لا بديل غير الحل الشامل

 


 

 

 

ازدادت أزمة البلاد تفاقما بعد إقرار ميزانية الفقر الدمار للعام 2018 التي أدت للتدهور المريع في الأوضاع المعيشية والانخفاض المستمر في قيمة الجنية السوداني وتدهور الإنتاج الزراعي والصناعي، والخصخصة وتشريد العاملين، وتحرير السوق وافلاس البنوك وعجز النظام التام عن حل الأزمة الاقتصادية والمعيشية ، وتقديم أبسط الخدمات للتصدي لكوارث السيول والفيضانات والحرائق كما حدث في سوق أمدرمان الذي تعرض فيه التجار لخسائر هائلة في ممتلكاتهم ،حتي أصبح الوضع يهدد بالانفجار الشامل .

لكن النظام ما زال سائرا في الطريق المسدود الذي أثبت فشله خلال ال 29 عاما الماضية القائم علي الحلول الجزئية الذي أكدت التجربة العملية فشلها ، حيث وقّع النظام اتفاقات كثيرة مع قوي المعارضة والحركات المسلحة، وكان من الممكن أن تفتح الطريق لمخرج من الأزمة، ولكن النظام خرق العهود والمواثيق ، وأفرغ الاتفاقات التي وقعّها من مضامينها وحولها إلي مناصب ومقاعد في السلطة والمجالس التشريعية القومية والولائية تحت هيمنة المؤتمر الوطني مثل ما حدث مع: مجموعة الهندي من الاتحادي، وجيبوتي مع الأمة والتي أدت إلي انشقاق حزبي الأمة والاتحادي، ومجموعة السلام من الداخل التي انشقت من الحركة الشعبية، واتفاقية نيفاشا والتي كانت نتائجها كارثية أدت إلي تمزيق وحدة السودان بانفصال الجنوب، كما وقّع النظام اتفاقات أخري أيضا لم يف بعهودها مثل : اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي، واتفاق أبوجا مع مجموعة مناوي، والاتفاق مع جبهة الشرق ، واتفاق التراضي الوطني مع حزب الأمة، واتفاق الدوحة مع بعض حركات دارفور. الخ، وكلها لم تؤتي أُكلها، وأصبحت حبرا علي ورق. ولم تّغير هذه الاتفاقات من طبيعة النظام وخصائصه وعقليته الاقصائية والشمولية حتي لو كان علي حساب وحدة الوطن، إضافة لمواصلة التنكر لوثيقة الحقوق في دستور 2005م التي كفلت حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي، بالانتهاك الفظ لتلك الحقوق.

يطرح النظام من جديد التفاوض مع حركات دارفور علي أساس اتفاق الدوحة الذي كان اتفاقا جزئيا وفشل وشبع موتا، ومعلوم أن وثيقة اتفاقية الدوحة تجاهلت مطالب موضوعية لأهل دارفور مثل: وحدة الاقليم واغراقها في استفتاء تكون نتيجته معروفة سلفا في ظل نظام الانقاذ الحالي، وطبيعة الدستور والقوانين التي تحكم البلاد والحقوق الأساسية للمواطنين، في ظل حالة الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات، إضافة إلي عدم وجود ضمانات لتنفيذ الاتفاقية، وأن التعويضات غير مجزية، وافراغ نظام الإنقاذ دستور 2005م من محتواه، وأصبحت وثيقة الحقوق حبرا علي ورق بسبب وجود القوانين المقيدة للحريات مثل قانون الأمن والصحافة..الخ، وبالتالي فان الحاجة لدستور ديمقراطي جديد يكفل الحقوق والحريات الديمقراطية والتعددية الثقافية والدينية والعرقية وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتداول الديمقراطي للسلطة، واستقلال القضاء وحكم القانون وقومية التعليم والخدمة المدنية والقوات النظامية. إضافة إلي أنه من المهم في تقاسم السلطة اللجوء إلي الحل الشامل لكل أقاليم السودان، والابتعاد عن التقاسم الجزئي للسلطة الذي يعيد تجدد الحرب بشكل أوسع من السابق، ويصبح المطلوب هو الحل الشامل والتنمية المتوازنة لكل أقاليم السودان.

كما يسير النظام في حل جزئي آخر لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بوساطة سلفاكير ، ويتمسك في الحوار بوساطة أمبيكي مع " نداء السودان " بنتائج حوار "الوثبة " كإطار للحل السياسي ، والتفاوض فقط حول انتخابات 2020 ، ووضع الدستور الدائم. والسير في سياسة فرق تسد بتفتيت وحدة المعارضة بشقيها المدني والمسلح . وهذا طريق يعمق الأزمة ويطيل معاناة الشعب السوداني وأمد الحرب بكل ماسيها الإنسانية.

كان الخلل الأساسي في اتفاقية نيفاشا هو الثنائية، وعدم شمولها لكل أقاليم السودان، و تلبية مطالبها العادلة في الثروة والسلطة والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة وتوفير الاحتياجات الأساسية في التعليم والصحة والخدمات. الخ، وتكوين مجلس رئاسي يمثل كل أقاليم السودان: الجنوب، دارفور، الشرق، كردفان، الأوسط، الشمالية، باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء بدلا من الحلول الجزئية التي تعيد إنتاج الأزمة. وكانت النتيجة انفصال الجنوب بعد الفشل في تنفيذ جوهر الاتفاقية الذي يتمثل في التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الأوضاع المعيشية، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية بحيث يكون خيار الوحدة هو الجاذب في الاستفتاء علي تقرير المصير.

هذا فضلا عن فشل الحلول الجزئية في المنطقتين مثل اتفاق نافع – عقار الذي فشل وأدي إلي تجدد الحرب واتساع رقعتها.

من جانب آخر يشعر المجتمع الدولي بقيادة أمريكا وحلفائها بخطورة الوضع الذي يمكن أن يؤدي للتغيير الجذري الشامل الذي يهدد مصالحه في المنطقة ، بالتالي ينشط هذه الأيام في الضغط من أجل " الهبوط الناعم " بإجراء تغييرات شكلية لاتمس جوهر النظام وسياساته الاقتصادية ودوره في تنفيذ مخططاته ، وفي صراعه مع الصين وروسيا التي بدأ ينشط دورها في المنطقة، ونهب ثروات وموارد البلاد وأراضيها ، كما يتضح من تصريح الاتحاد الأوربي بأنه لن يسمح بانهيار النظام وسوف يدعمه ماليا تحت تأثير الأزمة الاقتصادية الحادة، و من شروط أمريكا لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تتلخص في : تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب ، وتحسين سجل البلاد علي صعيد حقوق الانسان بما فيها الحريات الدينية والصحفية ، وخلق بيئة أكثر ملاءمة للتقدم في عملية السلام في السودان، وضمان وصول المساعدات الإنسانية ووقف الأعمال العدائية الداخلية ، واتخاذ الخطوات لمعالجة بعض الأعمال الإرهابية البارزة، والالتزام بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بشأن كوريا الشمالية. الخ، إضافة لتشجيع الحلول الجزئية التي تؤدي للمزيد من تمزيق وحدة الوطن لاستمرار نهبه لموارد البلاد.

لا جدال حول احترام حقوق الانسان وضرورة وقف الحرب لأنها باهظة التكاليف إضافة لمآسيها الإنسانية والكوارث التي خلفتها من تشريد الآلاف من قراهم ومدنهم، وتعطيل الإنتاج الزراعي، إضافة لتكلفتها التي تتحملها الجماهير الكادحة بزيادة الأعباء الضريبية عليها ، والارتفاع المستمر في الأسعار ، وزيادة ميزانية الحرب علي حساب التعليم والصحة وبقية الخدمات والشحيحة أصلا، واذا أخذنا في الاعتبار الزيادات المستمرة و المتوقعة علي أسعار بعض السلع مثل : الدقيق والسكر والمحروقات ، الكهرباء. الخ، في ميزانية العام 2019 ، فان معاناة الجماهير ستتضاعف، وأزمة النظام سوف تزداد تفاقما.

من جانب آخر تتصاعد مطالب العاملين لزيادة الأجور وتركيز الأسعار ، والمزارعين من أجل تحسين أوضاعهم في تقليل الضرائب وتوفير الجازولين وشروط مجزية في تسويق المحاصيل ، وتقليل تكلفة الإنتاج والضرائب والجبايات، ومقاومة الصحفيين والرأي العام المحلي والعالمي لمصادرة الحريات الصحفية وحرية التعبير كما هو واضح من "الميثاق الصحفي" والمصادرة المستمرة للصحف ، ومنع الأمن قيام المؤتمر الصحفي للتحالف الديمقراطي للمحامين بدار حزب الأمة ، مما يعني مصادرة نشاط الأحزاب داخل دورها.، كل ذلك لا يساعد في الحل الشامل ، الذي يفترض توسيع الحريات الديمقراطية ووقف الحرب ، باعتبار ذلك المدخل للحل العاجل للأزمة.

بالتالي ، فإن الأزمة أصبحت عميقة والنظام عاجز عن حلها ولا يفيد في حلها التسوية علي أساس " الهبوط الناعم" والحلول الجزئية التي تعيد إنتاج الأزمة بشكل أعمق من السابق، بل نطرح البديل الذي يتمثل في الحل الشامل الذي يخاطب جذور مشاكل البلاد ، وهذا الحل لا يخرج عن ما يجري أمام أعيننا من نضال يومي تخوضه جماهير شعبنا في مختلف المستويات الذي يجب توسيعه وهذا يتطلب المزيد من التنظيم والتعبئة من أجل : -

*مواصلة النضال من أجل تحسين الأوضاع المعيشية وتركيز الأسعار وزيادة الأجور لمواجهة الغلاء والارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، وتوفير السيولة في البنوك، وحل قضايا الجماهير اليومية مثل: انقطاع خدمات المياه والكهرباء، ومشاكل السدود، وبيع الأراضي والساحات والميادين العامة، وعدم التفريط في سيادة وأراضي البلاد واستعادة التي تم احتلالها أو تأجيرها مثل: حلايب وشلاتين والفشقة وسواكن. الخ، وتوفير الأمن وحماية أرواح وممتلكات المواطنين، وحل قضايا المزارعين ، والطلاب ، وتوفير فرص العمل للعاطلين من الشباب، وإلغاء القوانين المذلة للنساء، وضد الرسوم الباهظة علي التعليم والعلاج، وتوفير الدواء بأسعار معقولة. الخ.

• تصعيد النشاط السياسي الجماهيري من أجل وقف الحرب ، والحل الشامل والعادل لقضايا مناطق دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، والشرق، ولا مخرج غير التفاوض والحل السلمي، وتوصيل الإغاثة للنازحين ورجوعهم إلي أراضيهم، وتعويضهم عن الخسائر ، والعودة إلي الإنتاج الزراعي ، واستقرارهم.

* توسيع الحقوق والحريات الديمقراطية والنقابية، واطلاق سراح كل المعتقلين والمحكومين السياسيين، وأن يحصر جهاز الأمن مهامه فقط في جمع المعلومات، وكفالة حرية الصحافة فعلا لا قولا ، والسماح بقيام ندوات الأحزاب في الساحات العامة، وحرية تسيير المواكب السلمية التي يكفلها الدستور الانتقالي لسنة 2005م، ووقف عنف مليشيات المؤتمر الوطني في الجامعات السودانية.

* أوسع مقاومة لمهزلة انتخابات 2020 في ظل القوانين المقيدة للحريات وحرية الصحافة، واحتكار السلطة للمال والإعلام ، وعدم استقلال القضاء ومفوضية الانتخابات، وتعديل قانون الانتخابات لمصلحة الحزب الحاكم في ظل اعتراض حتي الأحزاب المتحالفة مع النظام، مما يعني أن نتيجة الانتخابات مزورة ومحسومة سلفا لمصلحة الحزب الحاكم.

تستمر المقاومة الجماهيرية في أوسع تحالف حتي اسقاط النظام وقيام البديل الديمقراطي الذي يتم فيه:

* وقف الحرب فورا، والحل الشامل والعادل لقضايا مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق، وقيام المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد.

* تحقيق التحول الديمقراطي وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع.

* تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية وقيام المؤتمر القومي الاقتصادي لمعالجة الخراب الذي أحدثه نظام الإنقاذ، وإعادة تأهيل القطاعين الزراعي والصناعي، وتقوية العملة السودانية ، وإعادة النظر في المشاريع التي تمت خصخصتها ، والمحاسبة ورد المظالم ، واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة.

* قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء