مالات نظام النقد الاجنبي الجديد: وقائع غرق معلن عنه

 


 

معتصم أقرع
8 October, 2018

 


- النظام الجديد ليس تعويم لسعر الصرف بما سعر العملة الأجنبية سيتم تحديده من قبل لجنة مؤلفة من 9 أعضاء وليس من خلال التفاعل الحر بين المشترين والبائعين.
- الشيء الوحيد هو أن النظام الجديد سيكون أقل تيبسا واكثر ومرونة من النظام السابق ، بمعنى أن سعر الصرف سيخضع لتخفيضات قيمة أكبر وأكثر تكرارا وفي فترات اكثر تقاربا .
- على المستوى السياسي ، يتيح النظام الجديد للحكومة أن تتظاهر بأن هذه التخفيضات الأكبر والمتكررة لقيمة الجنيه تقررها لجنة صناعة السياسة وأن الحكومة ليست مسؤولة عنها. لذا فإن اللوم المرتبط بـتخفيض قيمة العملة المتكرر سيتم إلقاءه على اعاتق للجنة والشعب السوداني من المنتجين والمستهلكين والمصدرين والمستوردين.
- بما أن سعر الصرف الجديد سيتم تحديده ومراجعته من قبل اللجنة اياها ، كما ان الحكومة ستواصل السيطرة الكاملة على كيفية تخصيص واستخدام كل المتوفر من العملات الأجنبية ، فإن تسمية نظام الصرف الجديد تحرير أو تعويم سيكون كذبة بلغاء تعبر أما عن جهل أو عن تدليس دعائي مقصود.
- وبما أن الحكومة ستكون لها السيطرة الكاملة على استخدامات العملة الأجنبية فيما يتعلق بمن سوف يحصل عليها وماهي السلع التي يمكنه ان يستوردها بها, ، سيكون هناك دائماً طلب اخر على العملات الأجنبية. وتشمل مكونات هذا الطلب الذي لن تتم تلبيته عبر القنوات الرسمية :
أ) سيحتاج المواطنون إلى العملات الأجنبية لتمويل السفر إلى الخارج للسياحة والرعاية الطبية والتسوق.
ب) سيحتاج التجار إلى العملات الأجنبية لاستيراد السلع الفاخرة المربحة وغيرها من السلع غير الممولة من خلال القنوات الرسمية بموجب سياسة الحكومة ؛
ج) سيطلب الناس العملة الأجنبية لاستخدامها في حفظ وإنقاذ مدخراتهم وثرواتهم بما ان الثقة في العملة الوطنية قد انهارت لأنها تفقد قيمتها باستمرار مع التضخم . وايضا تاقمت ازمة التحق في العملة الوطنية والجهاز المصرفي مع القيود التي فرضتها الحكومة ومنعت بموجبها المواطن من الحصول علي امواله المودعة في البنوك. ؛
د) تحتاج الشركات الأجنبية والسودانية الِي العملات الأجنبية لاستيراد المدخلات الهامة ولتحويل الأرباح إلى الخارج;
ه) سيكون هناك طلب هائل على العملات الأجنبية لتمويل هروب رأس المال والثروات لأن الأثرياء يفضلون بصورة متزايدة الاحتفاظ بأموالهم خارج البلاد لأنهم فقدوا الثقة في العملة والنظام المصرفي وعموم الاقتصاد والطريقة التي تديره بها الحكومة.
- بسبب الطلب الإضافي المذكور أعلاه للعملة الأجنبية ولذي لن يتم تمويله عبر القنوات الرسمية ، سيظل سوق العملة الأسود كبيرا ونشيطا وحيويا وحاسما. ولن تستطيع الحكومة القضاء على هذا السوق السوداء من خلال الإجراءات القانونية والأمنية. علاوة على ذلك ، سيعمل جزء كبير من هذا السوق الأسود خارج السودان ، في مدن الخليج المختلفة , كما سوف يتمدد ويشبك مع مدن الغرب التي يتواجد فيها اعداد كبيرة من السودانيين مصدر التحويلات ذات الأهمية الحاسمة في عرض العملة الأجنبية.
-عليه سوف يحتدم السباق التنافسي بين السعر الرسمي الذي تقرره اللجنة المعتزية وسعر السوق الاسود. وسوف يظل السوق الأسود موجودًا دائمًا وسيقدم سعرًا أعلى من الذي تقرره لجنة البنوك والحكومة. مع مرور الوقت تراكم الضغوط التضخمية ، سوف تتسع الفجوة بين سعر السوق الاسود والسعر الرسمي بما ان السعر الأسود هو السعر الحر الذي يرتفع بسهولة وباستمرار ليعكس تطورات قوي العرض والطلب بصورة يومية. عندما تصل الفجوة مستوي مزعجا ، ستقرر اللجنة , بعد اجتماعات وحوارات مع الحكومة تراعي الحساسية السياسية للحظة , ان ترفع السعر الرسمي الِي مستوى يقارب سعر السوق الأسود ولا يصل لمستواه . وسوف تتهرب الحكومة ملام تخفيض قيمة العملة لتقوم بإلقائه علي اللجنة.
- ولكن سعر السوق الأسود سوف يرتفع مجددا ليكون اكثر تنافسية وجاذبية من السعر الرسمي, ويستمر هذا السباق بين السعرين بلا هوادة الِي يصل نظام الصرف الجديد إلى نقطة انهياره السياسية. حين ذلك ، سيتم تعيين حكومة جديدة من قبل الرئيس ، وسيتم الإعلان عن حزمة جديدة من السياسات لإنقاذ الاقتصاد بصدمات مختلفة. وسوف ترتفع نفس الاصوات المهللة والمحللة والمبشرة بفرج قريب , كما سوف تعود نفس الأصوات الرويبضة وكهنة النقد غير المؤسس وجماعات دليل الرجل الذكي في الإمساك بالعصا من المنتصف. وتستمر الدوامة.
- لا يعني واقع السياسات الاقتصادية الحالي وخياراته المحدودة انه لا يوجد حل لمعضلة نظام الصرف. من الممكن جدا ادارة صرف العملات الاجنبية بصورة ناجحة وعلمية تحقق استقرارا في الأسعار وتفسح المجال لتنمية اقتصادية ممكنة ولكن ذلك يبدا بادراك ان سياسة سعر الصرف لتنجح لا بد ان تكون في اطار حزمة كاملة ومتسقة داخليا من السياسة المالية والنقدية. كما انها تتطلب شرط سياسي انسب , والي جدية تضع كل جوانب السياسة الاقتصادية ( وليس سياسة الصرف وحدها) في ايدي وطنية مؤهلة فنيا ومهنيا.

elagraa@gmail.com

 

آراء