العبودية الاقتصادية الجديدة { العملية التطورية بمجملها أفضت إلى جعل اليهود عاجزين عن ضمان بقائهم على قيد الحياة إلا بفضل النقود. بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة. والمقصود أنهم كانوا مضطرين من حين لآخر إلى شراء حق العيش في هذه المنطقة أو تلك من أوروبا من البابوات والأمراء، لذا غدت النقود بالنسبة لهم أهم من خبزهم كفاف يومهم. ولا تقل ضرورة عن الهواء الذي يتنفسونه. وهكذا نرى كيف تكتسب النقود في نهاية المطاف، في ظل ظروف كهذه ، أهمية قدسية عند اليهود.}
"بيتر ليوكيومسون"
(1) ربما تلك تفسر العلاقة المشبوهة بين الحلف الصهيوني اليهودي والرأسمالية الأمريكية. وربما كانت أمريكا، بلد ديمقراطي وفق الإدعاء المعروف. وقد قدِم إلى الأرض الجديدة من الدول الأوربية شعوب لم تجد لنفسها مستقراً في أوطانها الأم، أو من الفئات المتدنّية طبقياً أو من المُجرمين. وهو ما سهّل عليهم إبادة الشعوب المحلية أوالهنود الحُمر، دون أدنى إحساس بالمسؤولية أو تأنيب الضمير. لذا بقي السلاح مشروعاً الاحتفاظ به إلى تاريخ اليوم. * كان لمؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية دورهم المُبدع في ابتكار قوانين ديمقراطية ولكن بدرجة من نُبل المقصد ، لا أن تتبع رأس المال أنا وُجد، أوأن تظل تابعة له، لا تنفك من أسره . فصارت الديمقراطية على غير ما كان يحسب المؤسسون ، أداة النمو الرأسمالي وحامية له ، ووسيلة لتطور النظام الرأسمالي، وليست ديمقراطية مثالية، كما يراها منْ لديهم ضباب رؤيا ، وغموض في الخلط بين الترويج الإعلامي وبين الحقيقة. * لم يكن النظام الرأسمالي الذي يتمدد كيف يشاء، يأخذ في زبد رغوة انفعاله، كل وسيلة إنسانية تتطلّع لحياة أفضل. وهو ليس بعالم مثالي للعدالة، ولا القيم الإنسانية النبيلة . ولكنه يسوق كل القيم والمفاهيم وإخضاعها لقانون تطور رأس المال، الذي هو مُجرّد من العواطف. وكل الحالمين بحياة ديمقراطية نبيلة، سوف يفاجئهم إعصار المفاجئات التي لا تروغهم ولا يرغبون في وجودها. فالحياة الديمقراطية وإن كانت هي سقف أحلام اليوم الذي يرغبه الجميع، إلا أنها حاملة جرثومة الإستغلال، وتخدم نمو رأس المال الذي تدعمه أجهزة استخبارات، التي لا سقف أخلاقي لها.
(2) في لقاء تلفزيوني مع بروفيسور" فالنتين كاتاسونوف" أوضح أن العبودية هي بالفعل، مفهوم متعدد الأبعاد. تعريف العبودية الأول، الحرفي: هو "امتلاك الإنسان". إنسانٌ يمتلك إنسانا آخر، كملكية بموجب القانون. أما البعد الآخر لمفهوم العبودية: فهو العبودية الاجتماعية - الاقتصادية. وهي أن يستخدم شخصٌ شخصاً آخر ويستحوذ على حصيلة نشاطه العملي أو الذهني، أي - الاستيلاء على ناتج عمل الغير. والبعد الثالث: هو مفهوم العبودية الأكثر عمقاً، أي العبودية الروحية والفكرية. وهي عادات بشرية ما، أو قيم مادية معينة، يتم فرضها على الناس من خلال الهيمنة الإعلامية والتأثير الدعائي النفسي. ومثال ذلك فقد صار الكمبيوتر اللوحي، أوالذي تطور إلى كمبيوتر الهاتف، هي عبادة جديدة، صار يسعى إليها الناس كلهم. يقضون أمامها أوقات العبادة اليومية كالصلاة وطقوسها. وهي في الحقيقة منتوج رأسمالي تدعمه سيكلوجية إعلام مُتقدم. * إذن لماذا أصبح من المربح أكثر، مع تقدم الزمن، امتلاك نتيجة ما صنعه الإنسان وسيطرته على الإنسان نفسه؟ ما وجه الشبه بين "باكس رومانا" و"باكس أميريكانا"، فيما يخصّ التعامل مع مستعمرات الماضي المباشرة، و"مستعمرات" الحاضر الاقتصادية والمالية؟ أوضح بروفيسور "فالنتين كاتاسونوف" بالبراهين العقلية أن الرأسمالية والعبودية وجهان لعملة واحدة لا فصام بينهما.
(3) قد يتفاجأ المرء حين يعلم أن البنك الاحتياطي الفدرالي في أمريكا مؤسسة خاصة!. تطبع النقود وتستدين منها الحكومة الفدرالية، وتعوض الحكومة الفيدرالية ما تستدينه من أموال الضرائب ومن الدولارات العائدة إليها من دول العالم الثالث. وفي حالة بقاء قوة أمريكا العسكرية، يستديم بقاء الدولار العملة الأفضل. وبلغ دين الحكومة الفيدرالية الآن ما بين 16 - 22 ترليون دولار، مقابل قوة الدولار الشرائية، التي هي بدون أية ودائع إحتياطية من ذهب تدعم الدولار الورقي، منذ أن تم إلغائه في عام 1973! . وهذا هو سر أن أمريكا أكثر الدول مديونية في العالم، دون أن يهتز لها جفن حتى الآن. لا تعاني أبداً، إلا إذا انهارت إمبراطوريتها كما انهارت الإمبراطورية الرومانية من قبل، ولكن بوتيرة يتنبأ لها الاقتصاديون قد تكون أعنف. عند كل مدى زمني تُطلق فقاعاتها الإقتصادية، فتخلق أزمة مالية، لتُمهد طريقها للتطور!.
(4)
إن نظرية "كارل ماركس" التي توصِّف تاريخ البشرية كتعاقب متسق لتشكيلات اجتماعية - اقتصادية، ليست مجرد توصيف تقريبي وتخطيطي في غاية التبسيط، بل هي نظرية غير صحيحة أساساً. وبالرغم من ذلك فقد تجذَّرهذا التوصيف عميقاً في الوعي الاجتماعي، وخلق تصوراً خاطئاً عن أن العبودية لم يكن لها وجود، إلا في ظل نظام الرّق قبل قرون عديدة. * في الواقع، فسنجد أن العبودية، كظاهرة اجتماعية - اقتصادية، لا تزال تحافظ على وجودها في أيامنا هذه، ولكن لم تعُد تقتضي أن يملك إنساناً ما إنساناً آخر ملكية مباشرة. إذ أن أي شكل من أشكال العلاقات بين البشر، إذا كان يتيح لإنسان ما امتلاك نتيجة عمل إنسان آخر، فهو عبودية من وجهة النظر الاجتماعية - الاقتصادية، وخاصة إن تم ذلك رغماً عن إرادة الإنسان المُنتج. إن ظاهرة العبودية الاجتماعية - الاقتصادية المعاصرة، يجتمع فيها، غالباً، شكلان إثنان: العبودية المأجورة والعبودية الائتمانية - أي عبودية الديون- إذا كانت العبودية الكلاسيكية المباشرة تقوم على أساس العنف والإجبار القسري، فإن العبودية الائتمانية أو عبودية الديون ، تقوم على أساس الخداع والاحتيال المُقنن.
(5) ولذا فإن العبودية الائتمانية أو عبودية الديون، تقوم على أساس الخداع والاحتيال المُقنن. واذا فإن المرابين المعاصرين وعلى رأسهم أصحاب طابعة الأورق المالية في أمريكا، معنيون بإبقاء معظم السكان في جهالة كاملة لمعرفة آلية عمل المنظومة المالية العالمية. وإذا كانت رأسمالية روما القديمة رأسمالية ربوية في الغالب، فإن الرأسمالية المعاصرة قد مرت بعدة مراحل من التطور. ولكنها أوائل القرن الحادي والعشرين تقهقرت مجدداً من رأسمالية صناعية إلى رأسمالية ربوية كالسابق، ما أسفر عن تشديد الدورالذي تلعبه عبودية الديون كأبرز تجسيد للعبودية الاقتصادية - الاجتماعية. إن الشكل الأرقى للعبودية في ظل الرأسمالية، هو عبودية المال - أو العبودية الاستهلاكية. وخلافاً لكل من عبودية الديون والعبودية المأجورة، فإن عبودية المال هي شكل من أشكال استعباد الإنسان روحياً، وهي في الوقت نفسه، توضح سر الفعالية التي تتصف بها العبودية الاجتماعية - الاقتصادية بكافة أشكالها.
(6) الرأسمالية المعاصرة منظومة عالمية متكاملة وتتألف من قسمين: الأول هو رأسمالية الرغبة، حيث " المليار الذهبي "، والثاني هو هامش الرأسمالية العالمية - أي بقية العالم. ويرتبط هذان القسمان بعلاقات المُستغِل والمستغَل، حيث للغرب دور المستْعبِد والهوامش دور المُستَعبَد. وانطلاقا من هذا كله، فإن التوعية الشاملة، من خلال تقديم صورة نزيهة وموضوعية للمنظومة المالية العالمية المعاصرة وآلياتها، لابد أن يكون من أهم شروط النضال ضد العبودية الاقتصادية - الاجتماعية الحديثة بكافة أشكالها. * لماذا يجهل معظم سكان الولايات المتحدة آلية عمل منظومة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولمن تتبع ،وحتى إن كانت مؤسسة حكومية أم خاصة؟ لماذا تتكتّم وسائل الإعلام عن العائلات التي تقف وراء الشركات العالمية الكبرى وكيف تتغلغل بسلاسة في معظم بلدان العالم؟ لماذا لا يتحدث السياسيون عن "الأهرامات الائتمانية" ونهب الشعوب من خلال الترويج لآلية القروض الغامضة ناهيك عن القروض المسيّسة والمفروضة على دول بأكملها من طرف البنك الدولي وصندوق النقد؟. ولماذا ينهار سياسيا كل من يتمرّد على عملية الخداع الممنهج والسرّية النخبوية للنظام المالي العالمي؟. لماذا كل من يتشكّك في الروايات الرسمية للسلطات الأمريكية، تلصق به فورا وصمة "التآمري" أو من "أتباع نظرية المؤآمرة"؟ وهل ثمة سياسة ممنهجة بإشراف استخباري محكم لتسخيف المخالفين و"تحييدهم" بطريقة أو بأخرى؟ * في 4 يونيو عام 1963 وقّع الرئيس الأمريكي " جون كنيدي" قرار. وكان هو آخر رئيس أمريكي يوقّع القرار رقم 11110. هذا القرار يبيح لأول مرة لوزارة المالية طباعة نقد أجنبي دون الاستعانة بالبنك الفدرالي. و بعد ستة أشهر ذهب إلى دلاس ليتم اغتياله. وبعده جاء نائبه الرئيس "لندن جونسون" ألغي الأمر ببساطة!. * المراجع: بروفيسور فالنتين كاتاسونوف: مسؤول عن المشاريع الروسية لدى البنك الدولي سابقاً.