(العالم ليس عقلا) لـ عبدالله القَصيمي

 


 

 


 

 

عبدالله القَصيمي ( 1907-1996)

قد يشك القارئ أن عبدالله القَصيمي سعوديا من مدينة نجدية أو من حائل، إذ قد تدرج في قراءة علوم الدين الإسلامي المتوفرة في المملكة وإمارة الشارقة والعراق وسوريا والقاهرة. والتحق بجامعة الأزهر عام 1927، وانتقد علماء التدريس فيها مقارنة بالمذهب الوهابي الذي كان مرجعه في أول أيامه، وتلك نشأة طبيعية وفق البيئة والمصير. ودخل في سجال فكري متنوع ومتعدد، حتى قال عنه البعض أنه ابن تيمية عصره.

ولكن فكره قد تغيّر، ونبتت شجرته شوكة في ظهر البيئة الإسلامية التقليدية، حتى واصل نشره كيف سيطرة النظرة العقلانية عليه، حتى وصل مرحلة وصفه فيها معارضوه بالملحد، ومن أهم الكتب التي ألفها بعد انقلابه على الفكر السلفي، ودخوله مرحلة الشك، وكان تفكيره في الفهم الديني لمعتقديه(هذه هي الأغلال) عام 1946 وهو مؤمن عقلاني انتقد تهميش المرأة، وكان يدعو للاختلاط، ودعا لنشر العلم وقبول الآخر المختلف، وحذر من التشدّد الديني، الذي سوف يقود للإرهاب، في نظرة استباقية لما سيكون مستقبلا، وقد هاجم مؤسس حركة الإخوان المسلمين حسن البنا القَصيمي، وقد أشاد بالكتاب عباس العقاد، وفي المرحلة تُعد من المراحل التي تخطى فيها المرحلة الدينية، وهذا الكتاب ( العالم ليس عقلا) 1963، وفي فصول هذا الكتاب، هاجم الانقلابات العربية، الناصرية والبعثية، كما هاجم الملكية، وانتقد الذهنية العربية من وحي التراث، وقال عنه ميخائيل نعيمة بأنه تجاوز فكري لما قبله وما بعده، و كذلك انطلق من مقالاته في الصحف في الفترة من إبعاده عن بيروت وحرب 1967، إلى كتاب (يكذبون كي يروا الله جميلاً) و(العرب ظاهرة صوتية) و( الكون يحاكم الإله).

في هذه المرحلة، وكنتيجة لكتاباته، تعرض القَصيمي لمحاولتي اغتيال في مصر ولبنان. وسُجن في مصر بضغط من الحكومة اليمنية، بسبب تأثر طلاب البعثة اليمنية في مصر بفكر القَصيمي، لكثرة لقاءاته بهم.
*
للقَصيمي لغة قوية في الكتابة، وأسلوب ثري وغني. وقد امتاز بكتابة المقالات التي تمتاز بالجدل الفلسفي. تأثر بفلاسفة الوجودية وتأثر بكتابات الفيلسوف نتشة وديكارت، وكان يرى الدين مرآة للنفس الإنسانية، والدين تابع للإنسان و تنفيسا للحزن البشري. اعتقد القَصيمي أن الأنبياء في نظره قد امتلكوا رهافة الحس وأكثر من أحسوا بعبثية الوجود، بإلهامهم هو صنيع إبداعاتهم. يعيشون في عالم وهمي، هو سر وجود الأنبياء داخل المجتمعات المتأزمة والملفوفة بالحزن. فرضية وجود الإله سيكون خارج الدين، تعبير نفسي أسقطه الإنسان على نفسه، وعلى الرغم من الإنسان قد فشل وقام بتحميل كل معاناته على الإله. ويقول إن الإنسان يتملص من المسؤولية فيلقي على الإله بكل معاناته, لأن الإنسان مُتهما ومُنزه عن كل الذنوب، فلا شك أن ذلك رائعا. قال هو الكون لم يكن إلا عبثيا.
*
سيجد القارئ في هذا الكتاب أمثال كلمات: إله, آلهة، دين، أديان، نبي، أنبياء. وقد يشعر أحيانا أنها كلمات لا تحمل الاحترام الواجب لهذه الأسماء، أو أن فيها شيئا من التهوين والمساس.
*
قال هو في مقدمة كتابه:

{ لدى فريق من القراء التباسا. أني لا يمكن أن أعني بالإله أو الآلهة إله الكون وخالقه وواهبنا الحياة والعقل والخيرات الجمة. وإنما أعني بذلك الطغاة أو الأصنام أو الأوهام أو النظم الاجتماعية المتأخرة الظالمة المنسوبة إلى الإله. وكذلك أعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير أديان الله وأنبيائه. هذا تصحيح أسجله على نفسي كاحتياط مبالغ فيه جدا. إني أنقد لأني أبكي وأتعذب، لا لأني أكره وأعادي. أنقد الإنسان لأني أريده أفضل، وأنقد الكون لأنه لا يحترم منطق الإنسان، وأنقد الحياة لأني أعيشها بمعاناة- بتفاهة، بلا شروط، بلا اقتناع، بلا نظرية.}

مختصرات من كتابه:

{ ليست الخرافة مجرد عجز عقلي أو خطأ في تفسير الأشياء. فمن الخطأ في عملية حسابية أو في رؤية الأشياء، لم يعد مؤمنا بالخرافة ، ولكن الذي يؤمن بأن قوس قزح إشارة تفاهم تعظ فيها السماء بها الأرض يعد من المؤمنين بالخرافات. فالخرافة عمل من أعمال الإرادة لا من أعمال العقل، وهي حالة نفسية لا فكرية. وفي الإنسان شوق إلى أن يكون خرافيا، والحقيقة
وحدها الكئيبة }

{ إن تصور الأخلاقية في الإنسان تصورها في الطبيعة، وإذا كانت الأخلاقية في الطبيعة هدما فإنها في الإنسان كذلك هدم له. وماذا لو كانت الطبيعة - لو كانت الأنهار والبحار والشموس والأقمار والسحب والرياح والأحجار والحيوانات والحياة بكل أنواعها، والحديد والخشب والمواد الخام التي نصنع منها أسلحتنا وأشياءنا الأخرى- ماذا لو كانت كل وحدات الطبيعة هذه خاضعة للأخلاقية، للعدل وللعدل وللحب وللمساواة، للرحمة والإخلاص! هل يمكن حينئذ أن توجد أو تبقى أو تتحرك؟ إم هذا الحجر الذي يقف فوق الحجر الآخر، وإن هذه الحيوانات والحشرات التي تعيش على الإنسان وعلى الكائنات الأخرى، وأن هذه الأنهار والرياح والسحب التي تتحرك فتقتل وتغرق وتفسد -إن هذه الكائنات ليست أخلاقية لا في سلوكها ولا منطقها، ولو خضعت للأخلاق لمنعتها أخلاقها من الحركة خوفا، من أن تكون قاتلة أو ظالمة وغير مخلصة في سلوكها أو في قصدها، ولكان من المحتوم حينئذ أن يقتلها شعورها بالذنب!.}
*
{ الناس يتمنون قد غائبا هو أسوأ، فرارا من حاضر هو أقل سوءا لأنهم في العادة، لا يعدلون في المقارنة بين الألم الموجود والألم الذي سوف يوجد، بل هم لا يقبلون مثل هذه المقارنة، إذ أن إحساسهم مركز على الحالة الموجودة دون الحالة المنتظرة، ولهذا فإن أكثر العقائد والمذاهب بقاء على الزمن واستغواء للنفوس، هي أسخفها وأكثرها استحالة، لأنها لا تتحول إلى واقع يجردها من سحرها، ويحولها إلى مشكلة تصنع الألم للمؤمنين بها المتعاملين عليها}
*
{ النظريات الأخلاقية هي نوع من الشعر الذي يقال لمجرد القول. الإنسان حتما محتاج إلى أن يتجاوز نفسه ووضعه، لأنه لا يستطيع أن يعيش محبوسا داخل حدود ذاته وواقعه وإلا اختنق، فهو دائما أكبر من ذاته وواقعه، وهو يتجاوز حدوده الذاتية والواقعية بالشعر والنظريات والعقائد. وهو ليس كاذبا ولا ضالا حينما يقول ما لا يستطيع أن يلتزم، كما أنه ليس كاذبا ولا ضالا حينما يقول الشعر والأغاني، ويسمعها ويطرب لها دون أن يحياها}
*
{ لقد كان الإنسان غير موجود ثم أصبح موجودا ثم يصبح غير موجود، فأية هذه الحالات هي المنطق؟ إن كان وجوده منطقا ، فإن عدمه قبل أن يوجد، ثم موته بعد أن وُجد غير منطق. ولا يمكن أن نفترض وجوده وعدمه منطقيين معا، ولو كانا كذلك لكان تعاقبهما غير منطقي ولا معنى له، كما يمكن افتراض الشيء ونقيضه منطقيا}
*
{ الإنسان لا يستطيع أن يكون منطقيا ولا أخلاقيا ولا متدينا، مهما عبد الآلهة وفعل الفضائل وصاغ الأساليب المنطقية، إنه يحيا فقط. وجميع الظواهر دينية أو أخلاقية ليس إلا أسلوبا في الحياة. ولا تخضع حياة الإنسان للتدين أو الأخلاق أو المنطق إلا بمقدار ما تخضع لذلك حياة النبات وحركة الحجر}
*
{ لم تكن أديان البشر وأفكارهم ولآلهتهم تعبيرا عن خوفهم من الكون، وعن محاولتهم لتفسيره والتناسق معه، بل كان تعبيرا عن خوفهم من أنفسهم وعن محاولتهم لتفسيرها والتناسق معها. فالذي يرى تدبيرا عقليا في الكون أو في الإنسان أو في الآلام، التي تصيب الإنسان كالذي يرى أشباحا غيبية في الظلام...صراع الإنسان مع نفسه تفسيره لها. شعور يتحول إلى إله وعقيدة وموقف نفسي، وآخر يتحول إلى خوف وعبادة لهذا الخوف. فالقصة أذن هي أن الشعور يعبد الشعور، أي الخائف هو صانع الخطر، وأن الإله هو المؤمن، وأن العاشق هو المعشوق! والبشر هم دائما الذين يعكسون على الكون أسراره ومنطقه وهيبته وفضيلته وليس العكس}
*
{ إن الناس ينقدون أنفسهم بحياتهم ويرفضون نقدها بتفكيرهم! لهذا يحيون دائما غير ما يفكرون! والإنسان يستطيع ويصير أفضل مما يفكر ويريد، ولو كان لا يصير إلا كما يفكر ويريد لما تحضر. ونقد الذات هو أحد الفروق الكبيرة بين المجتمعات القوية والمجتمعات الضعيفة. فالأقوياء يدركون نقائصهم ويدركون أن الحياة حركة والحركة تغيير، والتغيير نقد. إذن النقد هو الحياة. الأقوياء أيضا يجرؤون على نقد أنفسهم لأنهم يريدون تغييرها، لأنهم يقدرون على ذلك ويريدون أن يدفعوا ثمنه.}
*
قرأ لرينيه ديكارت كتبه وتأثر برؤيته حين قال:

{ أنا أفكر لأني أحيا ولا أحيا لأني أفكر، الفكر عملنا ولسنا عمله}
*
{لو أن أية حشرة قارضة أو زهرة صحراوية استطاعت أن تتحدث عن نفسها، كما نستطيع نحن البشر لوجدت ما تقوله ثناء على نفسها وعلى منطقها أكثر مما وجدنا، ولألفت أضخم الكتب للتدليل على ما في وجودها وحياتها وسلوكها، من براعة منطقية هي أعلى ما في تاريخ الآلهة من ذكاء وفضيلة، و لذهبت حينئذ تزعم، أكبر المزاعم بأنها لا تتحرك ولا تتناسل ولا تنمو ولا تقرض ملابس الناس أو تفسد مزروعاتهم أو تأكل غذاءهم إلا بأقوى وأصدق أساليب المنطق وبأخلاقية هي أفضل من اخلاقية البشر. وقد ينزل الوحي عليها حينئذ ليثني على منطقها أو أخلاقها كما نزل على الناس، وقد يُبعث إليها كذلك الأنبياء كما بُعثوا إلى الناس}
*
{أخطر الأشياء على مجتمع أن يكون الناس فيه مخلصين لعقائدهم وأفكارهم. فالإخلاص ضد الحياة والمجتمع والنظام، ولهذا لم يوجد ولا يمكن أن يوجد مخلص واحد، في أي عصر من العصور. إن المخلص لمذهبه لابد أن يكون متوحشا}
*
{ ليس الانتحار الذي ينهى عنه الواعظون والمدرسون، وإنما هو انتحار النجوم والأنهار، حينما تهوى وتضيء وتفيض في كرم وكبرياء!. إذن ليس في الطبيعة ولا في أعمال الإنسان أو حوافزه أخلاقية، وليس من مصلحة الحياة أن توجد هذه الأخلاقية، والبشر جميعا لا يطيقونها، إنهم يرفضونها كل عصر ومجتمع مهما آمنوا بها ودعوا إليها}
*
{ قصة الحياة أنها تشبه قصة البحر والمطر والنهر. يتحول البحر إلى مطر ونهر، ثم يتحول النهر والمطر إلى بحر، ثم تتكرر العمليات بلا أية فكرة...، والإنسان في أعماله العظيمة يعمل نفس الشيء بنفس الأسلوب ونفس النتيجة، وليست الولادة سوى أبسط وأوضح أسلوب من أساليب الانتحار، لأنها لا تعني شيئا غير نفس هذه العملية العقيمة. حتى العبقرية لا تساوي الإ العبقرية كما أن الانتحار لا يساوي أكثر من الانتحار.}
*
{ إن الشبان المراهقين الذين تروعنا حماستهم للأديان وإيمانهم بالآلهة والزعماء وفدائييهم في سبيل المبادئ والأوطان، لو أنهم وجدوا متنفسا جنسيا أو عاطفيا أو ماديا كافيا ، لفقدوا كثيرا من حماسهم وإيمانهم وفدائيتهم العدوانية المقاتلة. لقد كان هؤلاء الشبان المراهقون هم دائما الحطب الجيد الذي أشعلا منه الأرباب والمغامرون والمجانين الطامحون حراق التاريخ الكبرى. كان الشبان في جميع العصور، هم الغذاء الغبي للبطولات والحماقات والأديان والحروب والمذاهب والخروج على القانون وعلى الأخلاق.}
*
{ ليس مما يشعرنا بالفخر أن نظل نقتات بما يصطاده المغامرون، الذين لا يحترمون آلهتنا ولا عقائدنا، ولا مما يهبنا المجد أن نعيش في الحضارة بأفكار وأخلاق ونفسيات البداوة ، أو أن نظل نؤمن بحكمة الطبيعة بينما الآخرون الذين لا يؤمنون بهذه الحكمة يصوغون هذه الطبيعة، أو أن نظل نتحدث برهبة عن منطق السماء وأمم أخرى تقتحم أسوارها}
*
{لقد كان المفروض أن يكون دعاء المؤمنون: اللهم لا تنصرنا ولا تنصر علينا ،اللهم لا تنصر أحدا على أحد، بل اللهم لا تجعل لنا أعداء لنطلب منك النصر عليهم، ولا تجعلنا أعداء لأحد ليطلب إليك أن تنصره علينا. فإنه لظلم لا يليق بك وحقارة تترفع عنها صفات الأرباب أن تخلق الناس لتجعل منهم منتصرين وآخرين منهزمين، كما أنها هرطقة ووحشية منا أن نتصور ذلك في أخلاقك، أو أن ندخلك في معاركنا الصغيرة الظالمة الوقحة، ذات الأهداف والحوافز السخيفة .إن الذي يتحدث عن انتصاراته على الأعداء بانتهاج ، يشبه الحيوان المفترس حينما يبدو مرحا لأنه افترس حيوانا آخر، أو يشبه الطفل حينما يتحدث كنزق الطبيعة عن إهانات للأطفال الآخرين وعن شجه لرؤوسهم وتحطيمه لأدواتهم.}
*
{ إني أحب الإنسان وأحترمه وأشترط له حيث يبدو إني أهاجمه وأحقره. إني أغضب من أجل الإنسان. ليس لأني قديس، بل لأني حزين. إني أشفق على حياة في كل الأحياء في الإنسان، في الوحش، في الذبابة، في جرثومة المرض التي تقتات بحياتي. ليس لأني قديس، بل لأني كائن حي، يتصور العذاب ويجربه ويعيشه. إني لأحس بدموع البرغوث تتقاطر في عيني وأحزان الذئب تتكلم في أعصابي, هموم العدو تعيش في همومي. ليس لأني قديس، بل لأني ضعيف. إني ضعيف، لهذا أدرك بعمق آلام الإنسان وأخطاء الكون وغباء الحياة. ما رأيت إنسانا يبكي إلا أحسست أن الإنسان الذي في داخلي يبكي، وما رأيت حيوانا مفترسا يجوع إلا أحسست أن حياتي هي التي تجوع. إذا رأيت وجها حزينا وجدت الحزن في أشعة الشمس وفي أريج الزهر وغناء الطير لأني قد وجدته في فكري ووجهي وكل مرئياتي. إني أحزن إذا رأيت محزونا، وإذا رأيت مسرورا فإنه يذكرني بالمحزونين وإنهم الأكثرون. فأحزن أمام الحزن وأحزن أمام السرور. إني أتعذب بكل آلام العالم. ليس لأني قديس، بل لأني إنسان.}
*
{ إن الحزن والبكاء هما أنبل العواطف الإنسانية أمام طوابير العذاب، والتفاهات التي لا نستطيع لها علاجا. ما أفظع أن تكون مبصرا وحساسا ثم لا تكون حزينا ولا ناقدا، وما أفظع ألا تكون مبصرا ولا حساسا. إن هذا الموقف تحت مستوى، تحت مستوى الإنسان. إن الإنسان هو وحده الذي يبكي ويحزن وينقد ويفكر ويتعذب بالرؤية والتفكير والخيال. دعوني أبكي، فما أكثر الضاحكين في مواقف البكاء. دعوني أحزن فما أكثر المبتهجين أمام مواكب الأحزان. دعوني أنقد فما أكثر المعجبين بكل التفاهات. دعوني أعبر عن أحد جانبي الحقيقة ، فما أكثر المعبرين عن الجانب الآخر. دعوني أذرف الدموع فما أكثر من يبكون بلا دموع. دعوني أنقد الكون فما أكثر المؤلهين لأخطائه.}
*
{ الجماهير تكره التشاؤم وتكره نفسها أن تعرف نفسها أو تعرف الحقائق. تكره التشاؤم لأنه نوع من النقد ، وتكره النقد لأنه ينطوي في معناه على المطالبة بالتغيير. والتغيير مخيف لأنه تعب وخطو إلى المجهول. وهي بالتفاؤل لأنه تسامح مع ضعف النفس، وتسويغ للعجز والانتظار والاستغلال وللهرب من الشعور بالنقص وبالالتزامات الثقيلة. أما الذين يبشرون بالتفاؤل هم إما منافقون أو مستغلون أو أغبياء أو مرددون لأغنية ألفها قوم من الدهاة تحت أغراض مذهبية أو سياسية}
*
{ إن الناس يحيون في الخرافة ولكنهم لا يحيون بها، فالخرافة قد تحرك حياتهم دون أن توجدها، هي تهز ولكن لا تخلق . فالحقيقة هي وحدها التي تتحول إلى حقيقة، أما الكذب فإنه يظل دائما كذبا!. الخرافة تعيش بقوة الحقيقة، غير أن الحقيقة لا يمكن أن تعيش بقوة الخرافة. الأكاذيب لا تعول نفسها بل هي تحيا دائما خارج ذاتها!. والذين لا تصنع حياتهم إلا الباطل ومع هذا، يحيون إنما يحيون على حساب حقائق الآخرين، وبقدر ما لديهم هم من حقائق اضطرارية لم يصنعوها ولم يستطيعوا أن يتركوها لأنه لا وجود لهم بدونها. الإنسان مهما كان خرافة فلا بد أن يكون فيه شيء من الحقيقة وإلا لمات.}
*
{ إن جميع ما نفعله ونفكر فيه ليس بحثا عن هدف، أو فكرة أو قوة أو حضارة، بل ولا حتى عن لذة، وإنما هي عملية طرد، وتحويل لهذا الوحش القادم إلينا من الغابة الموحشة بلا غاية وبلا دعوة. ولهذا فليس شيء مما نفعله واجبا أو نبلا أو بطولة ولكنه تعبير عن ورطة، حتى الحب والابتسام والتضحية والذكاء هو تعبير فقط عن هذه الورطة. ونحن لا نفعل ما نفعله لأننا محتاجون إليه أو لأننا نفهمه أو نحترمه أو نريده، بل لأننا نتعالج به من أنفسنا ونحول إليه حياتنا لنشغلها به عنا. إن احتياجنا إلى شيء وإراداتنا له لا يعنيان شيئا، غير التبرير للعمل الذي لا يعني شيئا!. فالبشر في جميع حالاتهم لا يساوون أكثر من وجودهم ثم مقاومتهم لوجودهم بما يسمونه حضارة ونشاطا متعدد الصور والأساليب. ولو لم يوجدوا لما احتاجوا أي لما قاموا، لأنهم لا يقاومون شيئا غير وجودهم. فالمقاومة نتيجة الاحتياج، والاحتياج نتيجة الوجود. ولكن الوجود من أجل ماذا؟ أنا أقاوم وأحاول لأني موجود، ولكن لماذا أنا موجود؟}
*
{ هو لا يوجد لأنه رسالة كونية تنتظرها السماوات لتصنع منها نظامها وذكاءها، بل يوجد ليكون مجرد محتاج، مجرد موجود محكوم عليه بما لا معنى له من الاحتياجات والالتزامات. إن عبقرية الإنسان كلها لا تعني أكثر من تسديد احتياجات وجوده، ووجوده لا يعني شيئا. فماذا تعني العبقرية إذن؟}
*
{ إن من المشكوك فيه أن تكون الأصغر الكائنات الدنيا راغبة في الالتحاق بطوابيرنا، حين ترانا صفوفا نصلي أو نتقاتل تحت أقدام الآلهة أو تحت رايات القادة والزعماء القتلة، هاتفين بأناشيد العبادة أو بأناشيد المجد والحرب بحماس وإيمان فيهما كل معاني الجنون وتعبيراته!}
*
{ إن مذاق المجد الحديث ليهب ضراوة ونذالة أكثر مما يهب مذاق المجد القديم، و إن القائد أو الحاكم الذي يخرج من صلب الشعب لأجرا على الفتك به، من الحاكم أو القائد الذي يهبط من فوق الشمس. والذين اعتادوا الشراب لابد أن يكونوا أكثر اتزانا وتعقلا وتماسكا أخلاقيا حينما يشربون من الذين يجربونه لأول مرة. وأخطر الكؤوس على العقل والأخلاق هي الكؤوس الأولى، إنها أقوى الكؤوس سحرا. المجد كالمشروبات الروحية، أنبله وأعظمه قيمة ووقارا أكثره تعتيقا.}
*
{كم هي الكائنات الدنيا التي تظفر بالعلف الرديء والمأوى الرطب وبالأمان لذليل، وبالأعمال الجنسية الموفورة وبالتناسل الخصب ، تناسل الحشرات ثم بالموت لمضمون والقبر المريح!}
*
{الناس لا يفرون من الموت لأنهم يحبون الحياة ويكرهون الموت، وكيف يكرهون شيئا لم يجربوه، بل كيف يكرهون صديقا يحل لهم جميع المشاكل المستعصية. إن البشر يبحثون عن الغيبوبة والراحة والسكون والهرب من المسؤولية، وعن النوم العميق. والموت يحقق لهم كل ذلك!. وإنما يفرون من الموت لأن الموت تغيّر وفراق، فهم يرفضون أن يموتوا، أي يرفضون أن يتغيروا أو يفارقوا. إنهم أحياء، فلماذا يقبلون أن يموتوا أي أن يكونوا شيئا آخر، ورفض التغير والفراق هو الذي يمنح المعتقدات القوة والبقاء ويصنع الجبناء، لا حب هذه المعتقدات والنظم ولا حب الحياة. وهذا هو الذي يجعل المجتمعات دائما بطيئة الحركة، تعادي دعاة التجديد وتصلبهم على أبواب المعابد في أغلب الأوقات!}

{إن الحزن رقي إنساني، ليست الدعوات الإصلاحية ولا النبوات أو الأفكار أو النقد أو الفلسفات إلا أسمى أساليب التعبير عن الحزن}

عبدالله الشقليني
21 يناير 2020

alshiglini@gmail.com

//////////////////

//////////////////
//////////////////

 

آراء