سيداو:(مشروعية حقوق النساء)….فلماذا لا ننضم؟! (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
umsalsadig@gmail.com
كنا قد استعرضنا الأسبوع الماضي بايجاز بنود اتفاقية سيداو وعرضنا المواد المتحفظ عليها من قبل الدول العربية والاسلامية وهي ست مواد ذكرناها نصا لنناقشها اليوم ونناقش مدى موافقتها أو مخالفتها لديننا الحنيف بصورة عامة طبعا فالموضوع أكبر من أن يناقش في مثل هذه المساحة كما أنه يحتاج لتأهيل في مجاله تقوم به جماعة مفوضة..
قبل الدخول في صلب الموضوع علينا أن نفهم أن المصادقة على سيداو ترشحها عدة زوايا نظر بل تفرضها و كنا قد ذكرنا بعضها متفرقة :
-سيداو اتفاقية فيها اقرار بمشروعية حقوق المرأة وتلك زاوية هامة إذ يلزمنا الاعتراف بدور النساء المتعاظم في سودان اليوم -خاصة بعد تعرضهن لاضطهاد مريع من قبل النظام المباد كما يلزمنا ذلك لأجل الاعتراف بدورهن الرائد في ثورة ديسمبر .
-نحن جزء من منظومة دولية وجودها ضروري لحفظ النظام في العالم من أجل الحقوق ولفض النزاعات بين الدول ولهذه المنظومة آليات تعمل من خلالها و منها المعاهدات الدولية مثل معاهدة المحكمة الدولية الجنائية ومعاهدة سيداو وغيرها، و الانضمام لها يعني وجوب المصادقة على تلك المعاهدات.
-أوضاعنا الاقتصادية الهشة تستلزم مصادقتنا على تلك المعاهدات بما أن ذلك هو شرط المنظومة العالمية لكي ننال مستحقاتنا من مساعدات في الجانب الاقتصادي ..
-كما أن تحقيق المصالح المذكورة بعاليه لا يتعارض مع الشرع: فأينما وجدت مصلحة فثمة شرع الله.
فما الذي يمنع مصادقتنا على اتفاقية سيداو والمحكمة الجنائية الدولية إذن، بعد زوال النظام الذي كان يرفع شعارات الاسلام بلا اسلام ويتخوف من الانضمام للمعاهدات الدولية بسبب جرائمه وبسبب دعمه للارهاب.
بالطبع لا أحد يقول أن علينا المصادقة على تلك المعاهدات دون دراسة كافية تستصحب اجتهادا مستنيرا نحتاجه ليس للمصادقة على سيداو فقط بل لكل قضايا العصر ..برؤى تخصنا. فالعالم يعترف بالخصوصية الثقافية ونظامه يسمح بالتحفظ على ما نراه لا يناسبنا لكن ذلك يستلزم مصادقتنا وانضمامنا للمنظومة الدولية والمصادقة على معاهداتها أولا، لنكون فاعلين في اضفاء وفرض التغيير الذي نراه .
لعله من المناسب ونحن نتنسم عبق مولد الرسول الكريم هذه الأيام أن نلج ببعض حديثه عن النساء (فانما النساء شقائق الرجال) رواه الترمزي استدلالا على استحقاق المطالبة بالمساواة الكاملة بما يتوافق مع ما ورد في سيداو .. وكيف أنه كان يساعد أهل بيته مثلما روت الحميراء بما يظهر بوضوح استحقاق عدم تنميط مثل هذه الأدوار المنزلية وهو ما تقوله سيداو..
سئلت عائشة - رضي الله عنها- : "ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - أي: في خدمتهم - ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
وفي رواية عند أحمد: كان بشرًا من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. وفي رواية أخرى: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم.
كما أنه عليه أفضل الصلاة والسلام كان مقرا لعمل النساء ورئاستهن فقد عمل لدى السيدة خديجة بنت خويلد في تجارة أموالها وهي صاحبة المال.و كانت أول من لجأ اليه عندما أتاه الوحي وكان خائفا ينشد عندها الطمأنينة.
ثم أننا نرى بوضوح مساواة النساء بالرجال في القيمة الانسانية في قوله تعالى : (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات 13
وفي قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض).. ال عمران 195 وآيات غيرها كثيرة تشهد بذلك.
اذن هذا هو النهج العام الذي يجب أن يكون عليه فهمنا لديننا الحنيف الذي يكرم الانسان لمجرد انسانيته ..
على تلك الخلفية اذا أعدنا النظر للمواد المتحفظ عليها ممكن نجملها في الآتي:
المادة2(اتخاذ كافة التدابيير لابطال القوانيين التي تميز ضد المرأة)
المادة 7(الحقوق السياسية للنساء كاملة وفي العمل الحكومي وغير الحكومي)
المادة 9 (حقوق الجنسية لا تتغيير تلقائيا بالزواج وحقوق مساوية للرجل بالنسبة لجنسية الأطفال)
المادة 15:(الأهلية القانونية وحرية الحركة والسكن والاقامة).
المادة 16:(نفس الحقوق في عقد الزواج واختبار الزوج وبكامل الرضا ونفس الحقوق والمسئوليات اثناء الزواج وفسخه حرية تقرير عدد الأطفال والولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتنبنيهم اختيار اسم الأسرة والملكية وحرية التصرف في الحيازة وسن أدنى للزواج وتسجيل الزواج في سجل مدني).
المادة 29 (تتعلق بالتحكيم بين الدول)
كما يمكننا تفصيلها في ثلاثة أقسام:
بنود يمنعها الرأي التقليدي للفقهاء وليس صحيح الدين
الحقوق السياسية للنساء كاملة وفي العمل الحكومي وغير الحكومي، حقوق الجنسية لا تتغير تلقائيا بالزواج وحقوق مساوية للرجل بالنسبة لمنح الجنسية للأطفال بحسب جنسية أمهم(مثل الحصول على جواز سفر وهو من الأمور السيادية، الأهلية القانونية(مثلا مسألة الشهادة خاصة بمجالات لم تتعود النساء العمل فيها وهي التداين أي أنها ليست الشهادة مطلقا كما أن الامام أحمد يقول بجواز شهادة المرأة منفردة ان كانت أهلا لذلك ) وحرية الحركة والسكن والاقامة، الحقوق في عقد الزواج واختيار الزوج بكامل الرضا، ونفس الحقوق والمسئوليات أثناء الزواج وفسخه، حرية تقرير عدد الأطفال والولاية والقوامة( مربوطة بالانفاق والقيام بحقوق النساء عند الزواج) والوصايا على الأطفال (لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، سن أدنى للزواج(وهذه ممكن يقررها أطباء أفضل من مشرع لعلمهم بطبيعة الجسم الانساني ومتى يكتمل نضجه لكي يحتمل تبعات الحمل والولادة)تسجيل الزواج في سجل مدني (شأن اداري).
بنود لا خلاف عليها:
اسم الأسرة ( النساء عندنا يحملن اسماء ابائهن فلا يثور مثل هذا الجدل أساسا )، الملكية وحرية التصرف في الحيازة.
بنود يمنعها الدين على الرجال والنساء وبما أن غرض سيداو هو مساواة الجنسين فهي اذن لا تثير مشكلة في المصادقة :التبني
عند استعراض نصوص سيداو لا يظهر فيها ما يخالف نصا قرآنيا أو سننا مؤكدة ولكنه متعارض مع تفسيرات كثير من جمهور الفقهاء للدين وهذا الرأي الاسلامي التقليدي في المرأة لا يؤثمنا الانصراف عنه ولا يلزمنا بشيء، وقد ذكرنا ما وجدناه في الكتاب وصحيح السنة مما يسنده رأي اسلامي آخر عدده الحبيب الامام الصادق المهدي في كتابه الموسوم(الحقوق الاسلامية والانسانية للمرأة) ونورد منه: ما أجازه الامام الطبري والامام ابو ثور بامامة المرأة للنساء والرجال في الصلاة ، وساوى ابو حنيفة بينها وبين الرجل في الدية، وجوز الامام الطبري القضاء للمرأة وأن تكون حاكما على الاطلاق في كل شيء، كما أجاز بن حزم ذلك وأبو حنيفة أجاز لها أن تكون مستأمرة في زواجها ..الخ
لعل مناسبة مناقشة سيداو تدق الجرس عاليا بخصوص ضرورة الاجتهاد لتقديم فهم اسلامي ينطلق من الأصل ولا يعطي ظهره للعصر.
في الاسبوع القادم-بإذن الله نقدم نموذجا لمثل هذا الاجتهاد.
وسلمتم