فارق الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي الحياة في قاعة محكمة السيسي السفاح يوم الإثنين الماضي ١٧ يونيو، غادر هذا العالم بعد ستة أعوام قضاها في تعذيب الحبس الانفرادي، منذ عزله بالانقلاب العسكري في ٣ يوليو ٢٠١٣. أوردت جريدة الأهرام، لسان حال الدولة المصرية، خبر وفاة الرئيس المنتخب باقتضاب شديد في صفحة الحوادث والإجرام، فهو في حساب الدولة متمرد عدو استحق الإعدام بتطفله الانتخابي على مقعدها الأول، وشرعيته لا يعتد بها بل ليست إلا وجها من تهافت الديمقراطية المصرية الموءودة ودليلا على عدم استعداد الجموع التي انتخبته لحقوقها، فقد وقع رأيهم في تقدير الدولة على الاختيار الخطأ.
لم يشف سقوط مرسي ميتا في قاعة المحكمة غليل الدولة المصرية فمدت يدها إلى الجثة. أوصى مرسي بدفنه في مقابر أسرته بمسقط رأسه في قرية العدوة بمحافظة الشرقية. لكن الدولة رأت غير ذلك وقامت السلطات بدفنه في مقابر "الوفاء والأمل" في مدينة نصر التي تضم كبار زعماء الإخوان المسلمين في طرف منها اشتهر باسم مقبرة "المرشدين" تحت حراسة القوى الأمنية. عند الدولة المصرية مرسي الميت أخ مسلم حي، ومكانه بين مرشدي الإخوان المسلمين، فجواره المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر والخامس مصطفى مشهور والسابع محمد مهدي عاكف، الذي قضى هو أيضا في سجن السيسي عام ٢٠١٧. ظل مرسي الجثة في حبس الدولة لم تفرط فيه لكن أجازت لأفراد أسرته إلقاء نظرة أخيرة على الجثمان والوقوف على غسله والصلاة عليه خلف حائط السجن.
لم أجد من أهم أعف في الخصومة مع مرسي من الاشتراكيين الثوريين، الفصيل اليساري المصري عالي الهمة، وقد سبقوا سواهم إلى تشخيص انقلاب السيسي في ٢٠١٣ بأنه عين الثورة المضادة وأن كان ستاره الدعائي مقارعة حكم الإخوان. نعى الاشتراكيون الثوريون مرسي باعتباره رئيس مصر المنتخب وليس خصم سياسي وكفى مع تأكيدهم على خلافهم مع جماعة الإخوان وفكرها. وصنفوا إعدامه الذي استمر لست سنوات ضمن الحملة الدموية التي يشنها السيسي منذ انقلابه على كل صوت مصري لا يسبح بحمده، إخوان وسواهم، منذ فض اعتصام رابعة في ١٤ أغسطس ٢٠١٣، يوم حصد سلاح الدولة أرواحا تزيد على ٦٠٠ من المعتصمين وأصاب الآلاف منهم.
قارن الاشتراكيون الثوريون بين محاكمات مرسي المميتة والدلال الذي أحاطت به الدولة مبارك وحبيب العادلي وآخرين من كارها، برأتهم جميعا بينما حمل مرسي ذنب الانتخاب كصليب حتى مات به، ودعوا إلى تشكيل جبهة عريضة لإنقاذ آلاف المعتقلين في السجون المصرية مهددين جميعا بمصير مرسي أكان ذلك بالحبس الانفرادي أو الإهمال الطبي، بلغ عددهم بحسب تقديرات حقوقية الستين ألفا. يواجه الإخوان في مصر بذلك تهديد التصفية، المصير الذي أعده النميري للشيوعيين السودانيين بعون مصري في أعقاب انقلاب ١٩٧١ وقبلهم المصير الذي حكم به سوكارنو على الحزب الشيوعي الاندونيسي بعون أميركي في ١٩٦٥-١٩٦٦. اتهم جنرالات الجيش الاندونيسي وعلى رأسهم سوكارنو الشيوعيين بعد أن انفض الحلف بين الإثنين بالإعداد لانقلاب عسكري وأجهزوا عليهم في حملة دموية منهجية حصيلتها أرواح ما لا يقل عن ٥٠٠ ألف لم ينهض منها الشيوعي الإندونيسي بعدها وقد كان في ١٩٦٥ حزبا جماهيريا عضويته تفوق الثلاثة ملايين.
في الخرطوم، أم زعيم المؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي ومن خلفه الطيب مصطفى ومحمد علي الجزولي الصلاة على مرسي في جامع السيدة سنهوري. قال السنوسي في كلمة بعد الصلاة أن مرسي مات شهيدا وجريمته أنه جاء للحكم بالديمقراطية. لم تنعقد في عقل السنوسي، دع عنك حديثه، المقارنة بين شهادة مرسي المنتخب وبين شهادة مواطني بلاده الذين سقطوا برصاص جهاز الدولة في الأشهر القليلة الماضية في طلب الحرية، ولم يجد في هذه ولا في تلك العبرة. ومن أولى بالعبرة من الإسلاميين الذين زينت حركتهم لنفسها الطريق إلى الحكم بلانقلاب العسكري واختارت قمع الخصوم والسياسة الحربية سننا حتى تبضعت شيعا ورفضها الناس بالكلية لسان حالهم شعار الثورة "أي كوز ندوسو دوس". أما الطيب مصطفي، فهو مثله وأبواق الدعاية المصرية، لم تمنعه حرمة الموت عن التبكيت على الخصوم السياسيين، بل نادى جهارا المجلس العسكري لفض اعتصام القيادة وسفك الدم لا ديمقراطية ولا ما تدعون.
يعيد موت مرسي في محكمة السيسي السؤال عن الديمقراطية وجدواها عند صفوة سياسية لا ترى منها سوى نتائج الانتخابات ولا تعطي كثير قيمة لوعدها الجذري في تمكين الناس من حكم أنفسهم، الوعد الذي كان مدخل الشيوعيين السودانيين إلى تزكية الديمقراطية البرلمانية على عثراتها كطريق لنصرة الكادحين في طلب الاشتراكية. خالف حزب عبد الخالق بهذا الموقف صراحة عقيدة الرفاق السوفييت في الديمقراطية الموجهة التي يديرها حزب طليعي وديكتاتور مرشد كما يتفق ودفع ثمن ذلك من عزيز الحياة كما الرفاق في غابات الملايو.
m.elgizouli@gmail.com
/////////////////