هل اقتبس الحزب الشيوعي ( سلاح الاضراب السياسي ) من أفكار "كاوتسكي" لتطبيقها في معركة ثورة أكتوبر 1964 ؟ . ما ورد في رد لينين عن أفكار كاوتسكي في كتابه ( الدولة والثورة) في الصفحة 62: {يخصص قسم خاص في الكتيب "لأشكال الثورة الاجتماعية وأسلحتها". وهنا يتحدث "كاوتسكي" عن الإضراب السياسي الشامل، والحرب الأهلية، وعن "أدوات قوة الدولة الحديثة الكبيرة، والبيروقراطية، و الجيش "؛ لكنه لا يقول كلمة حول ما علمته الكومونة للعمال. من الواضح أنه لم يكن بدون سبب أن " إنجلز" أصدر تحذيرًا، لا سيما إلى الاشتراكيين الألمان ، ضد "الخشوع الخرافي" للدولة .يعامل "كاوتسكي " المسألة على النحو التالي: البروليتاريا المنتصرة "ستنفذ البرنامج الديمقراطي"، ويواصل صياغة فقراته. لكنه لا يقول كلمة واحدة عن المادة الجديدة المقدمة في عام 1871 حول موضوع استبدال الديمقراطية البرجوازية بالديمقراطية البروليتارية!." كاوتسكي"يتعامل مع السؤال باستخدام مثل هذه التفاهات "المدهشة"، مثل: "ومع ذلك، من نافلة القول أننا لن نحقق التفوق في ظل الظروف الحالية. تتطلب الثورة نفسها صراعات طويلة وعميقة، والتي، في حد ذاتها، ستغير هيكليتنا السياسية والاجتماعية الحالية."}
(2) ونقتطف من مقال برفيسور "عبدالله علي إبراهيم" بتاريخ 16 نوفمبر 2016 وهو يكتب عن (الإضراب السياسي العام: ليس مضغة، ليس "شيخاً بيخن)":
{وذكرت من قبل كيف انتقد تقرير المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي (الماركسية وقضايا الثورة السودانية في 1967) هذه المعارضة اليسارية، وقال إنها طبعت عملنا الثوري خلال حكم الفريق عبود. وعرّف التقرير بأنها الكفاح ضد نظام جنرالات نوفمبر 1958 كنظام ديكتاتوري عسكري لا كنظام طبقي أداته العسكرية. ولذا تم التغيير، حين وقع، في مستوى عودة النظام البرلماني لأنه لم يتحقق به تغيير في بنية المجتمع يؤمن لمثل حكومة أكتوبر الثورية أجلاً أكثر مما سمحت به القوى التقليدية المتربصة. } * إن الاضراب السياسي الذي أنجح ثورة أكتوبر 1964 كان معروف النتيجة مسبقاً، وسيطرة نظام الطائفية والقوى التقليدية للبرلمان كانت حتمية، التي أرجعت المد الثوري. وكانت هي الحصيلة التي سعت لاستعجالها القوى التقليدية عقد الانتخابات لتعود من جديد، كأن ثورة أكتوبر كانت التميمة لعودتهم المظفرة!.
(3) أورد البروفيسور " محمد عمر بشير " في سفره الجليل ( تاريخ الحركة الوطنية) :
في أغسطس 1961 وزّع الحزب الشيوعي نداء للجماهير داعياً جميع القوى الثورية للقيام بإضراب سياسي شامل عام يؤدي حتماً إلى القضاء على الحكم العسكري. وقد أوضح الحزب ( إن الحزب يؤمن بالعمل الجاد والمتواصل في أوساط تلك القوى، العمال والملاك والطلاب المثقفين، إذ يمكن تعبئتها لتقوم بإضراب سياسي شامل يؤدي حتماً إلى شل النظام السياسي القائم) * وعرّف الحزب الشيوعي الإضراب السياسي بأنه ( توقف الجماهير الثورية عن العمل ويتم تنفيذه عندما تصل الجماهير الثورية إلى وضع لا تحتمل فيه العيش تحت ظل النظام الراهن. ولهذا فهو يمثل تعبيراً كيفياً في وضع الجماهير الثورية وعقلياتها. إنه عملية وسلسلة. وليس ضربة واحدة ،عملية من الدعاية والعمل الفكري الدائب ضد تهريج النظام الراهن. ومن أجل تعميق الاتجاهات الثورية لدى الجماهير، ومن التعليم ومن التجارب ومن المعارك اليومية المختلفة والتآزر حولها من بناء قوة ثابتة للجبهة الوطنية الديمقراطية.) * ولم تستطع قوات البوليس والقوات المسلحة كبح جماح الإضرابات والمظاهرات التي نُظمّت لإسقاط النظام العسكري. ومن ثم أضحت المواجهة بين الجيش والمتظاهرين أمراً لا مفر منه. ولم يكن صغار ضباط الجيش، الذين أبدوا استياءهم وتذمرهم في الماضي، واقفين خلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وعندما أعطيت الأوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين . رفض صغار ضباط الانصياع للأوامر. ومن ثم لم يبق للفريق عبود، غير حلّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء، وإعلان موافقته على تكوين حكومة انتقالية لاتخاذ الخطوات الضرورية لإعادة الديمقراطية والحكم المدني. ونجح الإضراب السياسي.
(4) أين الاقتصاد؟ لم نقرأ في أي أدبيات للحزب الشيوعي السوداني إلى اللآن تصوره للاقتصاد كيف يريده أن يكون بالتفصيل، فقد تم الاعتماد على ما هو كائن بالفعل ضمن الاقتصاد السوداني والبناء حوله، في ظل فتوّة النظام الرأسمالي، الذي أجبر دولة كالصين الشعبية على ثورة في المفاهيم الاقتصادية، بانتهاج منهج فكري يصبح فيه النظام اقتصادي يعمل بنظام سعر السوق مع الدعوة للتطوير والتحديث، مع تعديل طفيف في مركزية الحزب الشيوعي ومرونته تجاه متطلبات الطفرة الاقتصادية الرأسمالية، دون أن يترافق ذلك بتغيير النظام السياسي. * وذات الشيء ما حدث للحركة الشعبية الأصل في جنوب السودان، من تبنيها ثلاثة مبادئ: الأولى: التوزيع العادل للثروة، الثانية: التوزيع العادل للسلطة، الثالثة: سيادة الهوية المتنوعة لأهل السودان. ولم يكن بينها جميعاً نوعية الاقتصاد المُراد تحقيقه، ولم تتطرق كذلك الحركة الشعبية لحل مسألة القوميات، أو الصراع القبلي المتوقع.
(5) أنموذج اقتصادي جديد: دخلت الصين بعد عام 1978 مرحلة جديدة في مسيرتها والتي قطعت من خلالها شوطاً غير قليل في المجال الاقتصادي الذي مكّنها فيما بعد من ترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية. كان وصول "دينج شياو بينج" إلى السلطة في الصين عام 1978 وتطبيقه سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم، بداية مرحلة جديدة في مسيرة الصين الشعبية والتي حققت لها فيما بعد نتائج مرضية، بل أصبحت نموذجاً يشار إليه من قبل بقية دول العالم. * ومن المؤشرات التي تدل على أن الصين ماضية في هذا الطريق: إنشاء خمس مناطق اقتصادية، تطبق فيها سياسات اقتصادية خاصة، والتي يمكن توضيحها بما يلي:
1. تعتمد تنمية اقتصاد المناطق الخاصة بشكل رئيسي على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية. والاستفادة منها ومن منتجاتها بشكل أساسي نحو التصدير. إن اقتصاد المناطق الخاصة هو وحدة جامعة، مكونة من المؤسسات المشتركة الاستثمار والمؤسسات التعاونية بين الصين والأجانب والمؤسسات الأجنبية الاستثمار بشكل أساسي إلى جانب وجود الأشكال الاقتصادية المتنوعة الأخرى، ويخضع الاقتصاد في المناطق الخاصة لقيادة الاقتصاد الاشتراكي في عموم الصين. 2. ضرورة إظهار دور التكييف للسوق ضمن الحركة الاقتصادية في المناطق الخاصة. 3. تقديم الأمتيازات والتسهيلات الخاصة في مجالات الضرائب وإجراءات تأشيرات الدخول والخروج للتجار الأجانب القادمين إليها بقصد الاستثمار. 4. تطبيق نظام إداري مختلف عن نظام المناطق الداخلية، إذ تتمتع المؤسسات فيها بالحرية الأكبر. * وفي الواقع، إن التجربة الصينية هي نوع من الإصلاح الاقتصادي، ومرد ذلك عدم ارتباط هذه العملية التي تجري في الصين بتغيير في النظام السياسي، وهي بذلك خطوة نظرية غير مسبوقة. * من خلال ما تقدم، يتضح لنا إن التجربة الصينية تقوم على أساس إقامة سوق جديد، ونشاط هذا السوق يخضع لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني، على الرغم من أن آليات السوق هي التي تحكم النشاط الاقتصادي في الصين.
(6) إن هذا الانفتاح الذي شهدته الصين، وما زالت على العالم الخارجي، لغرض الوصول إلى ما وصلت إليه من تقدم اقتصادي وتجربة فريدة من نوعها، لم يؤد إلى أن تستجيب الصين لما يريده الغرب من تغييرات في النظام السياسي الصيني. فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ترى " أن الاندماج الاقتصادي لا بد أن يصحبه اندماج سياسي - أي الاندماج مع الاقتصاد الرأسمالي - وبقدر ما يزداد اندماج اقتصاد الدول الأطراف، من موقع التبعية، في الاقتصاد الرأسمالي للمركز يزداد اندماج النظام السياسي لهذه الدول، من موقع التبعية ، في النظام السياسي للمركز. وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشير" كولن باول" في عام 1988 إلى أن هناك علاقة وثيقة بين " التقدم الاقتصادي والحرية الاقتصادية والحرية السياسية ". وهذا الطرح يعني قيام نظام سياسي في الدول التابعة - التي تبنـت الحريـــة الاقتصادية - يتلائم مع الحرية الاقتصادية - مما يؤدي بالنتيجة إلى تبني نظام سياسي على نفس النمط الذي يقوم عليه النظام السياسي في المركز، والذي لا يمكن الفصل فيه بين الحرية السياسية والحرية الاقتصادية .
والحقيقة، إن هذا الطرح الغربي أو الرؤية الغربية لما يجري في الصين، تعني إحداث تغيير جذري في النظام السياسي والاقتصادي، وهذا خلاف ما هو موجود في الصين.بالفعل وإلى تاريخ اليوم.
المراجع : - مركز دراسات الصين وآسيا ، التجربة الاقتصادية الصينية. - محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية . - عبدالله علي إبراهيم، الإضراب السياسي العام: ليس مضغة، ليس "شيخاً بيخن، 16 نوفمبر 2016.