alshiglini@gmail.com
كأن أصابتهم لوثة، على ما بهم منها. لم يكادوا يصدقون كتابنا أن الثورة ليست لها بداية محسوبة، وليست لها مواقيت. تضرب كالتسونامي، وقت تشاء. لم يعملوا طيلة العقود الثلاثة ليوم يتقلقلون فيه ويصبحوا فوق حديد ساخن، ويتعجلون المصائر ، ويتسابقون في التصريح. لم تسعفهم اللغة التي صيروها في السودان سيدة أولى، ولم تسعفهم الثقافة الدينية التي يتبجحون بها. فمنهم من يحث عن آية القصاص في غير فهم لها. إن الذين يطلبون القصاص فقط خرجوا للتظاهر، وسلمية كانت دعواهم، وفاجأتهم السلطة بالقتل والاعتقال والتعذيب، بل الاغتصاب!.
شيئاً فشيئا هدأت نفوسهم اللاهثة للقضاء على الثورة وهي في قمّتها، فقد ظنوا أن الناس كانوا في هدئهم ، في صفوف الغاز والجازولين والخبر ومحلات الصرف غير مبالين ، بل أن بعضهم يلعبون الورق. وعندها نام أهل السلطان وسمعنا شخيرهم. إلى أن سمعوا بأم آذانهم أصوات الشباب من النساء والرجال، وكل الأعمار، تصرخ ( تسقط بس).
(2)
قلنا كثيراً أن التسنامي قادم ، ليس له موعداً ليتخذوا الإجراءات الأمنية لازمة. لن تردع التسنامي عربات الجنود المدججين بالسلاح. ولا حتى جيوش الأمن المتفرقة التي تسكن بيوت الأحياء. ومارسوا لعبتهم القذرة، يركبون عربات بلا أرقام ، وبجنود ملثمين، حتى لا تصورهم الهواتف النقالة. لم يحاولوا تجميل الفساد وقصقصة ريشه الطويل وقد كان ذلك ممكناً، بل ظلوا في غيهم لم ينتبهوا لأنفسهم ، إلا وقد أحاطت بهم الثورة بأسورة من لهب.
وصرخوا : منْ هولاء ؟
يريدون أن يتعرفوا على الشخوص التي تقود ليتم اعتقالهم. فالشباب أذكى من التفكير الإخواني . لم ينفع النظام الجيش الجرار من أصحاب الانتماءات المستترة، وشبابهم الأمنيين المدججين بالسلاح .
(3)
في كتاب "ثروت الخرباوي" ( أئمة الشر) أورد أنه سال" ثروت الخرباوي" الأستاذ "رشيد رضا" الإخواني المصري: هل قابل الخميني؟. قال : تحدثنا مع الخميني عن ضرورة ان يكون للإخوان جمعية ، فوافق وقال إنه تأثر بحسن البنا تأثيرا كبيراُ، وأخبرنا عن زيارته لمصر عام 1938، ومقابلته لحسن البنا. وقال أنه أطلق على نفسه لقب المرشد تيمنا بلقب المرشد الذي كان لحسن البنا .
هذه هي القيادة الملهمة للتنظيم العالمي ، وتلك الخطوط المستترة التي تخفي علاقات النظام السوداني بإيران.
(4)
تعودت الجماعة الإخوان المسلمين على توابيت السرية منذ أن تقلد أمينها العام الترابي قمة التنظيم. كان التدريب الأمني السري هو المنهاج الذي تقوم عليه الجماعة. بدأ من أمين عام التنظيم إلى أصغر عضو في الجماعة. وكانت وسيلتهم أن الغاية تبرر الوسيلة، لذلك صعدوا لقمة سلطة مايو بعد 1977 عند المصالحة. وبدأوا يبنون تنظيمهم ومركزهم المالي، ولا يهم أن يسهم في التنمية الوطن، وصارت تجارة الفحم التي أضرت بالبيئة كثيراً هي سبيلهم للغنى، فالنهج هو كل ما هو متاح ليقوم التنظيم بماله ليحقق أهدافه في الخلافة والتمكين ونشر الفساد بكل ألوانه. تدربت قيادة الإخوان على المناصب السياسية. صعدوا لجهاز الأمن والقوات المسلحة، بواسطة المكر الثعلبي للتنظيم. وبصمت ثعباني حذر.
(5)
الكاتب " سيار جميل " أعد تقريراً عن أسرار الأبواب الخلفية لعلاقة السلطة في السودان بالاستخبارات الأمريكية، جاء في بعضه :
مقدمة : أهمية التقرير
نشر يوم امس تقرير خطير على صحيفة البالتيمور صن Baltimore Sun الصادرة في واشنطن دي سي وبالترافق مع رصيفتها صحيفة لوس انجلوس تايمز بعنوان ” السودان الشريك السري الأميركي ” ومع عناوين فرعية من ان ” الخرطوم غدت دائرة ضرورية لمعلومات وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ” ، خصوصا في ما يتعّلق بالمتمردين في العراق .. وقد كتب (المقال) كل من "غريك ميلر" و"جوش ماير" ، وقد نشر اصلا في 11 حزيران / يونيو 2007 . والمقال عبارة عن : تقرير وثائقي مهم لم ينشر اعتباطا ، بل اعتقد ان لنشره صلة بصناع القرار الامريكيين ، وقد تقصّدت الادارة الامريكية ان تنشره على العالم كله في مثل هذا الوقت . ونظرا لأهمية هذه ” المادة ” الدسمة من المعلومات السرية ، فأنني أود ان اعرضها عربيا على الناس من اجل تكوين جملة من الافكار عما يدور في منطقتنا من قبل الولايات المتحدة الامريكية ضد الارهاب بأشكاله المتنوعة، والادوار التي تقوم بها بلدان معينة من اجل استئصال عناصر الارهاب التي ترّبت على اراضيها وكانت حاضنة لها منذ أكثر من خمس وعشرين سنة ، فضلا عن بعض دول عربية اصبحت معبرا للإرهابيين نحو العراق .
*
السودان يعمل سّرا :
يقول التقرير : لقد غدا السودان يعمل سرا مع دوائر المخابرات الامريكية للتجسس على التمرد والمتمردين في العراق ، ويأتي مثالا لكيفية تواصل الولايات المتحدة الامريكية في التعاون مع النظام السوداني حتى في الوقت الذي يدان دوره بقتل عشرات الآلاف من المدنيين في اقليم دارفور. ان الرئيس جورج بوش ادان عمليات القتل في اقليم دارفور ، ووصفها بانها ابادة جماعية ، وقام بفرض عقوبات على حكومة السودان ، لكن بعض المراقبين والنقاد والمتابعين يقولون بأن الادارة الامريكية قد سحبت الفرامل فجأة وتوقفت ازاء فرض العقوبات الواسعة للحفاظ على التعاون مع الاستخبارات السودانية.
*
المصالح الدولية هي الاقوى من مسألة دارفور
ويبدو ان مسألة دارفور قد استخدمت لبناء تلك “العلاقة ” التي تؤكدها حقائق معقده لمرحلة اعقبت ما بعد 11 سبتمبر في العالم ، اي ان الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الاستخبارات والتعاون العسكري لعديد من البلدان ، بما في ذلك السودان واوزبكستان والتي تعتبر واحدة من الدول المنبوذة نظرا لعدم نظافة سجلاتها المتعلقة بحقوق الانسان. هذا ما ورد بالنص في التقرير المنشور قبل ساعات ! كي نعقل قليلا وندرك بأن لعبة المصالح الدولية اقوى من كل ما نسمعه ونشهده في الاعلام من مفبركات وبيانات وخطابات .. فالسياسة مصالح ومتغيرات من دون اي مواقف وثوابت .
(6)
قد لا نستغرب الآن أن نعلم أن الثورة السودانية، تعتبرها وكالة الاستخبارات الأمريكية طنين ذباب، لا يتعين الالتفات له، فلم تزل هي تدعم النظم الاستبدادية، لأن مصالحها تأتي أولاً. ومن هنا نعرف أن تدريب الكوادر الأمنية على يد الاستخبارات، لم تكن إلا لتتدفق سيل المعلومات تباعاً منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وإلى اليوم. لذا لا يوجد أثر لدعم دولة الديمقراطية لمستقبل السودان، لأن خوف التنظيم الحاكم، أكبر، و وفق سيل المعلومات المجانية التي تتدفق للأمريكان دون ثمن، سوى غض الطرف عن تجاوزات حقوق الإنسان التي تحدث في السودان. لذا لا يتعين أن نهتم بموقف الأمريكان.
عبدالله الشقليني
17 فبراير 2019