هذا عصير الشمس فوق جبهتي هذا كساء أمتي هذا أنا وقبل عامين كُنتهُ وبعد ألف عامٍ أكونه حتى إذا أبيته أصونه لا الحمضُ لا البنفسجُ المشعّ يمسحانه ولا تعاقب الذي مضى وذلك الذي يجئ وذلك الذي يدور حول نفسه بلا انتهاء
محمد المكي إبراهيم
(1)
تعدى عدد سكان ولاية الخرطوم ما بين متفائل يعتقد أن عدد السكان ثلث سكان السودان ، وبين متشائم يعتقد أن عدد السكان نصف سكان ما تبقى من السودان. إذ لا توجد إحصائية يعتمد عليها. أما الأجانب الذين يقطنون السودان ومتجاوزين لكافة أعراف النزوح ، وصاروا مخالفين قوانين البقاء بما يتجاوز ثلث سكان السودان، بل ومجنسين تم تجنيسهم تحت أعمدة فساد الدولة الذي شرعته عياناً بياناً. لكل نوع من أنواع التجاوز يحتاج لملفات لتقييم كم إهدار موارد السودان البشرية، دع عنك موارد الأرض والتربة والثروات. وكم هائل من الهجرات وطلبات اللجوء لدول العالم بما يصل لثلث عدد سكان السودان. وأكثر هؤلاء من أصحاب الكفاءات الذين أرغمهم نظام الإخوان المسلمين، الذي فتح أرض السودان لكل منضوٍ ضمن مشروع الخلافة الإسلامية، وهو الاسم الحركي لدولة ( الإخوان المسلمين ). وهي الدولة التي قامت بتطهير عرقي في غرب السودان، واستجلبت عناصر من خارج السودان، وملّكتهم " حواكير" دارفورواستعملتهم في ماكينة التعذيب. وهي عملية استبدال السكان السودانيين بسكان من دول غرب بلاد السودان ، كسراً لميول السكان لحزب الأمة ، لبتر الحزب من المنطقة. وهي دعوة لخلق واقع على الأرض يسمونه حركياً ( دولة الإسلام في السودان).
(2) انفتحت السلطة الحاكمة لتوزيع الأراضي في العاصمة، لأنها مصدر ربح، وباعت كل الباحات التي أقامها التخطيطيون السابقين كمتنفس رئوي للمناطق السكنية في الأحياء القديمة. بدأ الإخوان المسلمين بيع تلك الباحات لعضويتهم بأسعار الستينات. ولما اكتفت عضويتهم في التنظيم، فتحوا بيعها بسعر تجاري للعامة. وتحولت الأحياء إلى معسكرات سكانية كمدن أشبه بمدن العمال المؤقتة، وصار السكان يستخدمون الصالات في إقامة مناسباتهم الاجتماعية. ومسحوا مجرى السيول للأرض السكنية، وباعوها بسعر تجاري. وتملكوا أراضي الذين هاجروا نهائياً من السودان من السودان ، وتركوا الجمال بما حملت. كل ذلك لريع دولتهم المُشتهاة، والتي جعلوها مركز تجميع الإخوان المسلمين والإرهابين. وصار السودان بقعة تجمع لكل أشرار العالم الاستئصاليين. وتمدد شرهم إلى مصر وتونس والجزائر وليبيا والمغرب وكينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا وأريتريا وأفغانستان وباكستان وسوريا وتركيا وفرنسا. وأصبح السودان معسكراً كبيراً لتدريب الإرهابيين، ومن ثمة انطلاقهم إلى العالم الخارجي. وتعاون أزلام النظام مع الاستخبارات الأمريكية والإيرانية، وتعلمت قيادتها أساليب التدريب على السلاح والتدريب الأمني وأساليب التعذيب والقتل.
(3) توقف سيل المعرفة وضمرت مصادر ومنابع التقدم منذ أوائل التسعينات حتن أصدر وزير التعليم العالي منشوراً منع البعثات الخارجية لمساعدي التدريس بالجامعات، وقصر أمر التدريب على التدريب المحلي. وأصدر حاكم سلطة الإخوان المسلمين قراراً بتعريب الجامعات ، واعتبار منْ يحفظ القرآن الكريم يستحق منحه درجة البكالوريوس الجامعي!!. وتم التصديق بقيام جامعة القرآن الكريم ، التي خرجت دفعات تم استيعابهم في سلك القضاء بتأهيلهم في فقه الشريعة الإسلامية وأقوال واجتهادات السلف قبل مئات السنوات. ورغم الردة إلى الوراء، فهم بصدد إقامة ( المشروع الحضاري ) في السودان . وقبع ذلك القيد يجرّ معه الوطن ، من دولة زاخرة بالكفاءات إلى مليئة بالخزعبلات، وانهارت الدولة التي استولى عليها عديمي الكفاءة. فلم يعد أمام السلطة إلا قضية تمكين منزوعي الكفاءة، ونهض هؤلاء بالتخطيط !.
(4) اكتظت ولاية الخرطوم بالسكان، بعد أن أسهمت السلطة في إخراج سكك حديد السودان ومشروع الجزيرة من دورتهما الانتاجية إلى التوقف التام بعد الانهيار. فتدفقت العمالة العشوائية إلى العاصمة. وانهارت الخدمات: من كهرباء ومياه وصرف أمطار، وبالتالي الصرف الصحي. والصرف الصحي الذي بدأ مع بزوغ الثورة الصناعية الكبرى في أروبا ، ونتفاجأ بالتدمير الصحي، من وجود برك للصرف الصحي وصرف المصانع والنفايات الطبية ملتصقة بالمساكن. وتتعرف على الأمراض الوبائية الناتجة من ذلك، وضعف تنقية مياه الشرب وما تسببه من أمراض أضحت مستوطنة. وأقرب نسبة للصرف الصحي: مدينة الخرطوم وامتداداتها 10% مدينة الخرطوم بحري 1% مدينة أم درمان وضواحيها 0% أما عن تجاوزات التخطيط فهي كثيرة، منها إعادة تخطيط منطقة الجريف غرب، بتغيير مسار طرقات لإنقاذ قصرين عشوائيين لقيادات الإخوان المسلمين، وتحويل المناطق الزراعية في الولاية إلى مناطق سكنية، وجرف منطقة الحزام الأخضر، لصالح امتدادات سكنية تجارية. وهنالك كوارث تخطيطية يعف عنها اللسان لضعف المستوى المهني للقائمين على الأمر.
(5) ليس هنالك كارثة بالمعنى الصحيح أفضل من بقاء السكان يقطنون تلك البقعة مما تبقى من السودان. إن الإخوان المسلمين لا يحسون بالكارثة، لأنهم عطلوا الجهاز المفهومي لديهم، ولم يتبقى غير التدريب لأمن التنظيم والقدرة على استعمال السلاح والطاعة التامة لقوادهم. وقد كشفت تصريحات قادتهم خلل التكوين الثقافي وضعف اللغة وضعف المنطق. لأن القدرية تملكت أنفسهم، فصاروا يرون أنفسهم قد رضي عنهم خالقهم، ولم يتم إزاحتهم من السلطة لأن الرب نصيرهم. لمنْ أشكوهم ؟ لوطن لا يؤمنون به، أم لموطن سلخوا جلدتهم عنه ؟، وصاروا مدججين بالغربة والكراهية، ومتوسدين عتبات التوحد السياسي، ولو كانوا بين الناس. كالثعابين يغيرون جلودهم في كل مرة أو كل موسم. أو حين تمرّ بهم موجة كره من شعب السودان، يكذبون بأنهم مواطنون، يؤمنون بأنهم شركا للناس ويعبدون رب الناس. وهم الذين لا يحفظون جميلة أرضهم، حين سقاهم موطنهم من زلال حليبه، ويعضون حلمة الرضاعة ، في عقوق في قمة معانيه.