سلطة الضبط

 


 

 

 

أحبائي !! 

برمش العين
أفرش درب عودتكم ،
برمش العين .
وأحضن جرحكم ،
وألُمّ شوك الدّرب ،
بالجفنين .
وبالكفين ، سأبني جسر عودتكم ،

الشاعر توفيق زياد

(1)

ليس بعد السيولة في كل شيء، إلا الضبط في كل شيء. يتعين أن نفكر في ديمقراطية من نوع جديد. يتعين أن تأخذ من بنيتنا الثقافية والقبلية ، تجددها ، لا أن تحتكم لها . نحتاج لضبط الاقتصاد ، وضبط الحدود ، وضبط التسيب الذي صار هو الأعلى. وهاجرت إناث الخراف إلى خارج السودان ، وهاجرت أشجار" الهشاب" وصمغها لدول الجوار، كما هاجرت من قبل بذرة الكركدى، فصارت الصين من أكبر الدول المنتجة للكركدى.

هاجر الذهب إلى خارج السودان لمصلحة أفراد، وصارت للشركات التي تقوم بتعدين الذهب تأخذ 75% من قيمة ما تنتج، كأن الدولة فضاء، يرشون حزب الدولة، فيتيسر كل شيء!

لماذا يقوم الرعاة بالجري وراء النبات والمياه ، من شمال دارفور أثناء الخريف إلى تخوم بحر العرب في الجنوب . ولماذا يتم تجهيز مسارات للرعاة ، حتى لا تتغول على مشاريع الزراعة؟
لماذا لا تتجمع ( الماشية وصناعة الكلأ والطب الحيواني ) في مؤسسة واحدة، تستوعب التخصصات الزراعية والبيطرية في الكم العاطل عن العمل الذي تحول بقدرة عشوائية تنظيم الإخوان المسلمين إلى سائقي ( رقشات). لماذا لا تسهم مثل هذه المشاريع في استقرار الرُحّل ، مقدمة لتطوير حياتهم الحضرية ، وترك فروسية الاقتتال بسبب وبلا سبب . وقيام مشاريع عقد الصلح ودفع الديّات منذ زمن الاستعمار إلى حاضرنا الذي نعيشه. نحن في حاجة لديمقراطية منضبطة، وكفانا تسيباً.

(2)

28 يونيو 2011، تحدث (خالد صلاح ) رئيس تحرير( اليوم السابع )المصرية عن «مهاتير».. الديكتاتور العادل فقال:

{ مهاتير لم يكن حاكما ديمقراطيا بالمعنى الذى نحلم به نحن الآن، مهاتير كان أقرب للديكتاتور العادل الذى يتخذ قرارات وطنية وسريعة وعادلة، دون النظر إلى معارضيه داخل وخارج حكومته. مهاتير بنى الاقتصاد الماليزي بالحسم، وضبط الأمن، وتوفير بيئة استثمارية تشجع على النمو، وأرغم الماليزيين جميعا على أن يتحملوا بضع سنوات من التعب، حتى صارت بلادهم نمرا آسيويا لا يقاوم على الخريطة العالمية. هل نحن مستعدون لأن نخلق ديكتاتورا عادلا من بيننا على هذا النحو؟ وهل نحن مستعدون للحسم السياسي الذى يخدم الاقتصاد؟ أم أننا سنحلم فقط. فيما الرخاوة والسيولة تدمران كل شيء من حولنا.}

(3)

لدينا فئات عمرية من الشباب، أسهموا في الثورة . فرأينا طائرة مُسيرة طولها قدماً تطير إلى ارتفاع مائة متر لتصور أحداث الثورة، وهي من إبداعات شباب، رغم تخلف جامعاتنا ومناهجها العقيمة، التي يدرس فيها الطلاب بكافة تخصصاتهم العلمية ( الدراسات الإسلامية )، حتى سنة التخرج، علماً بأن صحابة رسول الله كان من يعلم القراءة والكتابة يعدوا على اصابع اليد!!.

لقد آن الأوان لثورة في مناهج التعليم، وفتح الفرص للتأهيل للصناعات الحرفية، بكافة أنواعها ، لتغطية الفقر المدقع الذي يعاني منه السودان في كافة المجالات.

(4)

لقد آن الأوان للتنمية في الأذهان والعقول، وفتح الأبواب للمعامل البحثية، ولينتهي إلى الأبد معاينات التمكين ( اقرأ لنا ما تيسر من القرآن الكريم ) ، وكأن الوظيفة لإمام مسجد !. لقد أصبح البحث في المجال الرقمي الإبداعي، هو صورة كأنها قادمة من وراء القرون. نحن كلنا مطالبين بالنهضة بأنفسنا ، وهجرة السلبي من تراثنا ، ونعض بالنواجذ على خير الإنسانية ومكتسباتها . والأهم هي النهضة الاقتصادية ، بعد إصابة القبلية والجهوية والمناطقية ومختلف أمراض التخلف في مقتل.

يقول الاقتصاد التقليدي تقليل الاستيراد وتحفيز الصادر. والتوازن بين تفعيل الضرائب والتشجيع على الإنتاج .يتعين على مؤسسات الدولة أن تحتكر التصدير، لتصلح الاستيراد والصادر. علينا الدخول إلى عالم الاقتصاد بشفافية وعدالة . لا ينبغي تشجيع دراسات دينية ، لا تخلق إلا فقهاء ينقلون اجتهادات السلف. ويتعين تشجيع الدراسة العلمية والتطبيقية، ويجب أن نبدأ في الوقت الحاضر الذي وصله العالم ، وأن نضيف عليه. لقد انتهى وقت التقليد، وأن نصبح عالة على الإنسانية، بل أن نقبل شراكة العالم الحر، وننظر إلى العالم على أننا نشارك في العيش مع إخواننا في الإنسانية.

(5)

لا توجد دولة متديّنة، لأن الدولة لا تصلي ولا تصوم. وجهد الإنسانية في إيجاد القوانين التي تناسبنا، دون تغول دين على آخر. لقد أنجزت الإنسانية عقوبات تناسب الجرائم، وتناسب تكوين الشركات والعقود والمعاملات الدبلوماسية والتجارية. لسنا في عزلة من المجتمع الإنساني، بل نتفاعل معه، ونقيم جسور من الصلات الطيبة، ونقيم علاقات متوازنة وفق قدراتنا، ونتكامل قدر ما تسمح شعوبنا ومصالحها. نؤمن بأن تقوم الأديان على الاحترام المتبادل، وتكون نشاط الأديان بصورة تطوعية، وتخضع لقوانين البناء والخدمات ومنح الأراضي وفق القوانين الطبيعية. نُشجع العمل الخاص وتنميته، بحيث لا يتعدى على حقوق الأفراد.

عبدالله الشقليني
5 أغسطس 2019


alshiglini@gmail.com

///////////////////

 

 

آراء