ثقافة الاعتراف بالخطأ

 


 

 


(كلام عابر)

سقطت دولة الإنقاذ سقوطا مدويا،على الأقل بصورتها وبشعاراتها المرفوعة طوال سنوات عمرها الثلاثين وطوال ثلاثين سنة اخرى سابقة لها.سنة الله في كونه، فالباطل إلى زوال مهما تمكن في الأرض. سقط مشروعهم الإسلاموي برمته ولكن معظمهم يكابرون حتى بعد ان استفاقوا من هول الصدمة.عن ثقافة الاعتراف بالهزيمة يقول المفكر الفلسطيني الاستاذ رامز المدهون إن الشجاعة الحقيقية أن تعلم أنك مهزوم وتقر بتلك الهزيمة."عدم الاعتراف بالهزيمة تعود أسبابه لموروثات عقائدية أو تراثية ، لكن بالدرجة الأولى هو من موروثات الرجل الأعرابي الذي يستطيع أن يجند أموالا وأولادا لحروب تدميرية عبثية من قبيل داحس والغبراء و البسوس وغيرها تستمر سنين طويلة وتستنفد مصادر مهولة وأن يخطط لها بدهاء ومكر وذكاء لكنه لا يستطيع أن يتصور او يخطط أو يستثمر أي ذكاء فيما بعد تلك الحروب و كيفية تضميد جراحها أو بناء نسيج اجتماعي واقتصادي وثقافي دمرته تلك الحروب والكوارث". دولة الإنقاذ كانت تجمع بوجه حق أو بغيره بين الإسلاموية والعروبوية. الاعتراف بالهزيمة يصطدم في أذهان كثيرين بالعار الاجتماعي والسياسي والمكاسب الفئوية أو بالمعتقد الديني المرتبط بالتولي يوم الزحف. 

الوقفة الشجاعة مع الذات والإعتراف بخطا التجربة وقبح الممارسات أفضل وأكرم من المراوغة مع المحققين مثلما يفعل بكري حسن صالح وعلي الحاج وابراهيم السنوسي وعلي عثمان وأحمد ابراهيم محمد الذي ادعى أنه فقد الذاكرة بفعل الزهايمر.هو إنكسار قبيح لا يليق بمن كانوا زعماء قومهموكانت أفواههم تقذف الحمم وتصغير الآخرين. ما زال التاريخ يحفظ انكسار عرابي وهو في سجنه في سيلان طالبا العفو من الخديوي وتذلل ضياء الدين داؤد للسادات ليفرج عنه وانكسار أيمن نور ليصفح عنه مبارك، وانكسار مبارك نفسه حينما جاء للمحكمة مستلقيا على محفة،(الصقر إن وقع كترة البتابت عيبو) وفي نفس الوقت يذكر التاريخ صمود محمود ود أحمد ومحمود محمد طه وديدان كيماثي وفيدل كاسترو وغيرهم من الشواهق.
لا بد للواقعيين من الإسلامويين الذين استفاقوا من هول الصدمة والذين يقرأون الواقع والمستقبل قراءة صحيحة، لا بد لهم من وقفة شجاعة مع الذات تتجاوز أحلام الماضي، والاعتذار للشعب السوداني عن القتل والنهب والسرقة والتسلط الذي مارسوه وهو يفوق في سوئه الحكم التركي في السودان مع اختلاف المفاهيم والمقاييس والتطور الإنساني وتغير الازمنة. عليهم التكفير عن خطاياهم على الاقل بالمساعدة في استرداد أموال الوطن الموهوبة ليعودوا من جديد لحضن الوطن ضمن النسيج الإجتماعي برؤى أخلاقية جديدة تتماهى مع الموروث السوداني خالية من أوهام العظمة والإنكفاء على الماضي.قطعا لن يكون في امكانهم مستقبلا أن يكونوا حزبا يرفع نفس الشعارات الإسلامية الخادعة بعد أن تغيرت قواعد اللعبة، ولن يقبل المزاج السوداني بكل تأكيد تكرار تجربة المتاجرة بالشعارات الدينية التي أكسبته تجربة الإنقاذيين المريرة مناعة ضدها.الشعب السوداني شعب كريم متسامح يستحق الإعتذار فلو كان سقوط دولتهم في مكان غير السودان لأريقت الدماء واستبيحت النساء كما حدث في بلدان أخرى قريبة وبعيدة. السودان وطنهم ومن حقهم ان يبقوا فيه، لهم ما للآخرين من حقوق وعليهم ما على الآخرين من واجبات، لكن من حق ضحاياهم،وهو الشعب السوداني باكمله، أن يتلقوا منهم إعتذارا صريحا عن الظلم الذي لحق بالشعب السوداني في سنوات تمكنهم .كلما أسرعوا بالاعتذار و(التحلل) من ماضيهم كلما كان ذلك أفضل فقد يأتي حين من الدهر لا يكون فيه مبدأ الإعتذار مرضيا أو مقبولا.
قبل الختام:
تقدم السودان رسميا،ممثلا في قيادته العسكرية، بالعزاء لحاكم مصر في رحيل ىسلفه حسني مبارك، وما دمنا نترحم على حسني مبارك الذي احتلت قواته أراض سودانية وأراقت فيها دماء سودانية متستر على تفاصيلها إلى يوم الناس هذا، فلا مانع من أن ندعو بالرحمة والمغفرة لأسلافه المحتلين محمد علي وابنه اسماعيل والدفتردار وغردون وكتشنر، فلا فرق بينهم وبين حسني مبارك.
(عبدالله علقم)


abdullahi.algam@gmail.com

 

آراء