منذ أن دخل مصطلح القضايا " العالقة " المثير للجدل، عالم الإتفاقيات السودانية، وبخاصّة بعد الإتفاقية التاريخية، المسمّاة ( إتفاقية السلام الشامل – 2005)، الموقّعة بين الحركة الشعبية، وحزب المؤتمر الوطنى، حمل هذا المصطلح الكثير من الغموض، حتّى كاد أن يصبح مُصطلحاً قانونيّاً مُضلّلاً، و " مُعلّقاً " لكونه يفتقد للدقّة اللغوية، إن لم نقل مُصطلحاً سياسياً ( موازياً )، بل، مؤدّياً لمعنى " التسويف "، و" التأجيل " و " المماطلة "، بـ" ترك حبل الإتفاقية/ات الموقّعة على غارب المتّفقين"، و" ترك الحبل على الغارب "، كما فى قاموس المعانى، يعنى ببساطة " وضع حبل البعير على سنامه، ليرعى حيث شاء " !. وقد حدث ذلك، بالفعل، فى تنفيذ بنود إتفاقية السلام الشامل، حتّى وصلت إلى نهاياتها المتوقّعة، بفصل جنوب السودان عن شماله، ثمّ أدخلت ( السودانين) فى أتون دورة أُخرى من الإحتراب والإقتتال الداخلى، وبهذا، يتأكّد أنّ تلك الإتفاقية التاريخية لم تكن - للأسف- " شاملة "، وهذا حديث يطول !.
صحيح، أنّ إتفاقية ( السلام الشامل ) أو إتفاقية ( نيفاشا ) قد أوقفت - إلى حين - أطول حرب أهلية فى أفريقيا، ولكنّها وللأسف، لم تحل القضايا التى قادت للحرب، لتعود - من جديد - حالة الإحتراب والإقتتال، والنزاع المسلّح، ( فى ) البلدين، رغم أنّها هيّات فرصة تاريخية، لبناء ( سودان جديد ) يصبح وطناً " يسع الجميع"، " وطن بالفيهو نتساوى ....نحلم ، نقرأ نتدّاوى " كما جاء فى " المانفيستو " الذى صاغه شعراً الشاعر العظيم محجوب شريف : " حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى ...وطن شامخ ...وطن عاتى ...وطن خيّر ديمقراطى ... وطن مالك زمام أمرو ...ومتوهّج لهب جمرو ... وطن غالى ...نجومو تلالى فى العالى ... إرادة ...سيادة ...حريّة ... مكان الفرد تتقدّم قيادتنا الجماعية " ... وهذه دعوة لقراءة القصيدة مكتملة، وقراءة كل تراث شاعرنا الكبير محجوب شريف، وأغانيه التى تتحدّث عن السلام، فقد أعطى هذا الشاعر العظيم، كل ما عنده فى سبيل " السودان الوطن الواحد... ما قد كان وما سيكون " ، " وطن يسع الجميع" !.
نقول كل هذا وذاك، ونُعيد القول أنّ ( إتفاقية السلام الشامل – للعام 2005) رُغم قصورها، والمآخذ عليها، فإنّها قد فتحت – وقتها - الباب واسعاً، لتحقيق واقع جديد، ينعم فيه كل أهل السودان، بالسلام والأمن والإستقرار، واحترام وتعزيز حقوق الإنسان..وكان من الممكن - جدّاً- أن تأتى تلك الإتفاقية ( المنقوصة ) أُكلها، وتُحقّق مطلوباتها، لولا غياب الإرادة السياسية الحقيقة ، بين طرفى الإتفاقية، التى قيل أنّها صيغت ليكون السودان ( بلد واحد بنظامين )، ولكنّها إنتهت ، بــ( بلدين بنظامٍ واحد )....وضاع بين " عجاج " معارك الشريكين شعار " الوحدة الجاذبة "، بل ، وحتّى شعار " السودان الجديد " الذى صاغه قائد الحركة الشعبية الملهم الدكتور جون قرنق !. وانتهت الأهداف والرؤية النافذة فى القضايا الكبرى، فى مطبّات الخلافات الصُغرى ، بمواصلة ترحيل وتأجيل النظر فى ملفّات القضايا " المعلّقة " ، لتصبح " عالقة " ، حتّى وقع الفأس فى الرأس !. وقطع فأس مُدبّرى الإنقسام ، رقبة رأس مُحبّى الوحدة !.
وهاهى الأحداث تمضى، وها نحن نشهد ونقرأ عن تكرار ذات السيناريو أو سيناريوهات مشابهة ، فى اتفاقيات بين طرفى النزاع الرئيسيين فى دولة جنوب السودان، ممثلين فى الرئيس سيلفاكير ميارديت ونائبه د. رياك مشار، وهى إتفاقيات شاءت نفس الأقدار أن تجعل فيها قضايا " عالقة أ" و " معلّقة " !!!.... ومالم تصدق الإرادة السياسية، للطرفين ،فى الدولة الوليدة، ويتخطّى المفاوضون الجنوبيون ، كابوس " القضايا العالقة "، وعقدة " شياطين التفاصيل "، فإنّ اتفاقية ( 2018 )، ستصطدم بذات حائط إنهيار إتّفاقية ( 2015)، وسيكون حلم توقيع " إتفاق سلام نهائى " فى دولة جنوب السودان، بعيد المنال !. وهذا ما يتوجّب التنبيه له ، حتّى لا يُكرّر التاريخ نفسه، وبصورة أفظع!. فيا فرقاء دولة جنوب السودان ...إنتبهوا !.