شاعر القصيدة هو: علي محمود طه المهندس. (1901-1949) شاعر مصري من وضح الرومانسية العربية لشعره بجانب جبران خليل جبران، البياتي، السياب وأمل دُنقُل وأحمد زكي أبو شادي. هو من أعلام الشعر العربي المعاصر، بالمنصورة وقد أطلق على الشارع الذي يقع فيه البيت، اسم شارعنا الكبير، ولا يزال البيت على حاله حتى اليوم! .التحق بمدرسة الفنون التطبيقية في القاهرة ودرس فيها هندسة المباني وتخرج منها عام 1924م، عُيّن آخر الأمر وكيلا لدار الكتب ليتفرغ للشعر والإبداع. توفي عام 1949م. و كان الأدب يستهويه على الرغم اهتزاز لغته العربية ، واستطاع ان يتلافاه بالحفظ و المتابعة والدراسة المتانّية لقواعد اللغة العربية بمدة قياسية بسبب نباهته. وهو من أعلام مدرسة أبولو التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي. ويقول عنه "أحمد حسن الزيات": {كان شابًّا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك}. يقول عنه الدكتور " محمد حسين هيكل "{ القصيدة عند " علي محمود طه" بمثابة فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب، في صيغة متسقة من اللفظ. تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها، تأتي الألفاظ في يُسر دون الحاجة إلى مشقة. كان هو في شعره ينشد الإنسانية ويسعى للسلم والحرية؛ رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا.}
(2) لم أتذوق بلساني مثل تلك الرومانسية الشاعرية، التي انتقل إليّ طعمها من حيث لا أدري و كنتُ أقرأ، أو حيث تمّ غناءها بوجد يكاد يكتمل أركان قصره المُشيّد على الماء. اقترّبت الشاعريّة وهي تستدق الرؤى، والكلمات التي تخيّرها الشاعر، وهو يصف لقاء فاتنته في قارب صغير، هو وفاتنته والملاح. يتجولون في البحر حول فينيسيا. لحنّها القصيدة وغنّاها الموسيقار "محمد عبد الوهاب" بموازين الموسيقى العربية. ولحنّها وغنّاها المطرب السوداني " عبد الكريم الكابلي" . ولكل ثقافة ولحون مشرب طعم مُختلف. وللذائقة الخاصة بكل ثقافة طعمها.
(3) سرق الانتباه للقيا عاشقين جمعتهما الصدفة، وفيروس الحب من أول نظرة. ذلك الداء الخطير الذي امتد عبر العصور، ينهش أجساد الفرائس اللطيفة. نفث شيطان السحر النشوة، تسري من خلال كل الحواس. يستدعى بطل الأقصوصة الشعرية، أبطال أقاصيص العشق في تاريخ وطنه مصر، والعشق الذي يرنّ جرسه منذ آلاف السنين. يحدِّق العاشق في تفاصيل اللقاء بسيدته، بكلمات رقيقة بشوشة طربة، تنقل أحاسيس رومانسية عميقة الجُذور.
(4) حينما ترنّم المغنّي الفنان بمقطع لا يحبونه أهل (حملة القرآن على أسنّة الرماح ) من السياسيين الذين اتخذوا العقيدة مطيّة لأغراضهم، خفتُ أنا أن يُنتزع النص من قلب القصيدة، فهؤلاء البشر، لا يتمتعون بأي حس شِعري أو موسيقي ،لأنهم لا يتركون البشر في خياراتهم، يُضيّقون فُسحة الحلمُ لأن حياتهم بلا فرح وبلا حُلم وبلا مُتعة: ** أين من عيني هاتيك المجالي ... يا عروس البحرِ، يا حُلم الخيال رقص الجندول كالنّجم الوضيّ ... فاشدُ يا ملّاح بالصّوت الشّجيّ و ترنّم بالنّشيد الوثنيّ ... هذه اللّيلة حلم العبقري ** رفرفت القصيدة بجناحي طائر ملوّن، يحلق في سماوات عاشقة لغواية الغرابة والدهشة. انتقى الشاعر من طيوب الكلمات أكثرها رهافة، وأعظمها وقع لنبض القلب. نجت الأغنية من سرطان الهدم الممنهج، وأفلح ثعبان الغناء والطرب أن يخرج من الباب، والقوم يقفون عليه صمٌ عُميٌ بُكمٌ. قوم امتهنوا القتل بلا مُبرر، سوى استملاح خلق أركان الجريمة، من كل شيء مُفرِح.
(5) نص القصيدة كاملة: أين من عينيّ هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال أين عشّاقك سمّار اللّيالي ... أين من واديك يا مهد الجمال موكب الغيد و عيد الكرنفال ... وسرى الجندول في عرض القنال * بين كأس يشتهي الكرم خمره إلتقت عينيَّ به أول مرّه فعرفت الحبّ من أول نظره * أين من عينيّ هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال مرّ بي مستضحكا في قرب ساقي ... يمزج الرّاح بأقداح رقاق قد قصدناه على غير اتفاق ... فنظرنا، و ابتسمنا للتّلاقي * و هو يستهدي على المفرق زهره حين مسّت شفتيّ أول قطره و يسوي بيد الفتنة شعره خلته ذوّب في كأسي عطره * أين من عينيّ هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال ذهبي الشَّعر، شرقيّ السّمات ... مرح الأعطاف، حلو اللّفتات كلّما قلت له: خذ . قال : هات ... يا حبيب الرّوح ياأنس الحياة * أنا من ضيّع في الأوهام عمره نسي التاريخ أو أنسي ذكره غير يوم لم يعد يذكر غيره يوم أن قابلته أول مرّه * أين من عينيّ هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال قال: من أين؟ و أصغى و رنا ... قلت: من مصر ، غريب ههنا قال: أن كنت غريبا فأنا ... لم تكن فينيسيا لي موطنا * أين منّي الآن أحلام البحيره و سماء كست الشّطآن نضرة منزلي منها على قمّة صخره ذات عين من معين الماء ثرّه * أين من فارسوفيا هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال قلت ، و النشوة تسري لساني: ... هاجت الذّكرى، فأين الهرمان؟ أين وادي السّحر صدّاح المغاني؟ ... أين ماء النّيل؟ أين الضّفتان؟ * آه لو كنت معي نختال عبره بشراع تسبح الأنجم إثره حيث يروي الموج في أرخم نبره حلم ليل من ليالي كليوبتره * أين من عينيّ هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال أيّها الملاح قف بين الجسور ... فتنة الدنيا و أحلام الدّهور صفّق الموج لولدان و حور ... يغرقون اللّيل في ينبوع نور * ما ترى الأغيد وضّاء الأسرّه ؟ دقّ بالسّاق و قد أسلم صدره لمحب لفّ بالساعد خصره؟ ليت هذا اللّيل لا يطلع فجره ! * أين من عينيّ هاتيك المجالي ... يا عروس البحر، يا حلم الخيال رقص الجندول كالنّجم الوضيّ ... فاشد يا ملاح بالصّوت الشّجيّ و ترنّم بالنّشيد الوثنيّ ... هذه اللّيلة حلم العبقري * شاعت الفرحة فيها و المسرّه و جلا الحبّ على العشّاق سرّه يمنه مال بي على الماء و يسره إنّ للجندول تحت اللّيل سحره * أين يا فينيسيا تلك المجالي؟ ... أين عشّاقك سمّار اللّيالي؟ أين من عينيّ يا مهد الجمال؟ ... موكب الغيد و عيدُ الكرنفال؟ يا عروس البحرِ، يا حلم الخيال !! ***