قد كنتَ بالأمس في عزٍّ وفي دعةٍ ... حيث السرورُ وصفو العيش والنِعمُ وَاليوم أَنتَ بدار الذلِّ مُمتهنٌ ... صفرُ اليدين فلا بأسٌ ولا كَرَمُ
ابن معصوم المدني
كاد أن يقولها الأمين العام لحركة الإخوان المسلمين في السودان في اعترافه الشهير: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ...). رحل هو أي نعم.. ويحق للشخصية العامة أن نفُض أغلفة المكر وتلافيف لباسه المُحكم، ونحكم له أو عليه. فقبله رحل " نيرون " وقد أحرق "روما" ، ولكنه أحرق وطناً بأضعاف مساحة روما!.
(1) ما الرأي الآن يا ابن إرم ؟! لن تنام هانئاً ، والمظلومون يشتكون، ويرفعون أيدهم لمنْ لا حجاب بينه وبينهم. هدمت البلاد، وصار أبناؤك وبناتك معاول الهدم، لوطن طالما تربيتُم على يده الحانيّة السخيّة بالعطاء، والطيبين أهله، كانوا يعيشونكم بالتكافل. عشتُم على كفوف الراحة، مثل كثيرين من أبناء الشعب، حتى سوّلت أنفسكم الخربة بأن تستولوا على كل شيء، وتحرمون البشر من حقوقهم. استفردتُم بالأمر، فشرعتُم سكاكين الغدر، تعذّبون وتغتصّبون وتقتلون أبناء وبنات هذا الشعب الطيب. كيف حملت صدوركم ولم تنأ بحملها هذا الغِلّ والحقد والحسد ؟و كل شرور الإنسانية حملته صدوركم، ونفثتُم السمّ في كل مكان. قصير هذا العُمر. ناضرة زهراء هيّ عبر التاريخ. ألم تُدركوا أنكم حاملي ألويّة الإنحطاط؟ نعم ..الجهل النشط لا يحسّ. * هدمتَ الوطن. ترابه تشتت، وأهله تملّكتهم هذيان العصبية القديمة، ورجعت البلاد وأهلها أكثر تخلفاً من عهد الممالك قبل التُركية السابقة. نقلتَ أنت عن أفضل الحديث بأنك زوراً مُجدد الأّمة من بعد المائة عام. وخاب ظن الجميع. أتيت تهدم الأمة التي ما آمنت بوجودها في عُمرك. تعلمت بمال الدولة، ونزلت أفضل الجامعات الأوربية من مال الشعب، واتكأت على مال الأسرة الطائفية التي اقترن اسمك بها. وكان الرجاء أقلّه أن يستعيد الوطن دينه عليك، أو تجد الأسرة التي انتسبت إليها ميزان العدل. فماذا جنا مواطنو هذا البلد الطيب أهله؟ * لا ولمْ ينس لك التاريخ أن دعوت " عزّت بوكوفيتش " ومنحته مليون دولار من مال الشعب في تسعينات القرن العشرين، ليقود حرب البوسنا باسم الدين والعقيدة، ما استطاع إلى ذلك من سبيل. فتهدّمت يوغسلافيا السابقة بمآسي تنفطر لها القلوب. وخرجت أنت كأن الأمر لا يعنيك!. لم تكتفِ بهدم السودان، بل طمعت أن تهدم أمم من العالم الثاني!.
(2) ربما هي خلاصة أمر الأمين العام لتنظيم الإخوان المسلمين في السودان، وهو يتحدث كشاهد عن هدم عصر موطنه ونفيه إلى أراذل الأمم، خلال ستة عشر حلقة، في برنامج الجزيرة الفضائية عام 2010، وقد استدرجه الأستاذ " أحمد منصور" في لقاءاته ليتحدث عن تلك الفاجعة البشرية التي تتسمى بالحُسن زوراً. وقد وعد مقدم البرنامج بنشر اللقاءات التلفزيونية من بعد رحيله. وشهد العالم كل شيء، من الكذب الصراح إلى المكر والتدبير والكذب.
ربما كان الحديث مكراً جديداً مثل: أنام ملء جفوني عن شواردها، ويسهر الخلق جرّاها ويختصم، كما أشعر أبو الطيب المتنبي، قبل أكثر من ألف عام. الخراب هينٌ ولكن البناء صعب . نعم .. لا يصلُح أن نستيقن من صحة الحقائق من بطن الحديث، فصاحب التاريخ السياسي أكثر مراوغة مما نحسب. ولا يتفق على حديثه اثنان. فتلامذته في السلطة، قالوا إن حادث كندا قد أثّر في ذاكرته، يقولون ببراءتهم من دم الذئاب البشرية التي انطلقت تعوي، و شوّهت تاريخ السودان، فحق للأ ديب الحكيم " الطيب صالح " أن قال عنهم: - من أين أتوا هؤلاء ؟. كثيرون مرّوا على الحديث المسجّل مرور الكرام، لأنه في أعرافهم، أن من رحل يتمنون له المغفرة ويُسر الحساب.
(3) عند سؤاله الأمين العام للتنظيم عن مصدر دخله وقد استقال من هيئة التدريس في جامعة الخرطوم، ولم يعمل في القضاء أو المحاماة. قال إن التنظيم يوفر له المال من الاشتراكات، واستدرك وقال وأن زوجته من عائلة غنية وأنها كانت إسلامية. حاول أن يتخلّص من السؤال ولكنه أجاب باقتضاب. ونسأل :ماذا فعل للعائلة التي آوته؟ * تحدّث عن طبيعة الإسلامية للمجتمع، وذكر المدّ الصوفي، ومعروف بأن أصحاب الطرق الصوفية ليسوا من أتباعه، ولا مكانة لهم في قلب التنظيم. ولكن التنظيم احتاجهم لدعم السلطان فيما بعد، ويسّرت حركة الإخوان المسلمين، لكل التنظيمات المتنوعة الأهواء الإسلامانية، من مسالمة الهوى إلى أقصى التطرف الجهادي، يجدون لهم مسكناً وبيت. وقد شرع بلمّ شمل كل من يدعو للإسلام، مهما تنوعت أغراضه.يريد توحيد السنة والشيعة. تصور مدى السذاجة الدينية والسياسية!
(4) تحدث الأمين العام للتنظيم أنهم بعد صعودهم للسلطة قاموا بتعريب السودان، والجنوب كله تعرب وفق حديثه. أكان برنامج التعريب ممنهجاً، بل كان محاولة لكسر الحصار على الدولة التي تدعي تطبيق الإسلام، وعندما لم تجد الدولة العملة الصعبة لتذلل أمر تحويلات الأسر لأبنائها وبناتها الذين يدرسون في الجامعات خارج السودان، قررت السلطة تعريب الدراسة الجامعية في كل جامعات السودان فجأة، وتحويل كل الطلاب الذين كانوا يدرسون خارج السودان واستيعابهم في الجامعات السودانية. وجلبت الدولة الإخوانية المناهج والكتب الجامعية الدراسية من سوريا ، بالحاويات. وتوزيعها على الجامعات. وتم شراء " مظلات الطعام" المخصصة للجنود الأمريكيين بعد حرب " تحرير الكويت " بقيمة 5 مليون دولار ، لتهيئتا لتكون قاعات محاضرات ، بسعات مختلفة: قاعة محاضرات سعة 1000 شخص ، 500 شخص و250 شخص. وأوكلتْ الدولة لمكتب هندسي قطاع خاص متأسلم، لتعديل تصميم المظلات لتصبح قاعات محاضرات، وتم توزيعها على الجامعات ، لتكون بذرة ما كانوا يسمونها " ثورة التعليم العالي". واستعجال بدء القبول في الجامعات التي لم يكتمل بناءها بعد !.تثمين الكم على الكيف، فانخفض المستوى الأكاديمي. وهي جزء من برنامج تخفيض مستوى التعليم، لزيادة رصيد الجبهة القومية للإخوان المسلمين.
(5) { مادمتُ مٌنفعلاً بديني، فإني لا أستشعِر أية حسرة على مقتل " محمود محمد طه". إن ردّته أكبر من كل أنواع الردّة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة، وعندما طبق نميري الشريعة ، تصدى لمعارضته، لأنه رأى رجلاً دينياً يريد أن يقوم بنبوة غير نبوته هو. وأكلته الغيرة، فسفر بمعارضته ولقي مصرعه، غير مأسوف عليه البتّة} د. حسن الترابي جريدة " الوطن السودانية 30/4/1988 * نص المؤامرة ومنْ دسّها قيادي من حركة الإخوان المسلمين، الذين تآمروا بها من الخفاء، وهم في القصر لتحويل المنشور المُعارض، إلى قضية ردة عن الإسلام ! النص : الرئيس القائد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المنشور المرفق وزّعه الجمهوريون وقد قُبض على ستة منهم وتم التحقيق معهم وسوف يعرضون للمحاكم، وبهذا فقد أتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم، وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون. ولا شك أنها بداية لمسيرة ظافرة بإذن الله يتساقط دون هدف كل مندّس باسم الدين وكل خوان كفور ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وفقكم الله لقيادة المسيرة الظافرة وإتمام نهج الله على آثار المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومنْ سار بسيرهم ونهجهم إنه سميع مُجيب الدعاء ( بدون توقيع من القائد الإخواني)
الحمد والشكر لله، ( توقيع رئيس الجمهورية) ولصفيه ورسوله محمد رسول الله والله أكبر على المنافقين 6 ربيع ثاني 1405
(6) لن ينسى الناس أن الأمين العام للتنظيم قد قاد مظاهرة من جامع أم درمان، يطالب بحرمان النساء من التصويت في الإنتخابات عام 1965!. ولكن فكرته عن تصويت المرأة تغيّرت مع مرور الزمن، وحاجة تنظيم الإخوان المسلمين لدعم المرأة سياسياً. وهي حرية منقوصة لأنها لم تكن تشمل قضايا المرأة في العدالة الاجتماعية، ووقف الخفاض الفرعوني، والحديث عن عدالة توزيع الميراث. لكنه اكتفى بالدعم السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين. * تجاوز الأمين العام لتنظيم الإخوان المسلمين التعذيب والسجن والقتل الذي تمت ممارسته خلال العشر سنوات التي كان هو الحاك الفعلي للسودان. وتجاوز الكشف عن جريمة السلطويين المشاركين في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولم يتحدث عنها أبداً إلا عام 2004 م، بعد خمس سنوات من تنفيذها عام 1995. والساكت عن الحق شيطان أخرس، بل ومشارك في الجريمة قانونياً. * العبر والدروس التي استفادها الأمين العام للتنظيم : - إن من الخطأ استخدام العسكر في حركات انقلابية، لأن الحركة ورثها العسكر. - مستقبل خطير للسودان الوطن، والحذر من التمزق. - الفساد لا يناسب دولة إسلامية.
(7) تنظيم الإخوان المسلمين، بما بقي منه، تجربة فاشلة. أسهمت في تفتيت السودان الوطن. ولم يكن التنظيم يؤمن بالدولة الوطنية في يوم من الأيام. وحلّت الجيش السوداني، وهو خطأ مباشر في ترك الوطن تتجاذب أرضه دول الجوار بالتمزيق والضم لتقوى دولهم، ويبقى السودان هو الخاسر. طرد السودانيين الأكفاء من الخدمة العامة واستبدالهم بعضوية الإخوان المسلمين غير المؤهلة، وطرد العاملين في الخدمة العامة والقضاء والدبلوماسية والشرطة. واستدامة الفساد. ومسئولية الدولة عن انهيار مشروع الجزيرة الذي يحوي 2.5 مليون فدان، وكان يعمل فيه أربعة ملايين عامل. وانهيار خطوط السكك الحديدية التي كانت تصل إلى 5500 كيلو متر طولي. وسرقة أجزاء من خطوط السكك الحديدية في الجزيرة، لصالح خامات مصانع حديد التسليح!. * مصادرة العملات المحلية من المواطنين، وفتح حسابات بنكية وسرقة 25% من مال الذين كانت تبلغ أموالهم 100000 جنيه فما فوق، كان ذلك أول الانقلاب العسكري. البدء في الخصخصة الجائرة، ببيع المشاريع الحكومية الناجحة لعضوية الإخوان المسلمين، وإدارة الخصخصة لمنتسبي حركة الإخوان المسلمين. حلّ والنقابات والتنظيمات الأهلية جميعاً، وابتداع الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية لهدم وسائل تنظيم الشباب. ردّة تامة بإبتداع قوانين دينية، مأخوذة من فقهاء تمت اجتهاداتهم قبل قرون. سيادة حكم التمكين، وهدم الاقتصاد السوداني وهدم أسسه.