كلما أشاهد مقاطع الفيديو التي يظهر فيها رجل "ستيني" يضرب بكل قوة وعنف وحقد وغضب أو فتاة يتحرش بها علناً في الشارع العام، ويتعامل معها أشخاص "ملثمون" بوحشية وهمجية وقسوة، وغيرها من مقاطع القتل والسحل والتعذيب، التي تم توثيقها خلال الانتفاضة الشعبية العظيمة ضد "نظام البشير"، أفكر مرات عديدة في تصنيف هؤلاء الأشخاص، كيف تم تدريبهم، ومتى، ولماذا، وكيف؟، وأسال نفسي ولا أجد إجابة، لماذا هم بيننا حتى اليوم بزيهم العسكري الذي يذكرنا بتلك اللحظات القاسية، والتي لا استبعد تكرارها طالما يحملون ذات الأفكار القديمة. ثم استدرك.. كيف لا يكونون بيننا وهم أبناء هذا البلد، هرب من هرب من قياداتهم ومنهم من ينتظر المحاكمات، ومنهم من بدأت محاكته، وهناك ثلة قليلة تحاول العودة إلى الساحة عبر أكاذيب جديدة، ودعوات دينية أريد بها باطل، وتظل تلك "الوحوش" البشرية التي قتلت وعذبت واغتصبت وأغرقت الثوار، تنتظر قيادة جديدة لتأمرها بممارسة وحشيتها مرة أخرى على الشعب، والحقيقة المؤلمة أنهم بيننا بكل عتادهم. لماذا لا نبدأ بحملات منظمة تطالب الحكومة الانتقالية بفتح معسكرات إعادة تأهيل لهذه "الوحوش"، تعيد لهم آدميتهم، من خلال جلسات علاج نفسي مكثفة، وندوات متخصصة تنظف أدمغتهم من كل "الأوساخ" التي كان سببها النظام البائد.. نعم.. لماذا لا نسترد إنسانيتهم، ونتعامل معهم كمرضى حقيقيين، كل ما فعلوه من أفعال فاضحة، وكل العنف الذي شاهدناه كان تحت تأثير المخدر الذي حقنوا به، مخدر الخيانة والغدر والحقد. حائرون الآن في منتصف الطريق، لا يعرفون ما هو دورهم الحقيقي في المجتمع، فهم لم يتدربوا على خدمة الشعب، ولا يرون أن واجبهم هو مساعدة المواطنين، كل ما يعرفونه هو: "أضرب، أقتل، أكسح، أغتصب، عذب، أفرم"، وواجبنا اليوم هو تعريفهم بواجباتهم، واستبدال كل ما هو بائد بكلمات جديدة مثل: "ساعد، أنجد، أحمي، أنقذ، أحرس، حذر، أرشد"، ولا أرى خيار آخر غير هذا الطريق، لأنهم الآن هدف أساسي للثورة المضادة، وقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه هذا الشعب مرة أخرى، ويجب أن لا نستهين بهذا الأمر، فهؤلاء "الوحوش" لا يعرفون معنى الإنسانية حتى اللحظة، وهم خارج إطار الوعي، والثورة لا تنتقم، بل تصلح وتغير، وتستبدل العقول القديمة، وتنشر الوعي، نحتاج فعلا إلى معسكرات إعادة تأهيل لهذه القوات التي "فضت الاعتصام"، و"أغرقت الثوار"، و"اغتصبت الفتيات"، و"قتلت"، و"قنصت"، و"عذبت"، وهذا بالقطع لا يعني حماية الرؤوس الكبيرة التي كانت تصرف الأوامر، وتعد الخطط الخبيثة ضد الثوار، وليعلموا أن القصاص للشهداء سيقدم الثوار من أجله دماء جديدة. دمتم بود الجريدة