جمعت بين السيد الشريف يوسف الهندي والسيد عبدالرحمن المهدي صداقة قوية انتقلت للأبناء فربطت هذه الصداقة القوية بين الشريف حسين الهندي والإمام الهادي المهدي، وجمعتهما معا في شبابهما الباكر غرفة واحدة في كلية فكتوريا في الاسكندرية. التفاهم بين الإثنين كان من عوامل التفاهم بين حزب الأمة والحزب الوطني الإتحادي في فترة الديموقراطية الثانية على هشاشته وشكل نوعا من الإستقرار السياسي. لما تجاوز عمر السيد الصادق المهدي الحادية والثلاثين تجاوز طموحه عضوية البرلمان الذي دخله للتو إثر استقالة أحد نواب حزبه ليخلي له المقعد البرلماني المضمون ، فكانت محطته التالية هي مقعد رئاسة الوزراء 1966 بديلا للسيد محمد أحمد محجوب، ولكن كان ثمن ذلك المقعد بداية إنشطار حزب الأمة إلى جناحين فيما بعد، جناح عرف باسم جناح الإمام ، وجناح آخر باسم جناح الصادق.
العرف في الحكومات الائتلافية أن يختار كل حزب من أحزاب الائتلاف(وهما في هذه الحالة حزبان.. حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي) وزرائه لشغل المقاعد الوزارية المخصصة له. كان من بين الوزارات المخصصة للحزب الوطني الاتحادي وزارة المالية والتي كان يشغلها الشريف حسين الهندي. فاجأ الصادق المهدي الجميع بتعيين وزير جديد للمالية هو السيد حمزة ميرغني حمزة الذي أستدعي من عمله في منظمة دولية خارج السودان، ولم تكن بداية طيبة للحكوومة الجديدة على كل حال. لم تعمر هذه الحكومة طويلا بسبب قلة خبرة وصغر سن الصادق المهدي وعدم تفريقه بين الحكومة الائتلافية التي هو على رأسها وبين دائرة المهدي حيث لا يرد له أمر. سقطت هذه الحكومة في البرلمان وعاد محمد أحمد محجوب مرة أخرى رئيسا للوزراء. قد تكون هناك مصلحة وقتية للحزب الوطني الإتحادي في إضعاف حزب الأمة لكن لا يوجد دليل حتى اليوم على مشاركته،أي الوطني الإتحادي في شق حزب الأمة. عاد الشريف حسين الهندي من جديد وزيرا للمالية، وعاد الصفاء نوعا ما بين الحزبين.
كان الشريف حسين الهندي رئيسا للجبهة الوطنية المعارضة لنظام النميري والتي كانت تتخذ من لندن مقرا لها، ولكنه ببعد نظره تنازل بلا تردد للصادق المهدي عن الرئاسة حتى جاءت كارثة المصالحة بين المعارضة والنظام العسكري. كما تظهر تسجيلات الفيديو فقد اتفق المعارضون ووقعوا على شروط المصالحة التي سيبحثها الصادق المهدي مع نميري. التقى الصادق نميري في بارجة في البحر الأحمر أو في جدة في يوليو 1977 وتم الاتفاق بين نميري والصادق بعد أن تنصل الصادق من كل ما اتفق عليه مع زملائه في المعارضة وانحصرت مطالبات الصادق في استرجاع أملاك آل المهدي المصادرة. هناك أكثر من تسجيل فيديو للشهيد الشريف حسين الهندي عن هذه الواقعة لم يقم بالرد عليه إلي يوم الناس هذا أي شخص من طرف السيد الصادق المهدي. كانت المصالحة الوطنية من أكبر الكوارث التي جرها الصادق المهدي على السودان لا يساويها كارثية إلا محاولة إجهاضه اتفاقية الميرغني قرنق وما تبع ذلك من تدخل الجيش الصريح في السياسة. تمت المصالحة مع الصادق كما قال نميري" بدون التنازل عن مباديء مايو". يصف الإسلامويون هذه المصالحة 77-1985 بأنها "فترة التمكين" التي استطاعوا فيها الهيمنة على النظام المصرفي والإقتصادي عبر حصان طروادة الخبيث"بنك فيصل الإسلامي"، واستطاعوا كذلك إلحاق أعداد كبيرة من شبابهم بالكلية الحربية وكلية الشرطة واستغلال المركز الأفريقي الذي تحول فيما بعد لجامعة أفريقيا. بقي الشريف حسين الهندي كالسيف وحيدا يناهض نظام مايو حتى لقي ربه. يقال أن الشريف بذكائه الموروث أحس أن الصادق المهدي سيتملص من اتفاقه معهم ويتصالح بطريقته الخاصة مع نميري، فقام بنقل كل رصيد الحساب البنكي المشترك في لندن الخاص بالمعارضة، وكان السحب منه يتم بأحد توقيعين توقيع الصادق أو توقيع الشريف، ونقل الرصيد لحساب لندني آخر ب خاص بالمعارضة. عاد الصادق للندن ليحول الرصيد للسودان حسب وعده لنميري، فوجد الشريف قد سبقه في التصرف في الرصيد. في الحقيقة لا أستطيع أن أجزم بصدقية هذه الرواية.
استضاف تلفزيون السودان السيد الصادق المهدي بعد مصالحته مع وقال في معرض الحديث عن قوات المعارضة المسلحة التي شاركت في حركة يوليو 1976 وكيفية توفيق وتسوية أوضاعها بعد المصالحة، أن هذه القوات قوات "أنصارية" وليست "هندية" في تعريض عاطل من اللياقة والذكاء بالشريف حسين الهندي حتى لو كان المقصود منه "الطرافة" التي لم يستحسنها أحد يومذاك.. استدعى الرجل لحظتها كل مخزونه من كره آل الهندي بصفة عامة والشريف حسين بشكل خاص.
تناول السيد محمد احمد المحجوب في كتابه "الديمقراطية في الميزان" جذور خلافه مع الصادق المهدي فقال: برزت خلافاتي مع الصادق المهدي في الاشهر الأولى لعام 1966م. فذات مساء جاء بعض افراد عائلة المهدي الى منزلي طالبين مني الاستقالة من منصب رئيس الوزراء حتى يصبح الصادق المهدي الذي بلغ ثلاثين عاماً حينها رئيسا للوزراء.. وكان جوابي هو أن هذا الطلب غريب..! فالصادق لا يزال فتياً، والمستقبل أمامه.. وفي وسعه ان ينتظر، وليس من مصلحته او مصلحة الحزب والوطن ان يصبح رئيسا للوزراء الآن..!! بيد انهم اصروا فتصلبت وساندني الحزب، ثم طلبت مقابلة السيد الصادق من اجل اصلاح الضرر، واجتمعنا وابلغته انني مستعد للاستقالة ومنحه الفرصة ليصبح رئيساً للحكومة لو لم يكن السودان في خطر.. وذكرّته بأنه سيتعامل مع السياسي الحاذق رئيس مجلس السيادة الزعيم اسماعيل الازهري الذي يستطيع ان يلوي ذراع اي شخص.. وليت الصادق رد عليَّ قائلا: انني مخطئ .. بل قال: «انني اعرف ذلك ولكنني اتخذت موقفاً ولن اتزحزح عنه»..! وكان تعليقي هو «إنني مقتنع الآن اكثر من اي وقت مضى بأنك لا تصلح لرئاسة الوزارة."
يبدو أن فوبيا الهندي انتقلت من الأب للابناء. في كتابها " أوراق في سيرة و مسيرة الإمام الصادق المهدي" ،أقحمت المؤلفة السيدة رباح الصادق المهدي الشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي في مسيرة الفشل التي لاقاها الصادق المهدي في بداياته، حملت مسؤولية تعثر مسيرة والدها في بداياته للسادة عبدالله الفاضل، الإمام الهادي، محمد أحمد محجوب، وداؤد الخليفة من حزب الأمة، وهو شأن داخلي تنظيمي يعني أعضاء الحزب لكنها أضافت أيضا إسم الزعيم إسماعيل الأزهري، ولم تنس آل الهندي فقالت أن من أسباب عدم نجاح حكم والدها تغيب الشريف حسين والشريف زين العابدين الهندي عن اجتماعات مجلس الوزراء، الأول في حكومة السيد الصادق في الديموقراطية الثانية، والثاني في حكومته في فترة الديموقراطية الثالثة، وكأن الكتابة لا تحلو إلا بالتعرض لآل الهندي.
قد لا يكون الظرف ملائما الآن للسطور الصسابقة ولكن لا بد من نبش الماضي خوفا من تكرار الأفعال والخيارات القاتلة عبر أي منبر من المنابر المنتشرة هذه الأيام الصعبة. رحمة الله ورضوانه على الشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي، وأمنياتنا للسيد الصادق المهدي بالصحة والعافية وطول العمر.
abdullahi.algam@gmail.com