي عثمان ، محمد أحمد عوض ، كمال ترباس، محمد وردي، حيدر حدربي، عبد العظيم حركة، علي إبراهيم اللّحو، يوسف الموصلي، إبراهيم خوجلي، محمد ميرغني، عثمان مصطفى، الأمين عبد الغفار، البلابل، الطيب مدثر، عابدة الشيخ، الأمين البنا، محمود تاور، مجذوب أونسة، جلال الصحافة ، خالد الصحافة، أيمن دقله ، ثنائي أبوسعد ، سمية حسن، عاصم البنا، محمود عبد العزيز، عبد الله البعيو، جيلاني الواثق ، وليد زاكي الدين، نادر خضر، جمال فرفور، ياسر تمتام، نبوية الملاك، محمد حسن.
ومن الملحنين الذي تعامل معهم الشاعر :
حسن بابكر، الدكتور الماحي سليمان، عبد اللطيف خضر ود الحاوي، الفاتح كسلاوي، حسين التجاني، الكردفاني، محمد عبد القادر، وكثيرون غيرهم.

عبدالله الشقليني
3 يوليو 2018

alshiglini@gmail.com

 

آراء