فرحة نابعة من كل قلبٍ .. وانتصرنا يا بلادي
بسم الله الرحمن الرحيم
غرس الوطن
umsalsadig@gmail.com
بعد مخاض عسير ومؤلم وسهر وحمى وعرق ودم ودموع ..ولد في يوم الأحد الموافق الرابع من أغسطس تمام الاتفاق بين تجمع الحرية والتغيير والمجلس العسكري بإمضاء الوثيقة الدستورية بالأحرف الأولى ليستكمل الاحتفال في يوم 17 اغسطس القادم بإذن الله وسط حضور دولي واقليمي وجماهيري كبير .
فالتهنئة الخالصة نزجها لأسر شهدائنا الأبرار وللشهداء في عليائهم وللشباب والشابات حراس الثورة وحارساتها و(حراستها) ولقوى الحرية والتغيير وللمفاوضين باسمنا ولكل أهل السودان بمكوناته المتعددة داخل وخارج السودان.
ونخص بالشكر حكيم الأمة- صادقنا، على سهره لتحويل الحلم إلى واقع بتفويت الصغائر، كما نشكر جزيلا الوسطاء: الاتحاد الأفريقي ودولة أثيوبيا، لتفهمهم لمنعرجات أوضاع السودان و(لتورطهم العاطفي في حب ضحايا الانقاذ من شعب السودان). فهذا اتفاق نجح لا شك، بالمحبة وبالتفهم..كما نشكر طرفي التفاوض المباشرين من قوى الحرية والتغيير والمجلس على الخروج بمعادلة (لا غالب ولا مغلوب).وندعو بأن يستكمل الاتفاق ليشمل من لم يحضر من حركات مسلحة وقوى شاركت في الثورة لكنها ليست جزءً من الحرية والتغيير لنعبر بالسودان الى بر الأمان.
هذا الاتفاق، بإذن الله فاتحة خير لعهد جديد في تاريخ الدولة السودانية الحديثة منذ استقلالها.
عهد يقوم إثر ثورة اجتماعية شاملة ليعيد تأسيس دولة مختلة الموازيين أسسها مستعمر تلو مستعمر فبعد التركية السابقة أتى الاستعمار الثنائي دون أن تتاح لأبنائها فرصة كتابة ملامح اراداتهم بأقلامهم . وحتى يوم الناس هذا السودان دولة بلا دستور دائم، برغم أن استقلالها كان منذ 1956..وهو دولة ذات تاريخ مشرف وقديم لكن للأسف لا يوجد اتفاق حوله ليكون منصة انطلاق راسخة للمستقبل .
هذه الثورة لها آباء وأمهات كثر وهي حصاد لبذرة مباركة غرسها السودانيون منذ اليوم الأول لعهد رفضوه وعلموا عواقب استمراره على بلدهم فقدموا الشهداء منذ تسعينات عهده الأول وقدموا التضحيات سجونا واعتقالات في بيوت الأشباح ومقاومة في شتى البقاع وبكل الوسائل لدرجة حمل السلاح وألوان من الجهاد المدني مما نخر في جسد حكم الباطل طيلة الثلاثين عاما المنصرمة حتى أوهنه الرهق، فتفرق أهله وتنازعوا وحانت ساعتهم- في ذروة لم يتخيل لحظتها أحد.و حين انفجرت بركانا، تصور سدنة النظام البائد من شدة غرورهم وأمنهم لمكر الله ولبأس الشعب : أن تلك مسرحية جيدة الإخراج ومخطط ذكي من بعضهم لينجيهم من غضبة الشعب!
تجارب الانتقال من دكتاتورية لديمقراطية ليست جديدة علينا في السودان فقد سبق لنا اسقاط دكتاتوريتين بنجاح وبسلمية أيضا ..لكن الجديد هذه المرة أن ذلك أتى إثر ثورة اجتماعية شاملة قادها الشباب وقادتها المرأة وتشربها حتى الأطفال وعمت قرى السودان وحضره .
هذه الثورة العظيمة العبقرية الشاملة فرصة كبرى لنقل السودان من قوائم الفشل الى تسنم قوائم النجاح ومن بؤس التردي الى ريادة الآفاق و تحقيق المعجزات الاقتصادية وتحقيق الطفرات التنموية.
كل ذلك صار ممكنا الآن: فبين أيدينا دولة شابة وموارد غنية وشباب ثائر واعي، متحمس وشجاع ، وإرادة قوية للنجاح وتجاوز العقبات ومكنونات من الابداع وكنوز من التفكير خارج الصندوق وبين أيدينا تجارب ماضية من النجاح لاستصحابها، ومن الفشل لتجنبها واستقبال مرحب من المجتمع الدولي وبشريات مطمئنة من الاتحاد الأفريقي وحرص علينا حادب و محب من مارد الهضبة في حدودنا الشرقية ..
بالطبع هذه الصورة الوردية ليست بدون تحديات و لا خلوا من المهددات. و بمقدار ما توفر من وعدٍ وفرص تشترط لنجاحها مطلوبات..
من أهم التحديات التي تواجهنا:
- داخليا من أسماهم الحبيب الامام الصادق المهدي بالثلاثي المقيت. أبغضهم الى الوطن وأخطرهم عليه وعلى الاتفاق الذي تحقق هم أنصار النظام المباد .. الفصيل الذي يملك امكانات التخريب الأكبر من مال وسلاح ...إذا تمكنا بعون الله من إحباط مسعاهم الشرير نكون قد عبرنا العقبة الأكبر. ونكون قد مهدنا الطريق للتقليل من شأن بقية الروافض..
- مسألة ادارة التنوع وهو امتحان فشلت فيه الدولة السودانية بامتيازعلى مدى تاريخها الحديث فكان سببا أساسيا في تعطيل تقدمها.
- ارث الانقاذ الثقيل: دولة فاشلة وعاجزة وفاسدة ومنهارة اقتصاديا وممزقة بسبب الحروب ومهترئة النسيج الاجتماعي.
-من التحديات كذلك طمع العسكر البين في السلطة وقد اتضح ذلك فعلا: فيما مارسه المجلس العسكري من مراوغة ومماطلة وقمع عنيف للمقاومة السلمية وكذلك قولا:(تصريح رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان في حواره التلفزيوني مع رؤساء تحرير عدد من الصحف السودانية والذي أداره أ. ضياء الدين بلال وقوله بضرورة عدم خضوع العسكر للسلطة المدنية).وهو تصريح سمعته عند إذاعة الحوار لكن عند مراجعتي للحوار مكتوبا لم أجد هذا الجزء مثبتا، فاستوثقت من أ.سمية سيد المحللة الاقتصادية البارعة التي كانت مشاركة في الحوار المذكور وأكدت لي تصريح رئيس المجلس العسكري. هذه النوايا في حال عدم التراجع عنها تشكل مهددا أساسيا على الثورة وعلى تحقيق أهدافها وعلى الدولة المدنية، وقد قامت الدولة الحديثة غربا وأيضا في الدول الشيوعية شرقا على خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية. وفي هذا ضمان لأن تركز القوات المسلحة التي تقوم على الضبط والربط والتراتيبية على أداء الدور المنوط بها في حماية الوطن. وهو ما يفرض عليها الابتعاد كليا عن ممارسة السياسة والحكم حفاظا على الانضباط العسكري وعلى تماسكها.
ومثلما كانت ممارسة العسكر للسياسة خصما على المؤسسة العسكرية فهي أيضا خصما على السياسة والحكم، إذ يجد العسكر أنفسهم في مجال ليس مجالهم بل يتعارض تماما مع ما تقوم عليه تنشئتهم العسكرية فتكون النتيجة الحتمية ضياع العسكرية وضياع السياسة .
-هناك التحديات الخارجية أيضا وهي جمة و ذات معاول هدم داخلية تحاول استخدام السودان لتنفيذ
أجندة تخصها ، ليس للسودان مصلحة فيها .
مواجهة كل هذه التحديات و مطلوبات الانتصار في جميع هذه المعارك الداخلية والخارجية منها، يحتاج لارادة قوية ولأهداف واضحة محددة ومدروسة ولكوادر مؤهلة ويحتاج لموقف موحد منها ولأسس سليمة في إدارة الاختلاف بين الواقفين من خلفها وطبعا يحتاج، على رأس قائمة المطلوبات : لدولة مدنية ولتوفيق من الله ..
وسلمتم