تحية لثورة الشعب .. ولتستمر

 


 

 

 


alshiglini@gmail.com

إنني أومن بالشعب حبيبي وأبي
وبأبناء بلادي البسطاء
وبأبناء بلادي الفقراء
الذين اقتحموا النار
فصاروا في يد الشعب مشاعل
والذين انحصدوا في ساحة المجد
فزدنا عددا
والذين احتقروا الموت فعاشوا ابدا

محمد المكي إبراهيم

(1)
يعجز القلم في سباقه الدؤوب، كي يلحق بثورة الشباب. فهي متقدمة عليه وعلى سدنة النظام وعلى النظام الإعلامي العالمي. وأصحاب السلطة عندنا يراهنون على توقفها، فلا عيد أضحى هناك ، ولا شهر صوم على الأبواب. لقد انسد الأفق على تنظيم الإخوان المسلمين في السودان، لقد كانوا في تاريخهم أكثر التفافاً ومخادعة من الأحزاب التقليدية الطائفية، الإسلامية الهوى، التي ما اختارت ديمقراطية" وست منستر"، لأنها سوف تعيدها لمقاعد السلطة. الآن يبدو أن البضاعة المتأسلمة قد كسدت ,فقد كسدت كذلك كل بضاعة الذين ينتعلون خُف الدين وسيلة كي يصلوا للسلطة. وها هو انقلاب الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية، الجبهة الإسلامية القومية، مهما تغيرت التسميات الثعلبية الماكرة ، في السطوعلى الحياة السودانية، فقد برهن الشعب وفصائله الشابة بعناصرها من النساء والرجال والأطفال وبعض الشيب، أنهم أشد ذكاء ومكراً. فهؤلاء قد راهن الإخوان المسلمين أنهم أبناءها وبناتها الذين يولدون وقد تشربوا بمقولات الحركة الإسلامية، وتم إعادة تأهيلهم ليصبحوا جيش الحركة والتنظيم. ويصرخ المتأسلمون أن العلمانيين الكفرة هم المحرك لهذه الثورة ، وهم يعلمون أن فصل الدين من السلطة السياسية يفقدهم مُبرر وجودهم ،ويزيل الأنياب القاتلة من الذئاب البشرية.


(2)
ها هو الذهول قد أصابهم، والليل قد أدبر، فلا فائدة للإصباح عندما ينبلج صبح الثورة. فأبناء السودان وبناته أقدر على ليّ الحديد وهم يطرقونه ليُطيع. نعم إن الشعب السوداني الأعزل، أثبت أنه الأقوى وإن بصيرته نافذة ولو كره الظالمون.
فاجئني صديق، إذ أن أحبار قد نزفت وأوراق قد نهضت في السماء، ليقرأها الجميع، فلا يجب أن نيأس لأن هنالك جيل جديد ذكي أكثر مما تصورنا، يقرأ ويتابع، يبتلع كماً هائلاً من الوعي ، وهو قادر على أن يبدع وعيه وفكره ووسائل عمله. وإن هذا الجيل يتقن وسائل التواصل الرقمي الاجتماعي. له بدائله في صناعة خيارات متصلة ومتغيرة، وتعبئة غير قابلة للنفاد. قال صديقي أن ما نكتبه في صفحة السماء لا يذهب سُدى، فإن السودانيين والسودانيات يقرءون أكثر مما نحن نفعل ، ويكتبون كل شيء، فليسوا متلقين فحسب، فهم يحللون وينتقدون كل ما يُكتب.
إن الجهالة المتضخمة في أذهان سدنة الإخوان المسلمين وأصحابهم الانتهازيين، لكفاية لتجعلهم أصحاب الفشل المركب، الذي سوف يكنس كل ادعاءات الفروسية التي يتنطع بها الذين خبروا جبنهم الشخصي في الجامعات، إذ كانوا لا يعرفون فروسية التحدي، ولا بسالة التضحية. كانوا يجتمعون على الأفراد وهم مجموعات، كانوا جماعة يقاتلون فرداً شرس، وقد طعموا الهزيمة في كل مرة.


(3)
لقد جاءوا في الوقت الخطأ، واتّبعوا الوسيلة الخطأ. كل حصيلتهم الدينية لا تعدوا أن تكون شراذم مُقتطعة، لا تستقيم ولا تروي جوع من يشتهي صفحات العلم و الفكر الناصع والمنطق النقدي. فقد حصرهم التنظيم في غاية الصعود إلى سدة السلطة بأي وسيلة، وهم لا يدرون ما هي؟. كانوا يصرخون بأن الإسلام هو الحل، لا يعرفون الاقتصاد ولا العلوم الطبيعية ولا الاجتماع، ولا السياسة، ولا يقرءون التاريخ. علّمهم كبيرهم أن الأمن والسريّة وضرب الرصاص هو الوسيلة للانتقال من الضّعة إلى الاستئساد. وكل شيء يهون، لأن التنظيم ورجالاته ( أهل الحل والعقد )، هم القادة، الذين يأمرون، وعلى البقية أن تطيع. لأن الخيّرة في تنظيمهم هو اختيار قادتهم، لا الخيّرة فيما اختار الله.
هم جاءوا من أدنى الأرض لا يلوون على شيء، ديدنهم الهدم والتخريب، كالدود الذي ينتعش حين يلتهم الجثث. نهضوا بالبسطاء يضللونهم، ويضربون على وترٍ حساس في ذاكرة ضمير الشعب الطيب، بأنهم أهل تقوى ، وربانيين وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وشهدنا كيف يقبّلون أحذية الأمريكان، ليفكوا عنهم الحصار، بعد أن بدأوا بأناشيد: أمريكا روسيا قد دنا عذابها!. وها هو رئيسهم الإخواني كامل الدسم، يزور دمشق بطائرة روسية !.
ورغم كل ذلك يقول رئيسهم:
في سبيل الله قمنا..
نبتغي رفع اللواء..

أي دين تبتغي رفع لوائه؟!
أي لواء وجنود " البلاك ووترز" تحميك من الجماهير، وأنت ترتدي سُترة واقية من الرصاص ، وفيديوهات التزوير المُباشر للحشود المجمعة الكاذبة ،لا ينخدع بها أحد.


(4)
لقد سبق أبناء وبنات الثورة السودانية، كل الآفاق الممكنة، وسبقوا كل وسائل الإعلام، الخارجي العربي، وداخل السودان في مواجهة المتظاهرين العزّل بالضرب المبرح والقنابل الدخانية المحرّمة، والرصد بواسطة القناصة المدربين لقتل الناشطين، واستخدام وسيلة ( القطط الفارة ) التي يستخدمها رجال الأمن لتُشتيت المتظاهرين عبر الأزقة. لقد وجد المناضلون والمناضلات طريقاً لخرق البطء المقصود والمبرمج لأجهزة الإنترنيت في الدولة، وإغلاق الفيس بوك والوات ساب دونهم. وتمكن المبدعون والمبدعات من خرق المحظور و تصوير القناصة القتلة، وإرسال الصور المتحركة: صوت وصورة، التي توثق حراك الثورة، إلى وسائل الإعلام العالمية.
اهتزت صورة الدولة، وتضاربت التصريحات من سدنة النظام وانتهازيه. يقرّون بالمظالم، ويبتسرون الحراك الثوري على أنه محض ضائقة اقتصادية، ويرفضون فشل الإخوان المسلمين طوال 30 عاماً في توفير حياة حرة كريمة. ويجاهرون أنهم قدموا شهداء: الزبير وشمس الدين، والجميع يعلم أن التنظيم قد اغتالهم !.


(5)
لن ينس الشعب أبطاله الشهداء: المدنيين من رجال ونساء وأطفال، رجال القوات المسلحة، والمختفين قسراً ، والذين تم اغتيالهم بسرقة أموالهم أو اغتيالهم أيام حالة الطوائ، طوال ثلاثين عاماً حزينة من تاريخ حكم الإخوان المسلمين. لقد كتبنا من قبل أن الثورة، ليس لها موعد، وليس لها تاريخ. تأتي بلا ميعاد، زوبعة تكنس خيم الباطل وتقتلع أوتاد الغي. لا تأتي بمقدمات حتى يتم أخذ الحيطة. أبطالها شباب الثورة، الذين سبقوا كل الأحزاب. شهدنا قفز فئران النظام من فوق السفينة الغارقة. ولكن لكل أجل كتاب، عُمر النظام أطول قليلاً من الحكم الدكتاتوري الذي سبقه، ولن تقاس هيمنة الإخوان المسلمين بزمان في سلسلة التاريخ. مهما تجبّر النظام ومهما تكالب قادته، فسوف تُنتزع السلطة منه، وليس هنالك مكان لشعار ( عفى الله عما سلف). لن يصلح وصف الثورة بأنها حركة مندسين ومخربين، فلم يكن في تاريخ السودان مخرب ولا مندس سوى تنظيم الإخوان المسلمين، وسدنته الذين غرقوا في الفساد، يحاولون نقل كنوز النهب لجزر بعيدة، يخبؤون فيها مال السُحت، بتصورهم القاصر بأنهم سوف ينعموا به وفق تصورهم إن سقطوا وفرّوا.

عبدالله الشقليني

14 يناير 2019

 

آراء