alshiglini@gmail.com
ليس في مقدورنا تصور حجم الإمبراطورية المالية التي شيدها القتلة الاقتصاديين. فحجم التريليونات من الدولارات التي جنتها المؤسسات الرأسمالية الأمريكية منذ العام 1951، تتضخم بصورة سرطانية. ونشأت مؤسسة فعلية تضُم الجواهر البشرية من ذوي المهارات الخاصة ،الذين تدرّبهم الاستخبارات الأمريكية ليصبحوا يدها التي تتمكن من خلالها، جني الأرباح من مشروعات كُبرى في دول العالم الثالث، نظير تقديم رشى لمنْ بيدهم القرار السياسي، أو تهديدهم أو إذا اقتضى الأمر نصب فخاخ لاغتيالهم ، أو في أسوأ الاحتمالات شن حرب واحتلال لأراضٍ وأوطان، من أجل التمهيد لعمل المشروعات الضخمة في تلك الدول نظير إغراقها في الديون، دون مراعاة لدراسة الجدوى الاقتصادية العلمية التي تسبق إقامة أي من تلك المشروعات. وتكون تلك المشروعات دين على الأوطان، يتعين للشعوب تسديده، ويبقى القيد مربوط إلى العُنق. ولتجنيد هؤلاء القتلة، يتعين مسح عقولهم لمعرفة طموحاتهم وشهواتهم قبل استخدامهم . إن أغلب القتلة يتمتعون بثلاثي نقاط الضعف ( المال، السلطة، الجنس ). وتلك ميّزة يتعين استغلال نقاط الضعف كلها ليكون القتلة الاقتصاديون أداة طيعة لتنفيذ المهام التي توكل إليهم. ووضعت الاستخبارات أجور مرتفعة للقتلة الاقتصاديين، ليقوموا بالمهام المطلوبة، دون إحساس بتأنيب الضمير.
(2)
إن استخدام القانون القديم ( العصا والجذرة )، ليس محض مقولة إنشائية أو صناعة مصطلح خاوٍ من المعنى، ولكنها قيمة فعلية لابتزاز منْ لديهم سلطة القرار السياسي في أي بلد كان. والهدف يمكن تبسيطه في إقامة مشروعات كُبرى في دول ليست بحاجة فعلية لتلك المشروعات ،وذلك نظير تمويل تلك المشروعات من الديون التي على الدولة، إضافة لتكاليف الرشى لأصحاب القرار. لا تهمّ ما هي مسميات الوحدات الاقتصادية أو البنكية: يمكن أن تكون الوكالة الأمريكية الدولية للتنمية، ويمكن أن يكون البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو غيرهم. المهم هو إنشاء شبكة الغروض التي تدفعها الشعوب آخر المطاف، وترزح في سلاسل الفقر الدائم، بينما يعيش ولاة الأمور وأسرهم في غنى وبحبوحة عيش.
(3)
*
بدأ الأمر حين رغب الرئيس المُتخب لإيران " محمد مصدق " تأميم شركات البترول، لمصلحة الشعب الإيراني. وكان يتعين وقفه عن اتخاذ تلك الخطوة. وتم تدبير سلسلة من الخطوات التي قام بها قتلة اقتصاديون، وعمّت التظاهرات إيران، مما أدى لسقوط "محمد مصدق"، وعودة شاه إيران إلى الحكم من جديد.
للقتلة الاقتصاديين، وفق ما يذكر "جون بيركنز" في سفره الذي ترجمه " دكتور بسام أبوغزالة "( الاغتيال الإقتصادي للأمم)، وكشف عن طرائق متنوعة لانجاز مهامهم. يبدأ القتلة الاقتصاديون بتقديم الرشى بأن الموافقة على المشروعات خير لبلاد القادة. ويتمكن هؤلاء القادة وأسرهم من التمتع بحياة مرفهة، ويقدمون لهم دراسة جدوى كاذبة، مُضخمة الفوائد. وأن المشروعات هي السبيل إلى النهضة والتطور. ويتم بذلك ابتلاع الطعم. وإن تطلب الأمر استعراض بصورة غير مباشرة لمصائر الذين يقفون ضد تلك الشركات، فمصير " محمد مصدق " في إيران معروف، ومصير " باتريس لوممبا " في الكنغو معروف، وتم اغتيال الرئيس المُنتخب في الأرجنتين " سلفادور أليندي"، وقد أطيح بـ"جاكوبو أربينز غوزمان " في غواتيمالا ودخل الجيش الأمريكي لبنما وتم اعتقال الرئيس" نوريقا " ووضعه في السجن المؤبد في أمريكا. وعندما فشل إغراء ورشوة " صدام حسين"، التي حاولت الاستخبارات اغتياله، وعند الفشل الأمر، استخدمت الاستخبارات الحرب والاحتلال للعراق، ولن يوقف الحرب كشف كذبة وجود أسلحة كيماوية من أسلحة الدمار الشامل.
(4)
الحلم الأمريكي:
صاغ المؤرخ والكاتب "جيمس تراسلو ادامز" مصطلح "الحلم الاميركي" عام 1931 في كتابه الملحمة الأمريكية :
{الحلم الأمريكي هو الحلم الخاص بالأرض التي يجب أن تكون بها الحياة أفضل وأكثر ثراء لكل الناس، حيث تتيح لكل فرد الفرصة المناسبة طبقا لقدراته وإنجازاته. إنه حلم صعب التفسير بشكل مناسب من قبل الأوروبيون من الطبقة العليا. كما سئم منه العديد منا وأصبحوا لا يصدقونه. إنه ليس مجرد حلم للحصول على سيارة أو مرتب مرتفع، ولكنه يسعى إلى تحقيق عدالة اجتماعية لكل رجل وامرأة. وبذلك يصلوا إلى أفضل المستويات ويصبح لديهم القدرة الفطرية على الإنتاج. ومن ثم، ينظر الآخرون إلى هويتهم دون أي اعتبار لمولدهم أو مركزهم.}
كما كتب أيضا:
{لم يصبح الحلم الأمريكي، الذي جذب عشرات الملايين من الأمم إلى سواحلنا خلال القرن الماضي، حلم تحقيق الرخاء المادي، على الرغم من أن ذلك كان في الاعتبار من دون شك. لقد أصبح حلم القدرة على وصول الرجل والمرأة إلى أعلى درجة من التطور، دون التقيد بالعوائق التي أقامتها الحضارات القديمة أو الأوساط الاجتماعية التي ظهرت، لصالح الطبقات، بدلاً من أن تكون لصالح الإنسان البسيط الذي ينتمي لأي طبقة اجتماعية.}
القرن العشرين والواحد والعشرين:
قامت مجموعة من المنظمات المختلفة خلال السنوات الأخيرة بدراسة مصطلح الحلم الأمريكي باعتباره هدف قومي. وتشير نتائج هذه الدراسات إلى أنه خلال فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية الثالثة، وهي فترة تتسم بازدهار ثروة الولايات المتحدة. اعترف عدد متزايد من الناس بفقدانهم الثقة في الحلم الاميركي، عند ظهور كم من البالونات الاقتصادية، التي تتفرقع على وتيرة متسارعة مخلّفة أزمات اقتصادية.وهي التي تمهّد الطريق لطفرة اقتصادية جديدة.
(5)
من الصعب أن نتصور هذا الازدهار الرأسمالي بلا ثمن. للحلم الأمريكي، ولقيّمه الإنسانية، ثمن لا بد أن تدفعه إلى الحياة. إنه العالم السفلي، أو البنية التحتية الشيطانية، التي تدعم هذا الصعود اللولبي لرأس المال بلا سقف، وهو سر بقائه. عالم كعوالم الشياطين في القصص الخيالية، ولكنها أوسع خيالاً مما نعتقد. فالأخلاق والقيّم النبيلة، هي أحلامنا التي كنا نعتقد بأنها تقف وراء الحُلم الأمريكي. ولا نعقل أن تلك القيّم والأخلاق، يتم التلاعب بها من قبل من يحمون ذلك الإزدهار. يستخدمون كل حيل المكر للانتصار. ولا يُستثنى من خطواط الاغتيال الرؤساء الأمريكيين أنفسهم، وما تم في اغتيال " جون ف. كنيدي " رئيس الولات المتحدة الأمريكية، تظل شاهداً لتدخل القتلة الاقتصاديين.
ليسأل الواحد منا نفسه ، كيف يدار العالم النقدي في هذا العالم؟ .ولن يجد المرء إجابة أبداً.
عبدالله الشقليني
15 أكتوبر 2018