alshiglini@gmail.com
عزلت اللات والعزّى جميعاً ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزّى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أزور
"زيد بن عمرو بن نفيل"
(1)
مقدمة:
"زيد بن عمرو بن نفيل"،واحد من الحنيفيين، الذين وردت سيرة ديانتهم في سور: البقرة وآل عمران والنساء والأنعام ويونس والروم من الذكر الحكيم. كانت وفاته عام 605م، قبل نزول الوحي ببضع سنين. أفل نجمه وكان نائراً ببريقه. عُرضت عليه اليهودية والنصرانية في الشام، وبقي حنيفياً، ملتزماً ديانة إبراهيم. موحد هو، لا يأكل لحم الحيوانات التي تُذبح للنُصب، ولا يعمل بالربا. كان غُصناً أخضر و شاعر شديد المراس. تدخّل عقله سيرة الديانات القديمة، فيستخدم ذهنه في فلترتها، ويلوذ بأكثرها نقاءً. كان شديد المراس، يتّبع الأقوال من مظانها. يسافر عندما تأخذه الحيرة، حتى يجد ضالته، فيعتقد.
(2)
هو "زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب". وأمه "جيداء بنت خالد بن جابر بن أبي حبيب بن فهم". كانت جيداء عند "نفيل بن عبد العزّى"، فولدت له "الخطاب" أبا "عمر بن الخطاب" وعبدنهم. ثم مات عنها نفيل فتزوجها ابنه عمرو فولدت له زيداً. وكان هذا نكاحاً ينكحه أهل الجاهلية. وكان "زيد بن عمرو" قد تزوج "فاطمة بنت باجة الثقفية"، وأنجب منها ابنهما "سعيد بن زيد" ( أحد المُبشرين بالجنة). ثم تزوج"أمّ كُرْز بنت عمّار بن مالك بن ربيعة الكنانية"، وأنجب منها ابنته "عاتكة" و اعتزل عبادة الأوثان. وامتنع من أكل ذبائحهم. وكان يقول: يا معشر قريش، أيرسل الله قطر السماء ويُنبت بقل الأرض ويخلق السائمة فترعى فيه. وتذبحونها لغيره؟. والله ما أعلم أن ظهر في الأرض أحداً على دين إبراهيم غيري.
(3)
حدث "مصعب بن عبدالله" و"محمد بن الضحّاك" عن أبيه قالا: كان "الخطاب بن نفيل" قد أخرج "زيد بن عمرو" من مكة، وجماعة من قريش ومنعوه أن يدخلها حين فارق أهل الأوثان. وكان أشدهم عليه "الخطاب بن نفيل". وكان "زيد بن عمروبن نفيل" إذا خلص إلى البيت، استقبله ثم قال: لبيك حقاً، تعبدا. ورقا البر، ثم يقول:
عُذتُ بما عاذ به إبراهيم ... مُستقبل الكعبة وهو قائمُ
يقول أنفي لك عانٍ راغم ... مهما يُجشِّمني فإني جاشمُ
ثم يسجد.
(4)
شِعر "زيد" في ترك عبادة الأوثان:
قال "هشام بن عروة" عن أبيه عن "أسماء بنت أبي بكر" إنها قالت: قال "زيد بن عمر بن نفيل":
عزلت الجَّن والجنَّان عني ... كذلك يفعل الجلد الصّبورِ
فلا العُزّى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني غَنم أزور
ولا هُبلاً أدين وكان ربّاً ... لنا في الدهر إذا حلمي صغير
أرباً واحداً أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
ألم تعلم بأن الله أفنى ... رجالاً كان شأنهم الفجورُ
وأبقى آخرين ببرِّ قومٍ ... فيربو منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوماً ... كما يتروّح الغصن النضيرُ
فقال "ورقة بن نوفل" يرثيه، عندما علم بمقتله:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنّيت تنُّوراً من النار حاميا
بدينك رباً ليس رب مثله ... وتركك جنان الجبال كما هيا
أقول إذا ما زرت أرضاً مخوفةً ... حنانيك لا تُظهر عليّ الأعاديا
حنانيك إن الجنّ كانت رجاءهُم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا
أدين لرب يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
أقول إذا صلَّيتُ في كل بيعةٍ ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا
(5)
حدث "موسى بن عقبة"، قال سمعت من أرضى يحدث: أن "زيد بن عمرو" كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل من السماء ماء. وأثبت لها من الأرض نباتاً، ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكاراً لذلك وإعظاماً له!.
قصته مع النبي:
قال "سالم بن عبدالله" أنه سمع "عبدالله بن عمر" يحدّث عن رسول الله، أنه لقي "زيد بن عمرو بن نفيل" بأسفل "بلدح"، وذلك قبل أن ينزل على رسول الله الوحي، فقدَّم إليه رسول الله سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل وقال: إني لا آكل إلا ما ذُكر اسم الله عليه.
*
قال" موسى بن عقبة" عن "سالم بن عبد الرحمن" قال: لا أراه إلا حدثه عن "عبدالله بن عمر". إن "زيد بن عمرو" خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالماً من اليهود، فسأله عن دينهم ، فقال لعلي أدين بدينكم. فقال اليهودي إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. فقال "زيد بن عمرو": لا أفرّ إلا من غضب الله. وما أحمل من غضب الله شيئاً أبداً .وأنا أستطيع فهل تدلني على دين ليس فيه هذا. قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال وما الحنيف. قال دين إبراهيم. فخرج من عنده وتركه. فأتى عالماً من علماء النصارى. فقال نحواً مما قال اليهودي. لا أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. فخرج من عندهما وقد رضي بما أخبراه واتفقا عليه من دين إبراهيم. فلما برز رفع يديه وقال: أللهم إني على دين إبراهيم.
(7)
قال:" هشام بن عروة" بلغنا أن "زيد بن عمرو" كان بالشام، حتى إذا توسط بلاد "لخم" عدوا عليه فقتلوه سنة 605 م. وقال أيضاً " سألت أنا و"عمر بن الخطاب" رسول الله عن "زيد" فقال ": يأتي يوم القيامة أمة وحده وأنشد "محمد بن الضحاك" عن "الحزامي" عن أبيه لـ "زيد بن عمرو":
أسلمت وجهي لمنْ أسلمت ... له المزن تحمل عذباً زلالاً
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما استوت شدّها ... سواءً وأرسى عليها الجبالا
إذ هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبّت عليها سجالا
*
قال" أبوجعفر": وكانت الأمم تتحدث بمبعثه، وتخبر علماء كل أمة منها قومها ذلك، وقد تحدث "علي بن عيسى الحكمي" عن أبيه عن "عامر بن ربيعة" قال: سمعت "زيد بن عمرو بن نفيل" يقول: أن انتظر نبياً من ولد إسماعيل، ثم من "بني عبدالمطلب"، ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به، وأصدقه وأشهده أنه نبي، فإن طالت بك مدة، فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته، حتى لا يخفى عليك. قلت: هلم. قال هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة. وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه ، ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به، حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين، وراءك وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون لم يبق نبي غيره. قال "عامر": فلما أسلمت أخبرت رسول الله قول "يزيد بن عمرو"، وأقرأته منه السلام، فرد عليه رسول الله وترحم عليه وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً.
*
تلك القصة أعلاه بتفاصيلها، تصعد فيها المحبة دون شك، أكثر من الوقائع التاريخية. فلا يوجد فيما اطّلع عليه " زيد بن عمرو" من أسس تنبئه بوصف رسول الله صلوات الله عليه وسلم، ولا معرفته بأن أهله سيبغضونه أو موضع هجرته ليثرب.أما أن يترحم عليه النبي، فقد سبق للنبي الأكرم أن كان حنيفياً قبل نزول الوحي. وتلك أقرب للقلب المُصدِّق.
المراجع :
- ابن هشام: السيرة النبوية
- أبوالفرج الأصفهاني: الأغاني
عبدالله الشقليني
10أكتوبر 2018