عيال الحديقة- (الحلقة السابعة و العشرون)

 


 

عادل سيداحمد
17 September, 2018

 

 

و(ود ألبي) شخصية نادرة، أريحية لأبعد الحدود: طالما كانت الأمور تسير بعيداً عن: دنيا المال والأعمال، وإلا: (تحول الرجل لكائن آخر، كاسِرٍ وضارٍ، لا يمت إلى الروح الطفولية، التي يُبديها في الأماسي (ذات الكوارع النادرة) بِصِلةٍ...

و قد اكتشف (الخالُ) بعد سنواتٍ، و بمحض المصادفة: ألعُوبة مَسُوح الكوارع... و حينها: اجتاحتهُ موجةُ غضبٍ عارمة، لم تكن بسبب الخديعة التي رزح تحتها لأعوام، و إنما تحسُّراً على الكميات الضائعة، الهائلة، من شوربة الكوارع، الافتراضية، التي اعتقد الخال، جازماً، بأنها قد دخلت في بطنهِ، و استقرَّت فيها: جنباً إلى جنبٍ مع كحُولات الحديقة...
كتعبير إضافي عن الأريحيّة، كان لا يتحرّج (ود ألبي) من: إخراج الغازات بالفم وبغيره، فيتجشأ ويُخرجُ، ريحاً، ذات: صوتٍ ورائحة، هكذا على الملأ، دونما اعتذارٍ أوحرج... خصوصاً بعد الكأسات الأولى، حينما يطيبُ له المقامُ، وترتخي أعصابُه... وترتاح معدته من وعثاءِ طعام النهار.
وكان، بشكل عام، محباً للظهور، والفشخرة، تساعده هيئته، التي تُوحي: بأنه مدير عام أوسفير، رغم أنَّ عمله، لم يكن معلُومًا، على وجه الدقة، للروّاد!؟
حتى هبطت عليه نعمة جديدة، بالوراثة،احتفل بها (جميع أهل الحديقة)، حين اكتمالها، بلَيْلةٍ عامرةٍ من ليالي أكياس (ود البيْ) اللذيذة... وكاساتٍ، وطاساتٍ حتى أشرق الفجرُ...
ولكن، وبالرغم من أنّ الليالي قد أسعفته، إلا أنه لم يبدي استعداداً لمساعدة صِحاب الأماسي: لا من الأناتيك ولا المفروشات، رغم علمه السالف، بـ(خصاصات بعضهم) في مواجهة الحياة الطبيعية : بالنهارات، والعين تعاين!
ويبدو أن علاقته بـ(سيف اليزل)، كانت علاقة من أيام الطفولة، أوجيرة: علاقة طويلة الأمد، ولكن، لم تأتِ المناسبة ليحكي: (ود البيْ)، للرُّواد، أويتناول (سيفُ اليزل): تلك الصلة بالإسهاب الذي يضيئها و يشفي غليل الروَّاد!
مع أنه، كان معلومًا للجميع، حجم المَعزَّة، والوُد، الذي يربِطُ، بين: الرجلين...
وكان (ود البيْ)، من مُحبي الفنان الكبير (أحمد الجابري)، ولكن جرْس صوته لم يكن يسمح له بترديد ولا حتى أغنية واحدة، فلم يكن جمال الصوت، من ضمن النعم الكثيرة، التي: أغدقها اللهُ عليه! ولكنه كان يلح في طلبه من منصُور، التغني بأغنية (من طرفَ الحبيب)، وكان هذا يطّرِد: كلما ازدهت القعدة، و دارت واصطكت كؤوس الرّاح!
ورغم سذاجته، التي لا تخطئها عينُ الرجل العادي، إلا أن أمانته جعلته: مستودعاً، أميناً: لأسرار (الرجل ذيالثلاثة أوجه)،وناصحاً له في الأمور الشائكة، التي تستعصي عليه وعلى المُتحلقين، الدائمين، حوله.
وبعد ممات المرحوم، باتت زياراته، النادرة، للحديقة، أكثر نُدرة، وافتقده الرواد، وأوحشتهم ضحكته المُجلجلة في أماسي كثيرة.
كان وُجُوده، سيضيف عليها مرحاً وحبوراً مؤكدين: (حتماً!).
أما (سمير الحلبي)، كماكان يناديه، ولا يزال، ويشير إليه السيد:عبد الرفيع، أوسمير الهلفوت: كما نقترح نحنُ، فقد كان من المفروشات، تبع بهاء الدين، رغم علاقة المصلحة القديمة التي كانت تربطه، ليس مع (سيف اليزل) فحسب، بل مع جميع عناصر الحديقة، ومن يعمرُون أماسيها ...
وكان يجري في دمائه عرق، وتبدوفي هيئته لمحة من الأتراك: لا تظهر، بشكل رسمي، في شجرة نسب العائلة: لا من جهة أمه ولا أبيه.
وكان سمير أنيقًا بشكلٍ عامٍ، حليق الذقن طوال الأسبوع، وتفوح منه روائح العطور الباريسية، حتى: في قيظ الساعة اتنين! ويلبس البِدَلْ، والكرفتات، والملابس البيضاء، حتى في موسم خريفنا المُتَّسِخْ!
ولكن هذه النظافة الشكلية، الخارجيَّة، كان يقابلها ما يمكن تسميته، باطمئنان، بالفساد الروحي، والأخلاقي، ولذلك: فقد كان يتولى التسويات، والمهامَّ القذرة، وتعاملات (تحت التربيزة)، المتعلقة بِـ(أعمال الأسرة!)، وكان ينجح في ذلك نجاحاً باهراً... ولم يرتد لهم يومًا خائباً، في شؤون: الرشاوى، أوالتسهيلات، ولم يعرف عنه، قْولة: ما ممكن... أو:مستحيل!
ولكنه كان ثقيلاً، (كنديم)، على رواد الأماسي، رغم ما يعيرونه من اهتمام، في المرات القليلة، التي يُخاطِب فيها روّاد الحديقة، مُتحدِثاً رئيساً أومُعقِّبًا، ليبثُ أسراراً حكومية، أوينشُر أخباراً طازجة، عامّة: سياسيَّة أواقتصاديَّة!... بطريقة العارفين، بكُل: ظواهر، وبواطن الأمور!
تلك العِرفة، التي أتاحتها له صلته القديمة، كما يدَّعي، بجهاز أَمْنِ الدولة، على أيام نميري، رغم شكوك أغلب أهل الحديقة، بأن له: ارتباطات أمْنيَّة راهنة، ولذلك كانوا يحْذرونه، ويتوجسون، منه في الأيام التي يحضُر فيها الأماسي، ولكن سرعان ما كان هذا التوجس وتلك الخيفة يزولان: باطراد الكؤوس والأنخاب، التي كان، هوشخصيًا، أوّل الشاربين لها...

amsidahmed@outlook.com
////////////////

 

آراء